دخل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي تنطلق عروضه اليوم عامه الثاني والعشرين.. وعلي الرغم من التأثير المهم لهذا المهرجان علي المسرح المصري. فإن هناك هجوماً لا يتوقف علي هذا المهرجان. وتزداد حدته مع بداية كل دورة جديدة. حتي أن البعض يحلو لهم استبدال حرف الخاء بالجيم ليصبح المهرجان بالنسبة لهم "التخريبي" بدلاً من التجريبي. إن هؤلاء يريدون للمهرجان ان يصبح "مغسل وضامن جنة". وواقع الأمر ان هذا ليس دوره. لقد جاء هذا المهرجان كفكرة طرحها فاروق حسني وزير الثقافة وتبناها بهدف اطلاع المسرحيين المصريين والعرب علي التجارب المسرحية الجديدة التي تقدمها دول العالم. التجارب المختلفة والمتمردة والمتجاوزة للسائد والمألوف. مما سيترك أثره. بالتأكيد علي كل مسرحي موهوب لديه هاجس المغايرة. أيضاً فإن المهرجان. ومن خلال حركة ترجمة واسعة من عدة لغات. أتاح للمهتمين مجموعة كبيرة من الكتب وصلت إلي حوالي 350 كتابا في عناصر المسرح المختلفة كتابة وتمثيلا واخراجا وسينوغرافيا ونقداً وغيرها.. وهو ما لم يكن متاحاً في لغتنا العربية قبل المهرجان. الذي حدث أن عدداً من الشباب الموهوبين الذين يأخذونها جداً استفادوا من كل هذا الثراء الذي حققه المهرجان بالمشاهدة والقراءة والفهم والتدريب فتطورت تجاربهم وقدموا اعمالاً لافتة. بينما اكتفي غيرهم بالقشور وراحوا يستنسخون تجارب الآخرين بشكل غبي ويدعون التجريب ليس ايماناً بضرورته بقدر ما هو نوع من الترف ومحاولة لمجاراة الموضة فأساءوا للتجربة عموماً. طبيعي في أي تجربة جديدة أن يظهر مدعون راجع تجربة قصيدة النثر وربما يكون عدد هؤلاء المدعين أكبر بكثير من الذين تبنوا هذه التجربة أو تلك باعتبارها ضرورة واحتياجاً للتمرد علي تجربة أخري تبنوها ومارسوها ثم اصبحت اضيق من طموحاتهم واضيق من ان تعبر عن وجهة نظرهم وموقفهم من العالم. فجاء تمردهم تمرد العارف والمحتاج لا تمرد الجاهل والساعي إلي الترف وواضع القناع والكسول الذي يفوته القطار دائماً. الذي افرزه المهرجان التجريبي يمثل وعياً جديداً بالمسرح ودوره وأشكالاً مختلفة تثري التجربة المسرحية في مصر وحركة نقدية شابة تهتم أكثر بتحليل عناصر العرض المسرحي وليس بمجرد حكي الحدوتة كما كان يفعل القدماء وجمهوراً مختلفاً في حساسيته كان في حاجة إلي تجربة متمردة تخلخل القديم المستهلك الذي لا يناسب لحظتنا الراهنة. وفي ظني أن الهدف من التجريب ليس جعله نموذجاً وحيداً وواحداً. بل أن يتجاور مع القديم بعد أن يهضمه ويخرج منه. يتأثر به ويؤثر فيه لتطوير بنيته أو اعادة اكتشاف طاقته و"عصرنتها".. وبدون هذا الحراك والاشتباك والتفاعل لظل المسرح المصري يدور في فلك الخمسينيات والستينيات غير عابئ بما يحدث حوله من تغيرات تقول له: تطور من فضلك أو فلتذهب إلي المتحف أو إلي الجحيم!!