منذ 30 عاماً نشرت موضوعاً بعنوان "جويا في القاهرة" بعد أن شاهدت واحداً وأربعين لوحة من أعمال الفنان الإسباني "جويا" الأصلية تغطي بعض جدران بيت الفنان عياش شهدي الذي كان أول نقيب للفنانين التشكيليين.. وأتساءل الآن عن مصير هذه الأعمال بعد رحيل الفنان عباس شهدي الذي قام مع زوجته الإسبانية الفنانة "خواكينا" بعرض هذه المجموعة بقاعة المعارض في المركز الثقافي الإسباني بالزمالك حيث شاهدها الجمهور المصري في ذلك الوقت.. وإنني أطالب وزارة الثقافة بالبحث عن هذه المجموعة لضمها لمتحف الجزيرة للفن العالمي بأي ثمن باعتبارها لوحات أصلية لم نر مثيلها فيما بعد. أما قصة هذه اللوحات فترجع إلي عام 1950 عندما كانت إسبانيا تعاني اقتصاديا وفي حاجة إلي العملات الخارجية.. فقررت أن تقوم خلال الاحتفال بذكري مولد جويا "1746 1828" بإعادة طبع الأصول المحفورة علي النحاس من مجموعة الفنان التي يملكها متحفه في مدريد وكلها تعالج موضوعا واحدا هو أصول وقواعد لعبة مصارعة الثيران مع تاريخها منذ الحكم العربي للأندلس. وهي مكونة من 40 قطعة مرقمة تصاعديا من 1 إلي 33.. بينما هناك 7 لوحات مرقمة بالحروف اللاتينية.. A.. B.. c وكلها محفورة بالحمض علي مسطحات من النحاس.. ومن المعروف أن هذه المجموعة طبعت خلال حياة الفنان من عدد قليل جدا من النسخ.. تفرقت في إسبانيا وخارجها. ولا يعرف مكان واحد به مجموعة كاملة من هذه المجموعة عندما طبعها جويا بنفسه خلال حياته. وبعد وفاة جويا.. وفي عام 1855 أنشئ جهاز حكومي مهمته حفظ وصيانة الأصول المملوكة للدولة من أعمال كبار فناني الجرافيك "أي الطباعة الفنية" الاسبان المنفذة علي الزنك والنحاس. وقد استطاع هذا الجهاز أن يحصل علي الكلاشيهات التي يملكها ورثة جويا لحفظها في المتاحف الإسبانية.. في تلك السنة 1855 قام هذا الجهاز بطبع نسخ لا يعرف عددها من الكلاشيهات التي حصل عليها طبقا للطلبات التي وردت إلي الجهاز بينما هذه المجموعة كانت قد انتقلت بالبيع قبل ذلك التاريخ إلي فرنسا وطبعت في باريس لأول مرة عام 1875 علي يدي الناشر الفرنسي "لويزوليه" الذي اشتري الكلاشيهات الثلاثة والثلاثين والتي كان بها بعض العيوب والبقع فقام بترميمها في فرنسا.. وكان عددها 33 لوحة فقط.. وبعد فترة اكتشف المرممون أن الوجه الآخر لبعض هذه اللوحات النحاسية بها حفر مغطي بالورنيش مهمته حفظ الكلاشيه خلال الطباعة. فكشف عن هذه اللوحات المحفورة في الوجه الخلفي واتضح أنها سبع لوحات ومرقمة ترقيما أبجديا. وعندئذ أعيد طبع المجموعة كاملة وأصبح عددها 40 لوحة. وفي بداية القرن العشرين عرضت مكتبة فرنسية علي الحكومة الإسبانية رد هذه الكلاشيهات لإسبانيا. لكن الحكومة الإسبانية رفضت الصفقة لارتفاع ثمنها.. فتدخلت جمعية "حلقة الفنون الجميلة الإسبانية" وقبلت دفع الثمن المطلوب مصممة علي شرائها. وتمت الصفقة عام 1920. ولكي تعوض هذه الجمعية الثمن الباهظ الذي دفعته طبعت 1000 نسخة من هذه المجموعة تحت إشراف أكبر فناني الطباعة الفنية الإسبان في ذلك الوقت "فرانسيسكو سيتبي بويتي". وفي سنة 1951 أعيد طبع هذه المجموعة طبقا للطلبات التي وردت إلي المتاحف الإسبانية بعد أن أضيف إليها الصورة الواحدة والأربعون وهي صورة شخصية لجويا رسمها وحفرها لنفسه علي النحاس وهي الصورة الوحيدة غير المرقمة في هذه المجموعة. أما رقم المجموعة الموجودة في القاهرة من هذه الطبعة فهو 203/500. وهي من الطبعة التي نفذت عام 1950. ومن أطرف الصور التي تقدمها هذه المجموعة كيفية اصطياد الثيران البرية من الغابات أيام العرب وكان الصيادون يلاعبونها قبل اصطيادها ومن هنا نشأت بداية في مصارعة الثيران عندما تحولت عملية الصيد إلي لعبة لها قوانينها. كما أن جويا صور في بعض هذه اللوحات عددا من الشخصيات المشهورة في عهده من بينهم الملك "كارلوس الخامس" الذي يظهر وهو يصارع أحد الثيران. إن هذه المجموعة من الأعمال توضح أسلوب "فرانشيسكو دي جويا آي لوشيتس" في فن الجرافيك أو الحفر علي النحاس كما تكشف في نفس الوقت عن مشاعر هذا الفنان الرائد وانفعالاته تجاه مصارعة الثيران.