مرة أخري تضرب إسرائيل في مقتل لتذكرنا بما نسينا.. وتصل ذراعها الطويلة إلي اغتيال عالم نووي إيراني في العاصمة طهران.. بنفس الطريقة التي اغتالت بها علماء نوويين آخرين إيرانيين ومصريين.. ولنفس الهدف وهو الحيلولة دون وصول أية دولة عربية أو اسلامية إلي امتلاك التكنولوجيا النووية.. خاصة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم. خوفاً من نجاحها في انتاج قنبلة نووية عربية أو اسلامية.. يستوي في ذلك العراق ومصر وإيران وليبيا.. فيما عدا باكستان التي أفلتت من الحصار في ظروف خاصة. عملية اغتيال العالم النووي الإيراني أحمدي روشان الأستاذ بالجامعة التكنولوجية بطهران تمت أمس الأول.. وقام بها رجل كان يركب دراجة بخارية حيث وضع عبوة ناسفة في سيارة الضحية مما أدي إلي انفجار هائل أسفر أيضا عن إصابة راكبين آخرين بجروح. ولعلك تسأل : لماذا إسرائيل؟! وأجيب بأن جهاز الموساد الإسرائيلي اعتاد علي هذه الجرائم سواء من خلال عملائه مباشرة أو عملاء لأجهزة مخابرات أخري.. المهم أن العملية حتي ولو تمت بتمويل وتخطيط أمريكي أو غير أمريكي فهي في النهاية لحساب إسرائيل. وتعيد هذه العملية إلي الأذهان 3 عمليات مماثلة تمت في العام الماضي واستهدفت علماء نوويين إيرانيين لعرقلة البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.. وقد قتل مسعود علي محمدي عالم الفيزياء النووية المعروف عالمياً في انفجار دراجة بخارية مفخخة أمام منزله في طهران يوم 11 يناير ..2010 وقتل ماجد شهر ياري عالم الفيزياء النووية الإيراني أيضا في انفجار قنبلة لاصقة علي سيارته.. وفي يوليو الماضي قتل العالم الإيراني دريوشي رضائي في انفجار قنبلة لاصقة علي سيارته.. وهذان الآخران علي الأقل كانا يعملان في البرنامج النووي الإيراني. أما الرئيس الحالي لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي فقد نجا من محاولة اغتيال مماثلة في نوفمبر 2010 عندما خرج من سيارته هو وزوجته قبل انفجار العبوة الناسفة التي وضعت بها. وقد أمسكت السلطات الأمنية الإيرانية بأحد المتهمين في هذه الجرائم وحكمت عليه بالإعدام. وكان أحمدي روشان آخر ضحايا الاغتيالات النووية الذي قتل أمس الأول يشغل منصب نائب المدير التجاري لموقع "ناتانز" لتخصيب اليورانيوم الذي يحتوي علي أكثر من ثمانية آلاف جهاز للطرد المركزي. هذا بعض ما حدث مع علماء إيران فماذا حدث مع علماء مصر؟! لعل اغتيال روشان قد ذهب بنا مباشرة إلي جرائم اغتيال علمائنا الكبار : يحيي المشد وسعيد بدير وسمير نجيب ومصطفي مشرفة وجمال حمدان.. وكلهم من عظماء علماء مصر.. ومن يتابع مشاويرهم والطريقة التي انتهت بها حياتهم لابد أن يصاب بالحسرة لأن مصر تركتهم دون حماية كافية في مواجهة رجال المخابرات الإسرائيلية الذين لديهم عقيدة راسخة بمحاربة مصر في علمائها حتي تحرمها من علمهم ومشروعاتهم وبحوثهم.. وتتحول إلي وطن عقيم.. يعيش علي الفتات العلمي الذي يلقي إليه من واشنطن أو تل أبيب أو باريس أو لندن ليس أكثر.. ولايسمح له بأن تكون له مشروعاته وطموحاته العلمية المستقلة. في كتاب للزميل حمادة إمام صدر عام 2010 بعنوان "الموساد واغتيال علماء مصر" قصص يشيب لها الولدان عن الطريقة التي اغتيل بها علماؤنا د.مصطفي مشرفة ود.سميرة موسي ود.يحيي المشد ود.نبيل القليني وسعيد السيد بدير وغيرهم.. ولضيق المساحة سوف أكتفي بشذرات سريعة من بعض هذه القصص علي سبيل المثال : * د.يحيي المشد الأستاذ بجامعة الاسكندرية والمتخصص في أبحاث هندسة المفاعلات ورئيس قسم الهندسة النووية.. هاجر للعراق في أواسط سبعينيات القرن الماضي للمشاركة في مشروع صدام حسين النووي بعدما تعطل مشروعنا المصري النووي.. ومن العراق سافر إلي فرنسا لتسليم وفحص المكونات النووية التي تعاقد عليها صدام.. لكنه عثر عليه مقتولاً في أحد الفنادق وللتمويه قالوا إنه شوهد مع مومس لكن السيدة المتهمة نفت أية علاقة به فقتلوها.. وفي عام 1999 صدر كتاب "التاريخ السري للموساد" الذي أكد مسئولية الموساد عن اغتياله. * سميرة موسي عالمة الذرة المصرية التي تخصصت في الأبحاث النووية وعرضت عليها الجامعات الأمريكية التدريس فيها لكنها رفضت.. وقبل عودتها بأيام تعرضت لحادث تصادم مدبر في كاليفورنيا أودي بحياتها عام .1952 * وفي عام 1967 قرر د.سمير نجيب عالم الذرة المصري بجامعة ديترويت العودة الي وطنه.. وقبل السفر بأيام أيضا اصطدمت سيارة نقل كبيرة بسيارته ولقي مصرعه وقيد الحادث ضد مجهول. * وبنفس هذه الطريقة الغامضة انتهت حياة د.مصطفي مشرفة المتخصص في علوم الذرة ودرس ببريطانيا وكانت له أبحاث عظيمة.. وقد علق أينشتاين علي وفاته قائلا : "إنه لايزال حيا من خلال أبحاثه". * وفي 27 يناير 1975 اختفي الدكتور نبيل القليني عالم الذرة المصري في ظروف غامضة عندما كان موفدا للتدريب في إحدي جامعات تشيكوسلوفاكيا. * وفي يوم 17 يوليو 1989 نشرت الصحف خبراً عن انتحار د.سعيد نجل الفنان السيد بدير الباحث والعالم المتميز في مجال الأقمار الصناعية وهندسة الصواريخ.. حيث فوجيء الجيران برائحة غاز تتسرب من شقته ثم سمعوا صوت ارتطام ووجدوا الدكتور سعيد جثة هامدة.. وعندما قامت النيابة بالمعاينة لاحظت آثار دماء في غرفة النوم لكنها قيدت الحادث علي أنه انتحار رغم شهادة الزوجة والأقارب باستحالة انتحار الرجل. كل هذه الجرائم ضد علمائنا تؤكد أن إسرائيل لن تغفل عن مصر أو إيران أو تركيا أو ليبيا أو أي دولة أخري لديها طموح علمي أو نووي حتي تظل هي واحة العلم والتكنولوجيا والمفاعلات النووية والصواريخ ونظل نحن نعيش في عصر الجمال. إنها قضيتنا جميعا.