كنت أظن أن الرئيس السوري بشار الأسد سيكون مختلفاً في تعامله مع الثورة من الطغاة السابقين الذين سقطوا في عالمنا العربي.. وبنيت ظني هذا علي أسس ثلاثة: فبشار شاب سوف يتفاعل مع المطالب الشعبية بروح الشباب الطموحة.. وفي كل الأحوال لن يكون مثل العجائز الذين شاخوا في مقاعدهم - علي حد تعبير الأستاذ هيكل - وتكلست عقولهم قبل مفاصلهم. والأساس الثاني أن بشار مدني "طبيب" ومثقف.. وتربي سياسياً داخل حزب البعث.. وبهذه المؤهلات فإنه لابد ان يختلف عن الذين يتعاملون في السياسة بسوط الغشامة والصرامة والجهامة والغطرسة. والأساس الثالث أن ثورة الشعب السوري مازالت حتي الآن ملتزمة بطابعها السلمي مثل الثورة المصرية بما يعطي فرصة أكبر للتعاطي السياسي المرن معها بعيدا عن العنف. كنت أظن ذلك.. وأتصور أن بشار سوف يأخذ زمام المبادرة من اليوم الأول.. ويقدم علي اصلاحات جادة وعميقة ادراكا منه بأن الوقت لا يحتمل أية مناورات أو التفاف.. وان استمرار الوضع القائم أصبح مستحيلاً.. فالشعوب استيقظت وعرفت الطريق.. ولابد مما ليس منه بد حفاظاً علي نفسه ومستقبله وحماية لسوريا الدولة من الانهيار لو حدثت مواجهات بالسلاح.. وسال الدم في الشوارع. وها أنذا أعترف بأن ظني قد خاب.. وخاب أملي.. بعد أن سال الدم فعلاً في شوارع سوريا وسقط الضحايا من المدنيين المتظاهرين العزل.. وهو ما يفتح الباب أمام التدخل الدولي وتوقيع عقوبات صارمة.. والانزلاق بسوريا إلي دوامة لا يعرف مداها إلا الله. وزاد من خيبة ظني أن بشار لم يتغير بعد مرور سبعة أشهر علي الثورة السورية.. ولم يغير خطابه الاقصائي الاستعلائي المتعسف.. ومازال يستخدم نفس التهديدات التي استخدمها صدام ومبارك والقذافي.. ويلعب نفس اللعبة وبنفس التكنيك رغم الفشل الذريع الذي مني به هؤلاء من قبله. في آخر حديث لبشار مع صحيفة "صنداي تليجراف" البريطانية نشرته أمس الأول راح يهدد ويحذر من زلزال يحرق الشرق الأوسط اذا تدخل الغرب في سوريا.. وقد ذكرنا ذلك بتهديد صدام بتدمير آبار البترول في الخليج وحرق المنطقة بالكامل اذا شنت الحرب عليه.. وكان هذا التهديد هدية علي طبق من ذهب قدمها الديكتاتور الجاهل لأعدائه.. حيث استخدموه كمبرر اخلاقي وقانوني لانقاذ الخليج من ويلاته ومخاطره. وعندما هدد القذافي بحرق ليبيا وتقسيمها وهدد ابنه سيف الاسلام بتدمير آبار البترول كان ذلك كافيا لاقناع الرافضين للتدخل الاجنبي بأنه لم يعد هناك بديل للتعامل مع القذافي إلا غارات الناتو. واليوم.. هناك قطاع عريض من الرافضين لتدويل القضية السورية سوف يغيرون قناعاتهم.. ويفكرون بشكل مختلف.. بعد ان كشر بشار عن أنيابه وهدد بحرق المنطقة كلها.. وهو ما يعني في الواقع انه يسير معصوب العينين إلي المصير نفسه الذي سار اليه صدام والقذافي. وفي موقع آخر من حديثه للصحيفة البريطانية يتحدث بشار بنفس المنطق الذي كان يتحدث به مبارك.. حيث يقول ان سوريا مختلفة من جميع الجوانب عن مصر وتونس واليمن.. التاريخ مختلف والسياسة مختلفة.. سوريا هي المحور الآن في المنطقة وهي حائط الصد.. واذا لعبتم بالارض فستتسببون في زلزال.. هل تريدون أن تروا أفغانستان أخري؟! وأضاف: "اننا نقاتل الاخوان المسلمين منذ الخمسينات ومازلنا نقاتلهم". للاسف الشديد.. بشار لم يتغير.. نفس النهج الاقصائي.. نفس الفزاعة.. نفس الغطرسة الجاهلة.. ونفس التلميحات الفاشلة التي استخدمها مبارك وبن علي والشاويش علي عبدالله صالح ولم تفلح. ولم يتعظ بشار رغم الرسالة الواضحة التي وجهها اليه شخصيا الرئيس الأمريكي بارك أوباما عقب مقتل القذافي حين قال: "لا أحد يرغب في التعرض لهذا المصير.. لكن نهاية القذافي يجب ان تكون درساً لجميع الحكام الديكتاتوريين حول العالم". ونحن- والله- لا نتمني لبشار ولا لأحدغيره مصير القذافي ولا مصير صدام.. كفانا فواجع في حكامنا.. إن الأمر يبدو كما لو كنا نعيش عصر المآسي الاغريقية.. والمصيبة أن اللاحق يكرر أخطاء السابق.. ولا أمل في النجاة.