أثبتت نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية أن التيارات السياسية غير الإسلامية من الليبرالية والقومية واليسارية أضعف كثيراً من منافسة تيار الإسلام السياسي وهو الأمر الذي يعكس حقيقة مجدية لا يمكن إنكارها وهي أن لغة الخطاب أو المضمون الذي تحمله هذه اللغة لا يروق لكثير من أبناء هذا الشعب المتدين أصلاً والذي يجد في خطاب الإسلاميين ومضمونه ما يؤثر فيه ويحدد مواقفه بدرجة أكبر. وقد تكون هناك أسباب موضوعية غير السبب الذي أشرنا إليه ساعدت علي الوصول إلي هذه النتائج ولكن ذلك لا يبرر أبداً هذا الأداء المتواضع جداً للتيارات غير الإسلامية والمفترض أن تبادر هذه التيارات بوقفة مع النفس لتراجع التجربة كلها من الألف إلي الياء بدءاً بدراسة حقيقية لطبيعة هذا الشعب وآلامه وآماله ثم المضمون ثم لغة الخطاب وأخيراً الاليات المستخدمة لتوصيل هذا الخطاب. أقول ذلك لأن وجود هذه التيارات بشكل مؤثر علي الساحة المصرية يعد ضماناً لنجاح التجربة الديمقراطية الوليدة لأن عدم وجود بدائل أمام الناخب المصري في أي انتخابات قادمة يكرس نوعاً آخر من الديكتاتورية حتي لو كانت ديكتاتورية الأغلبية. كما أن وجود تيارات سياسية مختلفة تعمل بفاعلية لا يحد فقط من ديكتاتورية الأغلبية ولكنه يدفعها دائماً لمراجعة مضمون ولغة الخطاب وتجويد الأداء للحفاظ علي شعبيتها وهو ما يصب في مصلحة هذا الشعب. فهل تفعل هذه التيارات ما يتوجب عليها وتراجع أسباب إخفاقها إلي هذه الدرجة أم تستمر في العويل والصراخ وكيل الاتهام للآخرين والتشرذم والتفتت والشخصنة وخلافه؟ النقطة الثانية التي أريد طرحها في هذا المقال هي موقف بقية القوي وأخص منها هؤلاء الشباب الذين وعوا أوضحوا من أجل نجاح ثورة 25 يناير من هذه الانتخابات. هل يعلم هؤلاء أن صندوق الانتخابات هو الالية التي لم تكتشف البشرية آلية أفضل منها للتعرف علي رأي الشعب وتحديد اتجاهاته؟ وإذا كانوا الآن يعولون علي إجراءات ثورية يتخذها أو لا يتخذها من يدير البلاد فهل يتصورون أن الاعتماد علي مثل هذه الإجراءات الاستثنائية. بغرض اتخذها من يدير البلاد أو لم يتخذها. ستستمر إلي ما لا نهاية أم أننا سنعود عاجلاً أو اجلاً لصندوق الانتخابات؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يوازنون من الآن بين الفعل الثوري وبين إعداد أنفسهم لأي انتخابات قادمة من خلال تشكيلات سياسية كبيرة ومؤثرة حتي يستطيعوا المنافسة والحكم بأنفسهم كبديل عن هذه القوي التقليدية التي يرونها قد سطت علي الثورة بغير استحقاق؟ المطلوب ببساطة أن يراجع الجميع موقفه بأمانة من خلال عملية منظمة للانتقال من "الحالة" الثورية إلي "الفعل" الثوري باعتبار أن الحكم الطبيعي يأتي عبر عملية سياسية وليس ثورة دائمة لأن الفعل الثوري بطبيعته لا يمكن أن يستمر إلي ما لا نهاية. فهل نبدأ الآن دون تكفير في الدين أو تخوين في الوطنية؟ نرجو ذلك بل نشدد عليه جداً لأن هذا هو الطريق الآمن والطبيعي لبناء مصر الجديدة التي نطمح إليها.