البحث عن كنوز تراث الموسيقي العربية وتقديمها للجمهور المعاصر وتكملة مشوار الرواد في هذا المجال هذا ما غلب علي برنامج حفلتي كل من فرقة التراث وفرقة الأحلام ومن هنا تنبع اهميتها حيث استمع الجمهور إلي أعمال بعضها لأول مرة والبعض الآخر نادر غناؤه في الفرق الأخري.. الحفلتان تم تقديمهما في مسرح الجمهورية ضمن خريطة حفلات الموسيقي العربية التي تقدمها دار الأوبرا علي مسارحها المختلفة والفرقتان التي نحن بصددهما تربطهما صلة وثيقة حيث ان نجمة فرقة الأحلام ومؤسستها هي نفسها أحلام أحمد نجمة فرقة التراث والنجوم التي استعانت بهم في إحياء الحفل معظمهم من نفس الفرقة.فرقة التراث من اهم فرق الموسيقي العربية التابعة لدار الأوبرا وقائدها الأساسي المايسترو فاروق البابلي ورغم انها من أحدث الفرق حيث انها تأسست عام 2004 إلا انها تضم بين اعضائها أقدم الفنانين الذين عاصروا الفنان الراحل عبدالحليم نويرة مؤسس أول فرقة لاحياء التراث كما انها الفرقة الوحيدة حالياً علي الساحة التي تلتزم بالتقاليد التي وضعها هذا الرائد من الاعتماد علي المجموعة الانشادية بما فيها من إبداع في التوزيع وان جميع السوليستات يخرجون منها ليؤدوا الأغاني ويعودون مرة أخري ليقفوا مع المجموعة التي يبدأ الفصل بها ويختتم أيضاً.مقام الحجازفي هذا الحفل كانت الغلبة لمقام الحجاز حيث جاءت منه عدة فقرات بدأت بالموسيقي البحتة حيث أدت الفرقة الموسيقية سماعي حجاز من أعمال جورج ميشيل وهي من الروائع التي لم نستمع إليها منذ زمن طويل وأداؤها بهذا الاتقان يرجع إلي ان الفرقة لديها عدد كبير من العازفين المهرة أما البداية الغنائية فكانت مع موشح "عنق المليح" الذي يعد من الموشحات الأندلسية التي اشتهرت في بلاد الشام كما تم ايضا تقديم موشح "ما احتيالي يا رفاقي" من ألحان أبوخليل القباني والعمل من درر التراث المحببة ويتميز بتطريب ونغم جميل ويشتهر ببدايته الآلية علي العود وهنا أدته بإتقان المطربة الشابة أنغام والتي من خلال متابعتي لها أجدها من أهم الأصوات علي الساحة الآن التي تؤدي القوالب التراثية باتقان وجمال نادر ومن الأعمال التي اختتم بها الفصل الأول وتمثل أيضاً من روائع التراث دور "إمتي الهوي" ألحان زكريا أحمد ولكن لا أدري لماذا تم أداؤه بشكل جماعي رغم ان الفرقة بها أصوات قادرة علي أداء هذا القالب الصعب والشهير أيضاً.في إطار مقام الحجاز ايضا تضمن البرنامج أغنية "جمالك بيزيد في عينيا" من ألحان محمد فوزي وأداها أحمد الوزيري الذي أيضاً اشتهر بأغاني فوزي ربما لأن نسيج صوته يتشابه معه واستمعنا أيضاً من نفس المقام إلي لحن محمد الموجي "صافيني مرة" من أداء مازن عادل ومن قالب القصيدة امتعنا مصطفي أحمد بلحن محمد عبدالوهاب "مضناك جفاه" وهكذا نجد انه كان هناك فاصل كامل ومتنوع من مقام واحد "الحجاز" وهذا تقليد جديد وجميل نتمني ان يستمر لأن هذا سوف يجعل هناك منهج جديد للكشف عن كنوز التراث.. البرنامج تضمن أغان متنوعة من نجوم الفرقة كل فيما اشتهر به فشدت ايمان عزت أغنية "يا ساعة الوقت اجري" وحسام بدير بأغنية "شفت الحب" التي سبق أن تغني بها محرم فؤاد من ألحان منير مراد والذي يحسب للمايسترو البابلي انه أدخل أغاني فؤاد في برامج الموسيقي العربية وشدت عزة نصر بأغنية "عمري ما دقت الحب" بصوتها المتمكن والتعبيري وحضورها المسرحي.. لا يفوتنا ان نذكر ان عازفي الفرقة يستحقون التحية حيث جاء الأداء متميزاً و أما الختام فكان مع نجم الأداء الصعب أحمد محسن الذي امتعنا بدور "عشنا وشفنا" والذي يعد من أهم الأصوات علي الساحة التي تؤدي قالب "الدور "الأحلامأما فرقة الأحلام والتي قدمت برنامجها عقب فرقة التراث فكان واضحاً حرص الفنانة أحلام أحمد علي تقديم ألحان جديدة وصعبة وغير متداولة ولكن في هذا الحفل عادت إلي اغاني فيروز التي تشتهر بأدائها ولكن مع تقديم أعمال لأول مرة نستمع إليها في حفلة عامة بمصر منها أغاني "اسهار" لحن محمد عبدالوهاب و"ودقوا الماهبيج" و"تك تك" للأخوين رحباني كما شدت بأغاني متداولة واشتهرت بأدائها مثل "مصر عادت شمسك" و"بيقولوا الحب" و"سهر الليالي".. وبالنسبة للأغاني الأخري جاءت متنوعة أكدت من خلالها انها تمتلك صوتاً ذا مساحة واسعة قادرا علي التلوين والحفاظ علي تفاصيل اللحن والدليل انها أدت بمفردها 12 فقرة تنوعت بين الأغنية الخفيفة والقصيدة فقدمت لحن محمد عبدالوهاب "زود جيش أوطانك" ولحن محمود الشريف "يا نيل يا أسمراني" ولحن كارم محمود "صبح الصباح" والمفاجأة اداءها للحن فريد الشهير "اتقل" والتي لأول مرة نسمعه من صوت نسائي وكان اختيار وأداء موفق شدت به أحلام وكأن فريد أبدعه من أجلها ومن ألحان السنباطي غنت قصيدة مصر تتحدث عن نفسها وكما نري نجد تنوعاً كبيراً وكثرة عددية في الألحان نتجت دون شك من خبرة كبيرة وموهبة مصقلة بتدريبات متواصلة ولكن ما يحسب لأحلام اختيارها للأصوات التي شاركتها هذا الحفل سواء من نجوم فرقة التراث أو فنانين في الساحة الفنية وكل أدي ما هو بارع فيه منهم محمد بدر الذي اشتهر بأداء أغاني كارم محمود وأحمد جمال الذي يعد متفوقاً في أغاني فترة شباب عبدالوهاب والذي أمتعنا في فرقة التراث بأغنية "أجري أجري" ومع الأحلام بأغنية "يا دنيا يا غرامي" وغني محيي صلاح "تلات سلامات" أما نجم فرقة التراث ياسر سليمان والذي يعد حالياً أحسن من يؤدي المواويل ويغني ببراعة أغاني محمد عبدالمطلب ومحمد رشدي فقد كان هو مبعث المرح والابتهاج في الصالة التي أخذت تصفق مع غنائه لأغنية "بهية" في فرقة التراث وأغنية "ميتي أشوفك" مع الأحلام.. الحفل شاركت فيه فرقة الجيتاريست مصطفي سند ومعه مجموعة العازفين الذي يعدون من فطاحل العزف في مصر والذين جميعاً يستحقون التحية.