التواضع خلق اسلامي رفيع المنزلة. شهد بفضله كل عاقل ودعا اليه كل مصلح لما فيه من الفوائد الجليلة علي الفرد والمجتمع. وقد حث الله سبحانه وتعالي عليه وأمر به في كتابه وعلي لسان حبيبه المجتبي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. بل كان التواضع سيرته الغالبة وسنته الراشدة. وقد أمر الله تعالي بالتواضع وحث عليه ومدح المتخلق به في أكثر من موضع في كتابه العزيز فقال عز من قائل "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا" "الفتح: 29". وقد أخبر الله سبحانه ان التواضع للمؤمنين من صفات أحبائه الكرام الذي يستبدل بهم المرتدين فقال: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" "المائدة 54". وقد أخبر ربنا كذلك ان التواضع لله في السير من صفات عباد الصالحين فقال تعالي: "وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" "الفرقان 63". وبالمقابل ذم الله الكبر وأهله وهو ضد التواضع وتوعد للمتخلق بهذا الخلق البغيض بالعذاب الشديد فقال سبحانه "فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوي المتكبرين" "النحل 29" وقال تعالي "كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار" "غافر 35". وقال سبحانه وتعالي حكاية عن لقمان في نصائحه لابنه "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور" "لقمان: 18". وفي سنة النبي الأكرم المصطفي صلي الله عليه وسلم وصايا بالتواضع أكثر من أن تحصي يرشد فيها الأمة إلي التخلق بهذا الخلق العظيم الذي يعود بالخير علي الفرد والمجتمع المسلم كله. فمن هذه النصوص مارواه عياض بن حمار عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتي لا يفخر أحد علي أحد ولا يبغي أحد علي أحد" "مسلم وأبوداود". وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "ما تواضع لله أحد إلا رفعه" "صحيح مسلم". وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتي يجعله في أعلي عليين. ومن تكبر علي الله درجة يضعه الله درجة حتي يجعله في أسفل سافلين" "ابن ماجة وابن حبان" زاد ابن حبان "ولو ان أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس عليها باب ولا كوة لخرج ما غيبه للناس كائنا ما كان". وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته. وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته" "الطبراني والبزار". وعن علي بن ابي طالب ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "لا حسب إلا في التواضع ولا نسب إلا بالتقوي ولا عمل إلا بالنية ولا عبادة إلا باليقين" "رواه الديلمي". وقد بين الصحابة الكرام والسلف الصالح رضوان الله عليهم حقيقة التواضع واتبعوا هدي نبيهم في الحث عليه فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه "ان من التواضع الرضا بالدون من شرف المجلس وأن تسلم علي من لقيت". وقال ابن المبارك "كان يقال: الغني في النفس. والكرم في التقوي والشرف في التواضع". وما أحوجنا في هذا العصر الذي ظهر فيه المتكبرون والجبابرة أن نري الناس عظمة الاسلام في قيادة العالم بالتواضع إليه وليس بالتكبر عليه. وليس بتحدي كل الخلق والاستخفاف بكل ضعيف كما يفعل بالمسلمين من المتكبرين المتجبرين". فإذا ما نشرنا التواضع في مجتمعنا وتواضعنا لله أمضي الله سنته فينا بالرفعة والرجوع الي المكانة العالية التي كانت تحتلها الأمة الاسلامية فيجب علي كل مسلم أن يتواضع لإخوانه لتسود المحبة ويعم الأمن والسلام.. نسأل الله أن يجعلنا من المتواضعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.