2012 هو عام الانتخابات الرئاسية في أمريكا.. ومع اقتراب موعد اطلاق الحملات الدعائية يتباري مرشحو الحزبين الجمهوري والديمقراطي في كيل المديح للحليف الاسرائيلي الذي له حضور مؤثر في توجيه أصوات الناخبين اليهود في الولاياتالمتحدة فضلا عن حشد التمويل لحملة هذا المرشح أو ذاك من الشخصيات والمنظمات المؤيدة لتل أبيب. من هذه الزاوية نستطيع أن نقرأ تصريح المرشح الجمهوري المتعصب نيوت جنجريتش لقناة يهودية الذي قال فيه ان الشعب الفلسطيني مُخترع وان فلسطين لم توجد كدولة بل كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية. ومن هذه الزاوية نفسها نستطيع أن نقرأ التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما المرشح الديمقراطي التي قال فيها ان إدارته هي أكثر الادارات الأمريكية دعما لإسرائيل.. وأي إدارة أمريكية لم تقدم الأمن لاسرائيل بقدر ما قدمت إدارته. وأضاف إلي ذلك أن جدد التزام إدارته بمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.. مؤكدا: "لم نكتف بالكلام.. لقد قمنا بأفعال وسنواصل ممارسة الضغط".. وعدد أوباما مجموعة أمثلة علي خدماته لاسرائيل منها: المساعدة في إخراج الدبلوماسيين الاسرائيليين بعد حصار سفارتهم في القاهرة في سبتمبر الماضي ردا علي استشهاد ستة من عناصر الأمن المصري علي الحدود مع اسرائيل برصاص جيش الاحتلال.. وكذلك مساهمة الولاياتالمتحدة في إخماد الحرائق في منطقة حيفا شمال اسرائيل.. والمساعدة المالية لتطوير نظام "القبة الحديدية" الاسرائيلي المضاد للصواريخ.. والجهود التي تبذلها إدارته لمنع حصول فلسطين علي عضوية الأممالمتحدة كدولة مستقلة كاملة العضوية علي حدود 1967 رغم ما أثارته هذه الجهود لغضب عدد كبير من حلفاء واشنطن في العالمين العربي والاسلامي. ولو دققنا فيما قاله جنجريتش وأوباما فسوف نجد ان السباق نحو ارضاء اسرائيل لا يأتي إلا علي حساب العرب وقضيتهم الأولي.. وقد كان مبارك ومن سبقه يخدعان المصريين بالقول ان تصريحات المرشحين الأمريكيين للرئاسة فيها كذب ومبالغة أما التصريحات الصادقة فتلك التي يطرحها الرئيس وأركان إدارته بعد أن يجلس علي كرسي المسئولية.. لكن التجربة الطويلة والمريرة أكدت ان ما يقوله المرشح للرئاسة هو ما سيلتزم بتنفيذه.. وهو دائما يلتزم واليهود لن يتركونه.. فهم يحيطون به من كل جانب.. أما بعد أن يجلس علي كرسي الرئاسة فسوف يعلمونه كيف يفعل ما يخدم مصالحهم ويقول ما يدغدغ مشاعرنا ويهدئ انفعالاتنا إذا انفعلنا. هم يعرفون انهم يكذبون علينا ونحن نعرف انهم يكذبون علينا.. ومع ذلك لا بأس.. بعض النفاق المزودج يمرر الأكاذيب الكبري حتي يعفي الرؤساء والقادة والعملاء والموالين من الحرج بين أهلهم.. وحينما تتكشف الحقائق لن يحاسب أحد أحدا. هل يحاكم مبارك وحاشيته بعمالته لأمريكا واسرائيل؟!.. بالطبع لا.. وانما يحاكم علي بضع ملايين أو مليارات من الدولارات اكتسبها بغير الطريق المشروع.. وهو أمر من الصعب اثباته في بلد ليس للرئيس ولا للزعيم فيها ذمة مالية منفصلة عن ذمة الدولة وخزينتها.. فهو الدولة والدولة هو. هل يحاكم أحد في مصر علي تورطه في المشروع الأمريكي الصهيوني المتغلغل في بلادنا من الاسكندرية إلي حلايب وشلاتين وفي أمتنا من المحيط إلي الخليج؟!.. بالطبع لا.. فهذا البعد ليس مطلوبا إثارته الآن لأن أمريكا مازالت هي أمنا.. والثورة لم تغير شيئا في توجهاتنا واستراتيجيتنا ورؤيتنا لأمننا القومي. هل يحاكم أحد علي الموقف غير الأخلاقي الذي وضعنا فيه أثناء حصار غزة وضربها بالقنابل الفسفورية ضد إرادتنا.. رغم انه موقف أساء لمصر وللمصريين.. وحول هذا العملاق التاريخي إلي قزم يأتمر بأمر الصهاينة الملاعين في غلق الحدود واقامة جدار عازل يمنع تسريب لقمة خبز وعلبة دواء وكيس دم لإخواننا المحروقين؟!.. بالطبع لا.. ولن يحدث هذا في المرحلة الحالية.. ربما يتحقق بعد ذلك عندما نفيق من غفوتنا وتعود الينا مصر الكبيرة.. مصر العظيمة. وهل يحاكم أحد علي الأموال القذرة "النجسة" التي حصل عليها من السفير الأمريكي ومن منظمات ومعاهد ومؤسسات أمريكية.. والتي مازالت تضخ حتي الآن في جيوب وحسابات العملاء ونتيجتها واضحة للعيان في شارع قصر العيني وأمام مقر مجلس الوزراء وفي العباسية وحريق المجمع العلمي التاريخي؟!.. بالطبع لا.. كل يوم تخرج التصريحات من وزارة العدل عن 400 أو 500 منظمة وشخصية مصرية حصلت علي تمويل من الخارج وسوف يحاكمون لكن لا محاكمة ولا حسم. وفي النهاية مصر هي التي تدفع الثمن من أمنها واستقرارها وتراثها ورصيدها.. ومن بيدهم القرار يتفرجون وهم عاجزون أو خائفون.. الله أعلم. وفي تقديري اننا سنظل علي هذا النحو نتخبط ونتوه ونبحث عن الطرف الثالث في الأحداث فلا نجده حتي يفاجئنا باراك أوباما أو نيوت جنجريتش في يوم ما بتقرير يعدد فيه خدماته الاستراتيجية لاسرائيل.. ويضع علي رأس هذا التقرير افساد الثورة المصرية وإحباطها في مهدها.