أرجو أن يكون الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الجديد قد وجد من الوقت ما يسمح له بقراءة الرسالة المفتوحة التي وجهها إليه رجل الأعمال المعروف محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين من خلال صحيفة الأهرام يوم الأحد الماضي وإذا كان الوقت قد ضاق عليه في الأيام الماضية بسبب مشاورات ومقابلات تشكيل الحكومة فالرجاء موصول ان يقرأها بعد أن تستقر أوضاع الحكومة. هذه الرسالة في غاية الأهمية لأسباب ثلاثة: الأول يعود إلي صاحبها رجل الصناعة وهو ما يجعلها جديرة بالنظر والتدبر والثاني يعود إلي القضايا التي تمسها والملفات التي تعالجها والثالث يتعلق بالتوقيت الذي ظهرت فيه ونحن علي أبواب تجربة جديدة لحكومة جديدة وواعدة نعلق عليها آمالا عريضة لإصلاح أحوال الوطن في ظل مناخ سياسي جديد علي مصر والمصريين. شخصيا.. قرأت الرسالة مرة ومرتين وثلاثا.. ولم أجد حرجا في مناقشة الملفات والاقتراحات التي تقدمها نظرا للأهمية التي استشعرتها والرؤية المتزنة التي لمستها.. والتي تستحق ان ندير بشأنها حوارا مجتمعيا قد يغير بعض الأوضاع الاقتصادية السلبية التي نعيشها والتي كلما طالبنا بتغييرها ترفع الحكومة في وجهنا فزاعة رجال الأعمال والخوف من هروب المستثمرين. وقد كشفت رسالة خميس ان اتحاد جمعيات المستثمرين يدرك - كما ندرك - خطورة تزايد عجز الموازنة وانخفاض ايرادات الدولة ويؤيد - كما نؤيد - مطالب الحد الأدني للأجور وتوفير الإسكان المناسب وضمان جودة العلاج والتعليم وأثق ان المستثمرين يدركون ما يدركون ويؤيدون ما يؤيدون ليس من باب المزايدة السياسية وإنما من باب الاقتناع الكامل والواعي بأنه لا أمن في المجتمع ولا للمجتمع إلا من هذا الطريق ولا استقرار لهم ولا نجاح لأعمالهم واستثماراتهم إلا بهذه الرؤية الواسعة. ولعلاج الخلل الذي أصاب المجتمع المصري من جراء السياسات الاقتصادية العشوائية والمنحازة انحيازا أعمي لرجال الأعمال طالب رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين بتطبيق نظام الضريبة التصاعدية لتصل إلي 30% وفقا لشرائح الدخل الصافي وهو ما طالب به ميدان التحرير ومظاهرات شارع وول ستريت في أوروبا وأمريكا وما طالب به أغنياء الولاياتالمتحدة وأقره البرلمان الفرنسي.. فهذه الضريبة التصاعدية تحقق مبدأ العدالة الضريبية بعض الشيء وتساعد في ارساء الأمن المجتمعي. كما طالب بزيادة رسوم التنمية عند استيراد السلع الكمالية مثل السيارات الفارهة والتبغ والخمور وهو ما قررته تركيا أخيرا وبعض الدول ودعا إلي زيادة الرسوم الجمركية واعادة النظر في دعم الطاقة وترشيد الدعم عموما كي يصل إلي مستحقيه دون انتقاص.. مؤكدا ان ذلك سيحقق زيادة الايرادات للدولة بمبلغ يتجاوز 100 مليار جنيه قيمة العجز الحالي. علي الجانب الآخر أشارت رسالة خميس إلي توقف 1500 مصنع في المدن الصناعية الجديدة ولعلاج ذلك طرح عدة مطالب جديرة بالنظر مثل المعاملة العادلة للصناع المصريين ومساواتهم مع منافسيهم الأجانب من حيث تكلفة اقامة المشروع وتكلفة تشغيل المصنع وتصحيح الفهم الخاطيء لسياسات السوق في ظل النظام السابق الذي لم يقدم الرعاية للصناعة المحلية بل تمادي في فتح الأسواق للمنتجات الواردة ولم يفرض رسوما للإغراق مما أدي إلي توقف صناعات أساسية مثل الغزل والنسيج والبتروكيماويات. وأكدت الرسالة علي أهمية مكافحة التهريب وحظر الاستيراد من الخارج للجهاز الحكومي والاعتماد علي الانتاج المحلي والزام المقاولين والموردين الأجانب بنسبة تصنيع محلي لا تقل عن 60% من مبلغ العطاء.. ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومراجعة الإجراءات المعقدة والمكلفة التي تم فرضها من هيئات كثيرة كان من المفترض ان تهدف إلي تشجيع وتسهيل التصنيع في مصر. ان القراءة المتأنية لهذه الرسالة بالغة الأهمية تحثنا علي إعادة النظر في سياسات السوق الحرة التي نطبقها ونلزم بها أنفسنا بينما الدول الرائدة التي وضعت هذه السياسات بدأت فعلا في مراجعة اساليب حماية صناعاتها من المنافسة غير الشريفة.. كما بدأت تسن قوانين تكفل ضمانات لحقوق العاملين وضمانات لحماية الاقتصاد الوطني. ولو كنت مكان الدكتور الجنزوري لسارعت إلي دعوة خميس وزملائه في اتحاد جمعيات المستثمرين لمناقشة اقتراحاتهم ومطالبهم وصولا إلي رؤية مشتركة لإقالة الاقتصاد المصري من عثرته ودفع عجلة الإنتاج والتصنيع برؤية وطنية مخلصة وروح ثورية متحمسة.. لعل وعسي.