منذ قيام ثورة يناير المجيدة التي أذهلت العالم بسلميتها والأسلوب الحضاري الذي انتهجه شعب مصر العظيم متسلحاً بالإصرار والإرادة والتحدي وتاريخه العريق علي تحقيق النصر حتي اسقط النظام السابق.. الفاسد.. الفاشل.. المخلوع.. وقهر دولة الظلم والاستبداد.. أصبحت النموذج الذي تقتدي به شعوب العالم المحبة للسلام والباحثة عن الحرية والكرامة ومصدر إلهام لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية وبناء المؤسسات العلمية والاقتصادية والاجتماعية التي تنهض بها وتحقق الرفاهية والحياة الكريمة لمواطنيها.. وتحمل رجالات قواتنا المسلحة البواسل أعظم جيوش العالم مسئولياتهم بشجاعة نادرة في حماية الثورة والانتصار للشعب والانحياز له والعبور بثورته المجيدة لبحر الأمان.. وكان هذا التلاحم التاريخي بين جموع الشعب المصري وجيشه العملاق صاحب انتصار وعبور أكتوبر أعظم الانجازات العسكرية في العصر الحديث وراء نجاح تلك الثورة المجيدة.. زاد من روعة هذا النجاح أن الشعب المصري بكل أطيافه وقياداته وقواها وأحزابه السياسية ارتضوا.. واتفقوا علي الاحتكام للقانون والدستور لتحقيق أهداف الثورة واستكمال مرحلة التحول للديمقراطية وبناء الجمهورية الثانية لمصر الحديثة دولة العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية القادرة علي الوقوف علي قدم المساواة قريباً مع دول العالم المتقدمة اقتصادياً وعلمياً واجتماعياً.. وتم وضع خارطة طريق لمراحل استكمال البناء بإجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري ثم وضع الدستور الجديد للبلاد وتكون انتخابات رئيس الجمهورية لأول مرة في تاريخ مصر الحديث باكورة هذا العرس الديمقراطي.. وهنا كان صدور الإعلان الدستوري لتنظيم هذه المراحل لبناء مصر ما بعد الثورة وخرجت جموع الشعب المصري لتعلن تأييدها للإعلان الدستوري في مقدمته التيار الإسلامي وكان من ضمن بنود الإعلان الدستوري المادة 28 والتي أكدت علي تشكيل لجنة عليا للإشراف علي انتخابات رئيس مصر من شيوخ وقيادات القضاء في مصر ونصت المادة 28 علي أن قرار اللجنة نهائية لا يجوز الطعن عليها ومع دخول عرس انتخابات الرئاسة مرحلة الجد وقيامها باتخاذ قرار باستبعاد 10 مرشحين لا تنطبق عليهم شروط الترشيح طبقاً للقانون والإعلان الدستوري فوجئنا بثورة عارمة وحالة غضب شديدين وصلت إلي حد الاعتصام والتهديد بالعنف والإعلان عن عودة المليونيات مرة أخري إلي ميدان التحرير خاصة من جانب أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل والمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين لتتغير المواقف فجأة من ناحية.. وعودة التيار الليبرالي والثوري لدعم هذه المليونيات نتيجة لقبول أوراق ترشيح بعض المحسوبين علي النظام السابق وفي مقدمتهم الفريق أحمد شفيق وعمرو موسي لتدخل البلاد مرة أخري في مرحلة غاية في الخطورة وكأنه كتب علي شعب مصر أن يعيش في حالة من التوتر وعدم الاستقرار والفوضي السياسية التي ضربت الاقتصاد المصري في مقتل حتي أوشك علي الانهيار بسبب الصراع علي السلطة فالكل يريد نصيبه من كعكة مصر.. والكل يضرب بالقانون عرض الحائط عندما يتعارض مع مصالحه ونسي الجميع أن مظلة القانون التي احتمينا تحتها منذ قيام الثورة حمت البلاد والعباد من الدخول في صراعات دموية.. كانت كفيلة بأن تأكل الأخضر واليابس وأقولها صريحة لمن خرجوا يطالبون اليوم بتعديل المادة 28 إن تلك المادة التي انهارت أحلامك في السلطة علي أبوابها أراها طوق النجاة الذي سينقذ مصر في تلك المرحلة المفصلية والمصيرية والاستثنائية من دوامة الفوضي السياسية والانهيار والضعف والهوان الذي وصلت إليه علي كافة الأصعدة وعدم الطعن عليها هو كلمة السر الذي ستعيد إليها الاستقرار والهدوء لأنها ستغلق الباب بالضبة والمفتاح علي حالة التسيب والسيولة التي يعيشها الوطن في كل قطاعاته وتكتب كلمة النهاية لأن قدوم رئيس جمهورية عبر صناديق الانتخاب والسماح بالطعن عليه يعني ببساطة استمرار حالة الفوضي والغليان التي تعيشها البلاد وتقودها للانهيار.. وإذا كان البعض يتحفظ علي عدم جواز الطعن.. فإن ذلك مقبول علي انتخابات الرئاسة عام 2016 وأؤيد شخصياً تعديلها ولكن في تلك المرحلة الاستثنائية التي يتصارع فيها الكل فقط من أجل مصلحته فإن المادة 28 بنصها الحالي أراه نصاً تاريخياً لأنه طوق النجاة القادر علي إنقاذ مصر من هذا النفق المظلم والدوامة التي دخلتها لأننا مازلنا في كي جي ون ديمقراطية.. ويجب أن يثق ويحترم هؤلاء المتصارعون علي السلطة في ذكاء الشعب المصري وقدرته علي اختيار رئيس دون أن يعيد استنساخ وإنتاج النظام المخلوع.