كان طبيعياً ان يتولي رئاسة الحكومة في تونس أحد أقطاب حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية والذي يعد في حقيقة الأمر الجناح الحزبي للحركة الإسلامية في تونس بزعامة راشد الغنوشي بعد الانتصار الكبير الذي حققه في الانتخابات التونسية. وقع اختيار الحزب علي أمينه العام وهو المهندس والصحفي وصاحب التاريخ الطويل في العمل السياسي حمادي الجبالي البالغ من العمر 62 سنة. وللجبالي تاريخ طويل مع الحركة الإسلامية في تونس حتي انه قضي 15 سنة في سجون الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي حتي تم الإفراج عنه في عام .2006 تقول المعلومات المتوافرة عن حمادي الجبالي انه ولد بمدينة سوسة الساحلية عام 1949. ودرس الهندسة بجامعة تونس وجامعة باريس وتخصص في الطاقة الشمسية. نشط الجبالي في الحركة الإسلامية بتونس منذ ثمانينيات القرن الماضي وبرز اسمه علي الساحة السياسية خلال عام 1981 اثر اعتقال ومحاكمة القيادات التاريخية لحركة الاتجاه الإسلامي التي انبثق عنها حزب النهضة في أواخر عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. فقد كان الجبالي يتولي وقتها إدارة شئون الحركة مع زميله المهندس علي العريض. وبعد ذلك أصبح عضوا في مجلس شوري الحركة عام 1982 ثم رئيساً لها ليتولي قيادتها حتي عام 1984 ورغم تركه قيادة الحركة أصبح الجبالي عضواً في عدد من هياكلها مثل المكتب التنفيذي والمكتب السياسي ومجلس الشوري. تولي الجبالي في نهاية الثمانينيات رئاسة تحرير جريدة الفجر الناطقة باسم الحركة لكنه حوكم في 1990 علي خلفية نشر مقالات كتبها نشطاء الحركة ورأي نظام زين العابدين بن علي أنها تنال من مؤسسات الدولة وتحرض علي العصيان. في عام 1990 حوكم الجبالي مجدداً مع قيادات حركة الاتجاه الإسلامي التي أصبحت تحمل اسم النهضة بتهمة الانتماء إلي جمعية غير مرخصة ومحاولة قلب نظام الحكم. وحكم عليه ب16 سنة سجناً. قضي الجبالي أكثر من 15 سنة في السجن منها 10 سنوات في الحبس الانفرادي وأضرب خلال عام 2002 عن الطعام احتجاجاً علي ظروف سجنه. ثم اطلق سراحه في فبراير .2006 واثر الثورة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في يناير الماضي أصبحت حركة النهضة حزباً قانونياً وتم تعيين الجبالي أميناً عاماً للحركة. عقب فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 أعلنت أنها تقترح حمادي الجبالي لرئاسة الحكومة المقرر تشكيلها بعد تولي المجلس التأسيسي مهامه. ولم تكن هناك مشكلة بعد حل وسط آلت بمقتضاه رئاسة الدولة إلي الليبرالي المنصف المرزوقي والجمعية التأسيسية التي ستقوم بإعداد دستور البلاد إلي اليساري مصطفي بن جعفر. يخشي البعض من التصريحات المندفعة التي اعتاد الجبالي الادلاء بها والتي تسبب عادة الكثير من المشاكل وذلك منذ بداية رحلته في عالم السياسة ويأمل هؤلاء في ان يغلق صنوبر التصريحات حتي لا تحدث مشاكل في الفترة القادمة. لا يبدو ان الأمور تدعو إلي التفاؤل فقبل أيام - وبعد ترشيحه - أدلي بتصريحات خلال اجتماع لانصاره في مسقط رأسه بمدينة سوسة تناول فيها ما قال انه الخلافة الراشدة السادسة والتي قال ان موعدها قد اقترب. أثار هذا الحديث اعتراضات من جانب فصائل أخري مثل حزب التكتل من أجل العمل والحريات الذي أصدر بياناً قال فيه ان المشاورات تجري للتوافق بشأن جمهورية تونسية ثانية وليس خلافة سادسة. وها نحن نجد أنفسنا أمام خطاب ديني.