يتحدث "سيجموند فرويد" في محاضراته عن التحليل النفسي أن الأحلام تتخلي عن أجزاء من الكلام التي تعبر عن علاقات بين الأفكار كأدوات الإضافة وحروف العطف وغيرها. عندئذ يتحول النص الأصلي لأي مقال الي صيغ لفظية أخري. غير مألوفة وتتكون من عناصر أقل تجريدا وأكثر طواعية للتصوير. اذا عرفنا أن المدلول الحرفي الأصلي للكلمة اللاتينية التي تعني امتلاك الشيء هو "الجلوس علي هذا الشيء" عندئذ سنسرع الي تصوير الامتلاك بأصله اللفظي. وهذا ما يحدث بالتحديد في إخراج الحلم.. ولهذا علينا ألا نطلب من الحلم دقة كبيرة في التصوير. لئلا نضيق بعملية الإخراج الشكلي إذا هي أظهرت عنصراً ما بطريقة يصعب معها رده الي صورة شكلية كفكرة هتك العقود الزوجية مثلا والتعبير عنه بكسر أو هتك من نوع آخر. تهتك في الذراع أو الساق. اذا وضعنا هذا الأمر في اعتبارنا أمكننا تصحيح المعني الذي يقدمه الحلم الي حد ما. ولهذا فإن التناقض والسخافة لا يخلوان في الأحلام من دلالة ومعني. كانت هذه الأفكار تمثل إعلانا لثورة في الأدب والفن واعتمدت عليها كل الاتجاهات التي استخدمت أسلوب تغيير الواقع وتشويهه.. ويبرر فرويد ذلك بقوله: "علينا ان نسلم من البداية ان الحلم لا يملك أي وسيلة يصور بها العلاقات المنطقية بين الأفكار فهو في معظم الأحيان يتخلي عن هذه الحروف "إذا لأن رغم أما أو...." وبقية الأحرف التي لا تفهم بغيرها عبارة أو خطاب..ولا يتبقي من الأفكار سوي محتواها الذي يتكون منه الحلم. وعلي التفسير ان يسترجع ما أعدمه عمل الحلم من الروابط المنطقية. لقد بنيت علي هذه النظرية المدرسة السيريالية باعتبار ان الأحلام هي عالم ما فوق الواقع الذي أخذت السيريالية علي عاتقها ان تصوره سواء في الأدب أو في الرسم أو النحت. كانت الحركة "المستقبلية" في ايطاليا تعتمد علي مثل هذا الفهم وتنطلق معبرة عن أفكار مدمرة مثل "سوف نتغني بحب الخطر والمغامرة.. والجسارة وروح التمرد.. سوف نشيد بالعدوان والقلق المحموم والخطوات الوثابة والقفزات البهلوانية واللكمة علي الأذن.. سوف نعلن أن بهاء العالم قد ازدان بجمال جديد هو جمال السرعة. مثل سيارة في سباق. تتحلي بمواسير كالحيات.. سوف نمجد الحرب.. واهبة الصحة.. والروح العسكرية. والوطنية. وفن الفوضي الهدام. والأفكار التي تقتل.. سوف نزدري النساء فهلموا يا مشعلي الحرائق! أشعلوا النيران في المكتبات! حولوا مياه الفيضان الي المتاحف واجعلوا الآثار الشهيرة تطفو! إننا نتحدي نجوم السماء! لم يكن ذلك الصوت المدمر الذي انبثق من ايطاليا هو صوت موسوليني وحزبه الفاشستي. وانما كان صيحة أطلقها الشاعر الإيطالي مارينتي عام 1909 أي في وقت لم يكن قد سمع فيه أحد باسم موسوليني وكأنما كان يتنبأ عصره المشئوم. وقد تكونت "جماعة المستقبليين" لتعبر عن هذا المفهوم الأدبي والفني .