واحد من أفضل الأفلام الموجهة ذات الرسالة المباشرة ومن أسباب التفضيل ان العناصر الفنية كانت في خدمة الهدف والرسالة الانسانية ومن ثم ضاعفت من تأثيره. وأكثر العناصر مدعاة للاعجاب ولفتا للانتباه عنصر التمثيل تمثيل هند صبري وماجد الكدواني والادوار الثانوية التي لعبها ممثلون كبار مثل سيد رجب في دور والد أسماء وعادل هاني الذي لعب دور الزوج وأحمد كمال وان لم يمنحه الدور المساحة ولا العمق الذي يخدم ملكاته التمثيلية المتيمزة هناك أيضا معدة البرنامج التي تلعب دورها ممثلة ممتازة. السيناريو الذي كتبه المخرج عمرو سلامة حريص علي الجمع بين الوظيفة الترفيهية للفيلم السينمائي والهدف التعليمي والصياغة الفنية التي تسد أي منفذ للملل والكآبة والغرق في الميلودرامية مع ان الموضوع يسمح بقوة لهذه العناصر للتسلل. السلاح الذي شهره المخرج في وجه أعداء تجربته الفنية التي تحتل رقم اثنين في قائمة أعماله الروائية الطويلة بعد فيلمه الأول "زي النهارده" البعد عن التقليدية والتنميط عند الشخصية للادوار الرئيسية في حبكة الفيلم وهم اسماء المرأة الحاملة لفيروس الايدز والحاملة الرئيسية لموضوع ورسالة الفيلم وتعتبر طبعة فريدة من النساء المصريات بنات الريف نسيج من خيوط دقيقة مثل السجادة الحرير وليس "الكليم" أو النوع الخشن من السجاد الذي تقوم بنسجه وبيعه في سوق القرية التي تسكن فيها. تتمتتع أسماء بقوة الشخصية وإيمان بانسانيتها وصفها في الحياة وفي الحب وفي الأمومة وتدرك بعفوية مبهرة مسئوليتها إزاء هذه الأمور الثلاثة الحيوية.. الحياة.. الحب والأمومة وهي رغم كل ذلك شخصية واقعية من لحم ودم وزوج. مسئوليتها إزاء الحياة إفصاحها عن المرض للأطباء الذين علي وشك إجراء عملية جراحية لها في "المرارة" بعد تعرضها لنوبات خطيرة تهدد حياتها والمفارقة ان الأطباء ملائكة الرحمة يصابون بالهلع علي حياتهم ويرفضون إجراء العملية. نفس الشئ حين يعلم زملاؤها في العمل انها مصابة بالايدز فيرفضون استمرارها وسطهم ويكتفون بجمع تبرعات لها سابقة قبل ان تغادرهم إلي غير رجعة شقيق زوجها في مرحلة يطلب منها مغادرة القرية. ولكن مسئوليتها إزاء ابنتها "حبيبة" تجعلها حريصة جداً علي كتمان هذا السر إلي ان تكتشفه الابنة مصادفة من خلال برنامج تليفزيوني. أما "الحب" فله قصة صممها المخرج- المؤلف بحرص شديد حتي ينأي بها عن التكرار والنمطية فقد احبت "أسماء" الشاب "مسعد" "عادل هاني" ابن القرية احبته بصراحة وتصريح بلغة العيون وبالحركة وبالتحدي المهذب لمفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة في بيئة محافظة وأب تقليدي يقدس الموروث من العادات ولم تكن في حبها إزاء مسعد أقل مسئولية وان لم تتنازل عن حقها في استمرار العمل وبيع ما تنتجه في السوق والدفاع عن نفسها ضد من ينافسونها وان تسبب ذلك في صدام بين زوجها واحد الباعة أبناء القرية أدي إلي قتله ودخوله الزوج السجن. داخل السجن يصاب بالايدز وعند خروجه بعد قضاء المدة مدمراً تصر "أسماء" علي استئناف العلاقة وبنفس الزخم العاطفي وبأمل بعيد ان تنجب "ولدا" يعيش بعده ويرث الأرض الشئ الذي لم يتحقق فقد انجبت "حبيبة" وعاشت لها وتركت القرية تحت ضغط شقيق زوجها حتي لا تجلب لهم "العار" الخط الدرامي ليس مستقيما حيث يتأرجح بين الحاضر والماضي. لم يشرح المخرج كاتب السيناريو كيف أصيب الزوج بالمرض لان القضية تركزت في الجزأ الخاص بحياة "أسماء" نفسها وحالتها وكاد ينزلق إلي مساحة ميلودرامية في المسار السردي في الجزء الخاص بحكاية الزوج "مسعد" الذي اصيب بالايدز والشقيق الذي اصيب بالعقم ثم الأرض التي لن تجد من يرثها ومن ينتج الفاكهة من أشجارها هنا مساحة غامضة ومعتمة نوعاً لكنها قيراط وسط فدان خصب ينتج أملا ومصالحة مع مجتمع يصر علي وصم مريض الايدز بالعار وكأنه ليس ضحية لان السبب قد لايعود إلي ممارسة الجنس غير الآمن وقد يكون خطأ طبيب لم يعبأ بتعقيم أدواته أو ممرضة أو مدمن مخدرات في الوريد مريض احتاج إلي نقل دم إلخش أسباب مرض نقص المناعة "الايدز" كثيرة وليس قاصرة علي الاتصال الجنسي. الخيط الرومانسي أضفي السيناريست- المخرج خلاله رومانسية رقيقة وساخنة علي العلاقة العاطفية المقضي عليها بالموت وبالفراق مع بقاء الذكري حية تعود إليها "أسماء" حين تواجه بالسؤال كيف اصيبت بالمرض والاجابة القاطعة التي تصر عليها انه ليس من حق أحد ان يسألها واعتقد ان هذا هو "صوت" المؤلف أيضا عند صياغة الرسالة أو إحدي رسائل الفيلم لان السؤال ينطوي علي شك وعدم ثقة وافتراض "العيب" أو الحرام ومن رسائل الفيلم عدم التمييز بالمرض أو النوع. أخفي ايضا حسا فكاهيا ومداعبة طريفة عبر التفاصيل الصغيرة التي نقلت الحوار الصامت المتبادل بين العاشقين "أسماء" و"مسعد" في البداية ولم يحاول ان يغير لون "المزاج" السائد بآخر قاتم وأبقي أجواء التفاؤل حتي النهاية. المذيع العدواني الكفة الاخري من الميزان التي أبقت علي التوازن في الحمولة الفنية للفيلم بحيث لا تميل قوة الجذب إلي "أسماء" شخصية وأداء ماجد الكدواني في دور المذيع صاحب برنامج "صفيح ساخن" الذي يتمتع بقدر من الجسارة والخشونة الموضوعية واقتحام الأماكن المحرمة من أشياء مسكوت عنها وتمزيق ثوب المحافظة والنفاق الاجتماعي بدون طبطبة ولا حسابات في دفاتر الربح والخسارة انه أيضا شخصية غير تقليدية وإعلامي مننوع خاص وغير مألوف مثل "إعلامي" السينما الجادة "جنينة الاسماك- أحكي ياشهرزاد" وان بدا أكثر صخبا وعدوانية. جسَّد ماجد الكدواني شخصية صعبة جدا لانها ليست مسبوقة بمعني انها غير موجودة في كتالوج المذيعين ولا هناك "موديل" مشابها يمكن القياس عليه والصعوبة ان تبدو عفويا وتلقائيا وجارحا من الظاهر بينما الحقيقة انه حِزمة من الأعصاب علي صفيح ساحن ومن الاحساس بالمسئولية الانسانية. تركيبة صعبة لن أجافي الحقيقة من وجهة نظري لو قلت ان شخصية محسن السيسي "ماجد الكدواني" أكثر تركيبا من شخصية "أسماء" لانه شخصية "مارقة" وبعيدة تماما عن "قطيع" الإعلاميين السارح وسط عشب وحشيش الحقل الإعلامي وهذا لا يقلل من صعوبة دور "أسماء" التي استدعت مهارات هند صبري كاملة لتحقيق مهمة استثنائية علي مستوي الرسالة الاجتماعية ومستوي التشخيص الدرامي لشخصية مختلفة المظهر واللهجة والتركيبة الانسانية والبيئة المعنوية والمهمة المكلفة بها دون ان تبدو مباشرة أو واعظة. أستعيد المشهد الذي لخصت فيه هند صبري بأداء فذ مقولة أحد الفلاسفة- سارتر- ربما التي تعني ان "الجحيم هم الآخرون" فالمرض ليس "الايدز" الذي تحمل هي فيروسة وانما "أنتم" في اشارة إلي المتفرجين بينما تطل علي الشاشة بوجه شاحب وإرادة ساطعة وشحنة ألم كبيرة خفت تأثيرها أمام "تطوع" أحد صنَّاع الخير بتكلفة العملية التي تحتاج إليها. ثمة مسئولية كبيرة يضعها الفيلم علي الإعلام وتأثيرة في التنمية الاجتماعية والادراكية لدي المتفرج وكما أثرت فإن هذه المسئولية شغلت كثيرين من صناع الفيلم في الآونة الأخيرة والذي يبعث التفاؤل ان السينما تجد من بين عشاقها والمؤمنين برسالتها الفنية والترفيهية والاجتماعية مخرجا شابا من نوعية عمرو سلامة "مواليد 1981" وتجد شركة إنتاج قادرة علي تحفيز شركاء لها في العملية الانتاجية لتحقيق هذه الرسالة مثل "فيلم كلينك" الذي أسسها منتج شاب ودارس ومدرس للسينما "محمد حفظي" ومنتجة علي قدر غير قليل من الموهبة كممثلة "678" ووعي كبير بالقيمة الانتاجية في صناعة الفيلم وأنا أعني بشري التي ظهرت في لقطة عابرة في الفيلم فهي منتجة للفيلم. أشير أيضا إلي جيل من الشباب متعدد الموهبة قوي الحضور وبدأ ينضج سينمائيا وفي ذهني عادل هاني الذي ظهر في المشهد الثوري داخل الميدان أثناء الثورة وغني بصوت الحرية ولعب دور مسعد مما يؤكد أيضا موهبته كممثل له قبول وحضور علي الشاشة. "أسماء" عمل كبير بالمفهوم المعنوي والفني والاجتماعي يستحق جائزة أحسن ممثل وأحسن مخرج عربي ويستحق أكثر الحفاوة وليس فقط في أبوظبي وإنما في القاهرة أيضا.