كتبت في هذه الزاوية يوم الأربعاء الماضي مقالاً بعنوان "الانقلاب علي الشرعية" أشرت فيه إلي أن هناك تياراً يتصاعد الآن للعمل علي سحب الشرعية من البرلمان المنتخب.. ومن مسيرة التحول الديمقراطي بكل خطواتها التي تحققت وخطواتها القادمة.. بهدف ادخال البلد في نفق مظلم وحرب أهلية.. لا قدر الله. ونقلت عن بعض التقارير ما يتردد عن إجراء اتصالات واجتماعات لتشكيل حزب جديد باسم الثورة مدعوم ماليا من أمريكا ودول الخليج وأوروبا ورجال الأعمال المحليين والمصريين بالخارج.. ومدعوم إعلاميا من منابر داخلية وخارجية تتبني أفكار ومواصفات وتوجهات الحزب الوطني المنحل.. وحتي ينضج هذا الحزب ليأخذ مكانه علي الساحة سيتم محاصرة الحكومة والبرلمان بحالة من الهياج الجماعي للمطالب الفئوية والاعتصامات لاحداث أكبر قدر من الانفلات الأمني واظهار عجز الحكومة.. وصولاَ إلي حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة بدعوي أن مبررات سحب الثقة قائمة والشعب غاضب. قد فاجأني حوار الدكتور محمد البرادعي مع الزميلين محمود سعد وحسين عبدالغني علي قناة "النهار" بتفسير واقعي لما كنت أظنه كابوسا مخيفا.. فالرجل يتحدث بكل صراحة عن اجتماعات واتصالات لتشكيل حزب جديد مع مجموعة من الشباب.. وبالمناسبة فإن من حق الدكتور البرادعي ومن حقي وحق أي مصري أن يعمل علي تشكيل حزب جديد كما يريد.. ولكن انظر ماذا يقول هو عن هذا الحزب. يقول: "نعمل الآن لتشكيل كيان حزبي باسم الثورة سوف يظهر قريبا.. ليقود الثورة التي سرقت منا وتنتقل اليه السلطة في الانتخابات القادمة. لكن.. متي ستكون الانتخابات القادمة؟! يقول د. البرادعي: "السيناريو الذي تم حتي الآن بإجراء الانتخابات أولا ثبت فشله.. ولذلك لابد من تعديله عن طريق قيام المجلس العسكري بتعديل الاعلان الدستوري وتشكيل اللجنة الدستورية غدا وبسرعة يتم وضع الدستور.. ثم يتم انتخاب رئيس مؤقت وحل مجلس الشعب ومجلس الشوري وإجراء انتخابات جديدة.. يشارك فيها حزب الثورة.. حزب الشباب الذي يضم د. عبدالجليل مصطفي ود. علاء الاسواني ووائل قنديل ومجموعة من الشباب الذين نشتغل معهم". هكذا يضع د. البرادعي سيناريو جديدا يعود بمصر إلي بداية المرحلة الانتقالية لنخوضها من جديد.. فالرئيس مؤقت.. والبرلمان الحالي مؤقت.. ولابد من إجراء انتخابات جديدة في سياق جديد لابراز تشكيلة مغايرة للتشكيلة الحالية التي لا تعجبه. ولكي يتحقق ذلك لابد أن تكون للدكتور البرادعي رؤية واضحة في سحب الشرعية من البرلمان الحالي ومن الانتخابات رغم أن المراقب المحايد والموضوعي يجب أن يتوقف عن هذه الأحكام حاليا حتي يري أداء مجلس الشعب وبرنامج التغيير الذي يحمله.. ويمنحه الفرصة الكاملة قبل أن يخضعه للتقييم.. لكن الدكتور البرادعي لديه الأحكام الجاهزة علي النحو التالي كما ذكرها في الحوار: * مجلس الشعب مشكوك في شرعيته.. وهو لا يمثل الشعب المصري تمثيلا صحيحا.. لا يمثل أهل النوبة ولا أهل سيناء ولا المرأة ولا الأقباط.. والغريب ان الزميلين لم يسألاه عن الذين نجحوا في دوائر النوبة وسيناء هل هم من أهلها ام مستوردون من الخارج. * الشعب سيصحو مرة ثانية وسيكون له رأي آخر في انتخابات مجلس الشعب التي تمت في سياق خاطيء. * الدستور القادم لن يكون له علاقة بالديمقراطية.. ولا يمكن أن أترشح في إطار دستوري غير واضح حتي لا أكون رئيس واجهة. * الشباب أدرك أنه أخطأ وأن الثورة سرقت منه.. لكنه عاد وعرف طريقه الآن.. وسوف نكسب الحرب في النهاية.. لن نترك الساحة.. ولن يضحكوا علينا مرة أخري.. أنا باشتغل بطريقة "لازم نضغط عشان نمشي". * رفضت أن أعمل معهم طبقا لما يريدون.. ولكن من خلال الحزب الجديد سوف ننجح في تحرير 85 مليون مصري.. وما بدأته مع الشباب هو الذي سيوصلنا.. فالشباب هم الأمل.. وهم بركتنا. * لنا علاقات جيدة مع رجال الاعمال والعرب ودول الخليج والعالم الخارجي.. ومصر لا تعيش في معزل عن العالم.. وأنا أعرف أناساً طيبين في أوروبا يشتغلون بأمانة ويقدمون المساعدات في دارفور والصومال. * المجلس العسكري مازال عنده فرصة للخروج الآمن المحترم إذا انتخب رئيس مؤقت أو مجلس رئاسي وائتلاف ثوري.. أري أن هؤلاء الناس أخطأوا ولابد أن يصححوا أخطاءهم.. وهم يعيشون في وهم أسمه الامن القومي.. وأن هناك مؤامرات في الداخل والخارج. هذه بعض النقاط السريعة التي سجلتها في أوراقي من الحوار.. والتي أري انها تخفي تحركا وتدبيرا يمكن أن يأخذنا الي طريق الخطر اذا ما كان هناك إصرار علي الانقلاب علي الشرعية والنكوص عن خطوات التحول الديمقراطي التي تمت حتي يتم تسليم الحكم فعلا الي سلطة مدنية منتخبة. بقيت لدي ملاحظة علي أسئلة الزميلين محمود سعد وحسين عبدالغني.. فقد بدا واضحا انها موجهة لكي يقدم الرجل الي الجمهور بطرح جديد "نيولوك سياسي" ويدافع عن نفسه.. حتي كانت الحلقة للعلاقات العامة وليست للضمير الصحفي والاعلامي.. وإلا فلماذا لم يسألاه عن حقيقة ما نشرته المصري اليوم عن غضب أمريكا من عدم توليه رئاسة حكومة الانقاذ وضغطها علي دول الخليج وأوروبا لكي لا تقدم قروضا ومنحاً لمصر عقابا للمجلس العسكري علي ذلك.. ولماذا لما يسألاه عن قضية التمويل الامريكي لبعض الفصائل السياسية في مصر تحت مظلة العمل الاهلي.. ولماذا لم يسألاه عن سبب رفض الخليج مساعدة مصر حاليا وهروب بعض رجال الاعمال بأكثر من عشرة مليارات دولار. أما أظرف ما لفت النظر في الحوار فكان التعبير الذي استخدمه الزميل محمود سعد حين قال ساخرا: "الشعب انقلب علينا" وأعتقد أنه من الافضل للثلاثة ان ينظروا في مرآة صحيحة ليجدوا اجابة صادقة وجادة لهذا السؤال.