وتمت الانتخابات البرلمانية بمراحلها الثلاث وسط اقبال جماهيري منقطع النظير وغير مسبوق, وصلت نسبته62% ممن لهم حق التصويت, وتمت بهدوء ونزاهة وشفافية تحت الإشراف القضائي الكامل وتأمين الشرطة والقوات المسلحة, وأبهرت طوابير الديمقراطية من الرجال والنساء العالم أجمع, وكان للشباب وكبار السن دور بارز ومؤثر وذو مغذي ومعني سواء في الريف أو الحضر. وأكدت المعركة الانتخابية نوبة الصحيان التي اشعلتها ثورة25 يناير وخرج الشعب المصري من حالة السلبية التي كانت تلفه وتحاصره, واثبتت الانتخابات ان الشعب أصبح حريصا علي الاهتمام بالشأن العام وحريصا علي ممارسة دوره في تحقيق ارادته الحرة بكل مايملك من اصرار علي ممارسة حقه الدستوري باختيار من يمثله, ومن ينوب عنه في كل موقع وكل قرار, وانتهت الي الأبد تزييف ارادة الناخبين وتطهير البرلمان من النواب المرتشين واللصوص وتجار الأراضي وتجار المخدرات وتجار التأشيرات والمتلاعبين بقوت الشعب. وأصبح البرلمان الجديد يمثل الثورة المصرية ويعبر عن ارادة الشعب بجميع فئاته وطوائفه, وصحيح ان البرلمان الجديد لن يعبر عن الثورة تعبيرا كاملا خلال هذه الدورة لأن الاحزاب الشبابية لم تظهر علي الساحة بعد ولأنها نشأت بعد اندلاع الثورة ولم تأخذ فرصتها الكاملة في الوجود في الشارع السياسي والالتحام بالشعب, وقد سيطر علي البرلمان الجديد التيار الاسلامي السياسي المتمثل في الاخوان المسلمين والسلفيين وبعض الرموز من الأحزاب القديمة وفي مقدمتها حزب الوفد. ولا شك أن ميدان التحرير لن يعود بعد الانتخابات, كما كان قبلها, فالانتخابات الديمقراطية نقلت شرعية تمثيل الشعب من الميدان الذي كان مصدرها الوحيد أثناء مراحل الثورة الي البرلمان وصندوق الانتخابات الذي يمثل بداية النظام السياسي الجديد. وميدان التحرير سيظل مكانا للاحتجاجات بجميع أنواعها, والثورة بالانتخابات شقت لنفسها طريقا جديدا يمر بكل شوارع مصر وحواريها وميادينها وقراها, بعد ان اسقطت نظاما فاسدا ووضعت نهاية لنظام سياسي عفن تقع رقابه الآن تحت المحاكمة وداخل أسوار السجون. وأصبح الشعب مطلق الحريات غير خاضع لهيمنة حزب حاكم أو ارادة عليا ترسم مصيره وتحدد خياراته, فلأول مرة يمارس الشعب حرية الاختيار في تقرير مصيره دون املاءات خارجية أو حزبية أو دينية ويتذوق طعم الحرية والديمقراطية, وهو يفرض علي السلطة الحاكمة التي يمثلها المجلس العسكري مطالبه وأولوياته ويقاوم اغراءات العودة بالبلاد الي حكم عسكري, ويقاوم القوي المتشددة والسلفية برفض أفكارها ومبادئها. وأحذر من الانقسام أو الاختلاف وأتمني ألا يقفز أحد علي الشرعية وان يتم تشكيل حكومة ائتلافية وان يتم وضع الدستور بالتوافق, ويجب أن نبدأ اعادة البناء في مصر بأسرع وقت ومصر في أمس الحاجة الي عامل الوقت وضرورة تقديره, ومن الآن وحتي نهاية شهر يونيو سيكون أمامنا مهلة كافية لتشكيل الدستور, والدستور به مواد لا يتم الخلاف عليها وهي مواد نمطية موجودة في كل الدساتير, لكن هناك بعض الموضوعات العامة تتمثل في عدة نقاط يجب أن يدور النقاش حولها, بالنسبة للنظام الرئاسي الديمقراطي أو النظام الرئاسي البرلماني وكل نظام محكوم بمواد دستورية وفترات زمنية ومسئوليات محددة, والقوات المسلحة جزء من الدولة ولها دور رئيسي في البلاد, وحتي عندما نختلف مع المؤسسة العسكرية يجب ألا ندخل في صدام معها بل يجب ان تتم المناقشة بمودة وتفاهم لأن الجميع شركاء في هذا الوطن ويجب ان نصون المؤسسة العسكرية وسلطاتها في اطار الدولة. وإذا كانت التيارات الإسلامية قد حصلت علي الاغلبية في البرلمانية, فلابد ان تكون المعارضة قوية حتي لا ينفرد تيار بعينه بأمور الحكم, ولابد أن يشارك الرأي العام في كل قرار يتم ا تخاذه وهذا هو أساس الديمقراطية التي يجب ان تكون لها الكلمة الأولي والأخيرة, ولا داعي للتخوف والتوجس من اقامة الدولة المدنية, فمصر يجب أن تكون دولة ديمقراطية ودستورية حديثة وهذا هو ما ورد في وثيقة الأزهر, والدستور ومبادؤه هو أبو كل القوانين التي سيتم سنها أو تشريعها ولا يوجد شيء اسمه مبادئ فوق الدستورية.