يتطلع اليمنيون بمشاعر ممزوجة بالأمل والقلق ازاء النتائج التي يمكن ان تسفر عنها مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة الخانقة والمزمنة التي تعاني منها اليمن ودخلت شهرها الثالث وسط اعتصامات ومسيرات حاشدة مناوئة ومؤيدة للرئيس اليمني. ومرجعية الآمال الشعبية اليمنية في جهود الخليج مرجعها أنها المبادرة التاسعة في سياق محاولات لاحتواء الأوضاع في اليمن دون جدوي وربما تكون الشعرة الأخيرة التي تربط بين الطرفين وتحظي بدعم دولي وإقليمي واسع وخاصة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. أما بواعث القلق فهي أن فشل المبادرة الخليجية يعني احتمال تفجر الموقف بشكل خطير في مشهد يحاول الجميع أن يتجنب حتي تخيله لأنه السيناريو الأسوأ الذي يعني القضاء علي الأخضر واليابس في بلاد أبناؤها مسلحون وقبائل. ويؤكد جمال بن عمر المستشار السياسي للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلي اليمن دعم الأممالمتحدة للمبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية بأسلوب الحوار والتفاوض والتي تأتي في إطار جهود إقليمية ودولية, داعيا كل الأطراف اليمنية للتعامل معها لما فيه مصلحة بلادهم. وقال ل( الأهرام) علي هامش زيارة قام بها إلي صنعاء وأجري خلالها لقاءات مع الرئيس اليمني وأطراف حكومية وحزبية ونقابية إن الأممالمتحدة دعت الأطراف اليمنية إلي حل الخلافات عن طريق الحوار ونبذ العنف بكل أشكاله, مشددا علي أن الحلول لايمكن إلا أن تكون يمنية وأي عامل خارجي لايجب إلا أن يكون مساعدا. صعوبات وتواجه الوساطة الخليجية صعوبات جمة أولها رفض شباب الثورة اليمنية لها جملة وتفصيلا لأنها في نظرهم تضمن خروجا آمنا للرئيس دون محاكمته كما أنهم لا يشاركون في المفاوضات الجارية حول المبادرة, فضلا عن المسافة لاتزال بعيدة بين السلطة والمعارضة فيما يتعلق بطريقة تسليم السلطة ونقل صلاحيات الرئيس أو تنحيه. فبينما يلوح الرئيس ومؤيدوه بتبادل السلطة سلميا عبر الدستور وبتدرج, تري المعارضة أن الرحيل قضية منتهية وليست قابلة للتفاوض. كما تصطدم المبادرة الخليجية بما يتردد عن انقسامات بين الدول الخليجية نفسها الأمر الذي جعل منها مبادرتين الأولي أعلنتها وتؤيدها قطر وتنص علي تنحي الرئيس والثانية تتحدث عن نقل الرئيس سلطاته إلي نائبه وتؤيدها بقية دول الخليج. ويؤكد القيادي في المعارضة اليمنية محمد الصبري أن المعارضة نجحت في شرح وجهة نظرها حول الرحيل الفوري للرئيس اليمني خلال اجتماع الرياض وأنه يتعين علي دول الخليج أن تفهم أن بقاء علي عبدالله صالح في الحكم يهدد استقرارها. المعني نفسه يكرره الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني والرئيس الدوري للقاء المشترك الذي تنضوي تحت لوائه المعارضة والذي يري أن المبادرة الخليجية هي للتطبيق ولا يمكن التفاوض حولها فيما يتعلق خصوصا بتنحي الرئيس. وتعتمد المبادرة الخليجية علي خمسة مبادئ أساسية وخطوتين تنفيذيتين, تفضيان إلي تسليم السلطة لنائب الرئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة, من دون أن تحسم مسألة تنحي الرئيس صالح عن السلطة. مخاوف المعارضة لكن في المقابل فإن قيادات حزب المؤتمر الشعبي الحاكم تعطي إشارات تعزز مخاوف المعارضة, حيث يقول رئيس الدائرة الاعلامية بالمؤتمر الشعبي العام طارق الشامي إن هناك خطورة لنقل السلطة أو تسليم الرئيس صالح لها خارج ما وصفها بالشرعية الدستورية المتمثلة في انتخابات قال انهم مستعدون في الحزب الحاكم لاجراءها. ويتابع الشامي: إن الخطر سيعم اليمن ودول المنطقة التي قال إن عليها دعم الشرعية الدستورية حفاظا علي أمن واستقرار اليمن, مؤكدا رفضهم المطلق في المؤتمر الشعبي العام لقبول تنحي الرئيس أو رحيله. لذا فإن مهمة الخليجيين تبدو صعبة في اخراج الأطراف اليمنية مما هي عليه كونهم في هذه المرحلة يبحثون عن توافق بين الأطراف, ولا يريدون الغرق في جدال التفسيرات التي يريدها كل طرف في العملية السياسية اليمنية. لكن من المنتظر أيضا أن تمارس دول الخليج وأمريكا ضغوطا علي الطرفين للتنازل عن بعض الشروط وتحقيق مرونة كافية لإنجاح المبادرة وإنقاذ اليمن من مخاطر السقوط في دوامة الحرب الأهلية. مسلسل مبادرات مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي كانت التاسعة في سلسلة مبادرات من الرئيس اليمني وحزبه وقيادات قبلية وعلماء وقادة المعارضة فشلت جميعها في الخروج من عنق الزجاجة. المبادرة الأولي كانت من الرئيس علي عبدالله صالح في2 فبراير الماضي أعلن فيها أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشوري عدم التوريث لابنه أو التمديد لنفسه, واقترح تأجيل الانتخابات التشريعية من أجل الإعداد لتعديلات دستورية تمهد لإصلاحات سياسية وانتخابية, مؤكدا أنه لا ينوي الترشح لفترة رئاسية جديدة بعد أن تنتهي فترة رئاسته الحالية في عام2013. وتقدم علماء اليمن بمبادرة لحل الازمة اليمنية في28 فبراير2011, تضمنت سبع نقاط تمثلت في سحب قانون الانتخابات والاستفتاء واعادته لمجلس النواب لإقراره بالتوافق, وسحب مشروع التعديلات الدستورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق واحالة الفاسدين الي القضاء. وتقدمت أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في الاول من مارس2011, بمبادرة ثالثة لنقل السلطة سلميا وعدم توريثها خلال فترة زمنية لا تتعدي نهاية هذا العام. وفي مبادرة رابعة يوم10 مارس2011 أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن مبادرة جديدة تتضمن تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشوري والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز علي الفصل بين السلطات ويستفتي عليه في نهاية هذا العام2011, والانتقال إلي النظام البرلماني وبحيث تنتقل كل الصلاحيات التنفيذية إلي الحكومة البرلمانية في نهاية العام2011 وبداية2012. أما المبادرة الخامسة والتي لم تعلن كل تفاصيلها وتقدم بها صالح للسفير الامريكي بصنعاء في30 مارس2011 فقد كانت تنص علي تشكيل حكومة انتقالية مشتركة من المؤتمر والمشترك الذي يتولي رئاستها ونقل الصلاحيات الدستورية للرئيس إلي هذه الحكومة مقابل بقاؤه في منصبه حتي نهاية ولايته عام2013, واحتفاظ الرئيس بصلاحياته علي وزارتي الدفاع والخارجية, واستقالة اللواء علي محسن صالح وتنحية أبناء الرئيس واقاربه من السلطة. والمبادرة السادسة في جملة المبادرات والثانية لأحزاب اللقاء المشترك المعارض تقدمت بها في الأول من أبريل وتضمنت خمس نقاط اهمها أن يعلن الرئيس تنحيه عن منصبه, وتنتقل سلطاته وصلاحياته لنائبه, وأن يقوم النائب فور توليه السلطة بإعادة هيكلة الأمن القومي, والأمن المركزي, وكذا الحرس الجمهوري, وأن يتم التوافق مع الرئيس المؤقت علي صيغة للسلطة خلال الفترة الانتقالية تقوم علي قاعدة التوافق الوطني. وقد تقدمت دول مجلس التعاون الخليجي بمبادرة في3 ابريل لحل الازمة اليمنية وتضمنت' اعلان الرئيس اليمني التنحي ونقل صلاحياته لنائبه والتأكيد علي ضمان وسلامة وعدم اجراء ملاحقة له ولجميع اقاربه واركان نظامه, وتشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها تسيير أعمال البلاد لفترة محدودة والاعداد لإجراء استفتاء علي الدستور وانتخابات نيابية ورئاسية. وتم تعديل بعض نصوص المبادرة الي الصيغة التالية في10 أبريل وتشمل' يعلن رئيس الجمهورية نقل صلاحياته إلي نائب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة المعارضة ولها الحق في تشكيل اللجان والمجالس المختصة, لتسيير الأمور سياسيا وأمنيا واقتصاديا ووضع دستور وإجراء الانتخابات'. وفي اطار مبادرات حل الازمة اليمنية تقدم الجانبان الامريكي والاوروبي برؤية هي الثامنة لجدولة المبادرة الخليجية في16 أبريل تنص علي توقيع اتفاق بين الرئيس وأحزاب اللقاء المشترك المعارض برعاية واشنطن يتضمن أن ينقل صالح صلاحياته خلال أسبوع من قيامه بإصدار قرار بتعيين نائب جديد للرئيس, وأوضحت الرؤية أن يقوم النائب الذي تم نقل صلاحيات الرئيس له بإصدار قرار بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة شخصية من المعارضة اليمنية. ومع كل هذا السيل من المبادرات والوساطات يأمل اليمنيون المتعطشون للتغيير إلي ابتكار اسلوب ونموذج جديد ربما لايكون علي الطريقة المصرية أو التونسية التي خلعت الرئيس بشكل فوري في18 يوما أو25 يوما ولا الطريقة الليبية الدموية التي لاتزال تستنزف مقدرات الدولة بل بطريقة مبتكرة تعتمد علي تسليم ونقل السلطة بالحوار السلمي