كتبت عدة مقالات خلال السنوات القليلة الماضية عن روشتة علاج الأمراض المزمنة التي تلاحق شركتنا الوطنية .. واعتمدت في رؤيتي علي خبرتي المتواضعة طوال سنوات عمري في بلاط صاحبة الجلالة كصحفي متخصص في شئون الطيران حوالي 35 عاما شاركت خلالها في مختلف المؤتمرات والندوات للمنظمات الدولية للطيران المدني اطلعت خلالها علي تجارب كثيرة وكل ماهو جديد في عالم الطيران .. ولبيت دعوات عديدة من مختلف شركات الطيران العالمية مثل شركة "لوفتهانزا" علي سبيل المثال التي تعد من أكبر وأنجح شركات الطيران في العالم واطلعت علي تجربتها وكيف تحولت من الخسائر والديون إلي قيادة صناعة النقل الجوي في العالم. كثيرا ما كان يقتنع القائمون علي الطيران المدني في مصر بما كنت أطرحه من حلول لمشاكل مزمنة .. وكان البعض يناقشني في رؤيتي ووجهة نظري المتواضعة ولكن تنتهي المناقشة بعدة لاءات تنتهي بعدم القدرة علي اتخاذ قرارات إصلاح جذرية لأسباب كنت أري أنها بسبب التردد والخوف من المواجهة والأيادي المرتعشة .. التي ربما أكون قد أيقنت بعد لقائي بالفريق يونس المصري أن هذه اللاءات إلي زوال .. نتمني ذلك. والحقيقة أن كل من تولي الطيران المدني بعد ثورة يناير كانت رؤيتهم مطابقة لرأي الاستشاري الدولي "سيبر" بإعادة هيكلة شركة مصر للطيران وإعادة ضم أو دمج أغلب شركاتها التابعة تحت مبرر ترشيد النفقات .. وقد أجدني متفقاً تماما مع الاستشاري الدولي "سيبر" في بعض نقاط الضم أو الدمج الذي سبقته برؤيتي في هذه القضية "الضم أو الدمج" في مقالاتي قبل التعاقد معه .. أتفق مع بعض آرائه وأرفض كليا البعض الآخر لأسباب منها ما يؤثر علي مستقبل الشركة الوطنية التجاري والاقتصادي وأخري تتعلق بالأمن القومي. ولنبدأ بعملية ضم أو دمج بعض الشركات التابعة تحت مظلة شركات أخري التي نري أنها ضرورة ملحة لبعض الشركات بينما أرفض ضم أو دمج شركات بعينها لما له من تأثيرات سلبية علي مستقبل شركتنا الوطنية تجاريا واقتصاديا .. فعلي سبيل المثال شركة الصيانة والأعمال الفنية التي اقتنصت مكانة دولية كبيرة .. وبدعم حقيقي من القائمين علي الطيران المدني أثق في تفوقها عالميا .. وترجمة هذا التفوق الدولي جلب ملايين الدولارات إلي خزانة الدولة .. ولعل التاريخ يؤكد أن شركة لوفتهانزا للصيانة بعد إنشائها مستقلة كانت القاطرة الحقيقية لنمو المجموعة كاملة. ومن شركات مصر للطيران التي نري أهمية استقلالها وعدم دمجها داخل شركة أخري هي شركة الخدمات الجوية لأننا في حالة دمجها نكون قد قدمنا عملاءها "الطرف الثالت" من شركات الطيران العربية والأجنبية علي طبق من فضة لمنافستها في مصر وهي شركة " ال سي جي " التي تضم شركاء أجانب وتحويل جزء من أرباح مصر للطيران إلي الأجانب .. ونفس الحال شركة الخدمات الأرضية التي تنافسها شركة أخري تضم شركاء أجانب .. ولكن يتعين تطوير منظومة شركتي الخدمات الجوية والأرضية والأرضية واقتحام عش الدبابير التي تتوارث جحورها داخل الشركتين. أما رؤية الاستشاري "سيبر" وهو ما حذرت منها مرارا وتكرارا اقتراحه بإغلاق عدد من الخطوط الخاسرة .. وأعلنت أن رفضي هذا الاقتراح لسببين الأول أن بعض هذه الخطوط تمثل عمقاً سياسياً استراتيجياً للبلاد مهما كانت خسائرها .. أما السبب الثاني أن مقياس جدوي الخطوط لشركة الطيران تكون بمدي تكامل شبكتها وأن استمرار بعض الخطوط رغم ما تحققه من خسائر هي في الحقيقة لخدمة باقي الشبكة وتكاملها التي في مجملها وتكاملها تحقق الأرباح. نعود المشكلة الحقيقية المزمنة التي تدفع كل مسئول للتفكير في إعادة الهيكلة أو الدمج والضم ألا وهي الخسائر المستمرة والتراكمية لشركة الخطوط .. فقد يعلم الجميع أن معظم شركات الطيران في شتي أنحاء العالم باتت لا تعتمد علي أرباحها من بيع تذاكر السفر التي لا تغطي تكاليف التشغيل الباهظة في ظل المنافسة العالمية الشرسة .. ونري أن دمج الشركات الرابحة في شركة الخطوط أشبه بالمغامرة وستكون نتيجته الحتمية ابتلاع هذه الأرباح خاصة أن خسائر الخطوط تفوق أرباح الشركات مجتمعة. عموما هناك حلول كثيرة لإنقاذ شركة الخطوط ووقف نزيف خسائرها بل وقدرتها علي تحقيق الأرباح بدون المغامرة بابتلاع أرباح الشركات الأخري في حالة الضم أو الدمج .. ولكن هذا يرتبط أولا بالاستماع ومناقشة كل الآراء وعدم حصرها علي من ينجح في اختراق الحصار المفروض حول الوزير .. وأيضا بالجرأة في اتخاذ القرار الذي يخشي دائما أصحابه من مواجهة حزب أعداء النجاح والمنتفعين من بقاء الوضع علي ما هو عليه. المليارات الأربعة فوجئت منذ إعلان الفريق يونس المصري وزير الطيران المدني خلال لقائه بمحرري الطيران عن زيادة موارد قطاع الطيران بعد 39 يوما بقيمة 4 مليارات جنيه نتيجة توفير النفقات وحسن استغلال الموارد بفريق من المشككين لإثبات المبالغة في الرقم أو الإشارة إلي فساد السابقين وغير ذلك من أساليب التشكيك. والحقيقة أنه بمتابعتي عن قرب لما يدور داخل كواليس القطاع أميل إلي صدق ما أعلنه الوزير. فلن أذكر سوي بندين فقط من الإصلاحات التي بدأت في مصر للطيران من خلال متابعتي عن كثب .. الأول إعادة تخطيط استخدام الطائرات ذات الطرازالعريض البوينج 777/300 وهي 6 طائرات فقط ضمن أسطول الشركة البالغ 68 طائرة وطبقا لما يتحقق علي أرض الواقع سيؤدي ذلك إلي توفير 650 مليون دولار سنويا .. وقد بدأ هذا الإصلاح منذ اليوم الأول لتولي الفريق يونس المصري حقيبة الوزارة .. يعني حسن إدارة واستخدام 6 طائرات فقط أدي إلي وفر حوالي مليار و150 مليون جنيه .أيضا خطة إدارة استهلاك الوقود والمحركات التي بدأت علي أرض الواقع توفر حوالي 2 مليار جنيه .. تلك بندان فقط من حسن استغلال الأصول في شركة إحدي الشركات التابعة للشركة القابضة لمصر للطيران إضافة إلي ترشيد النفقات في نفس الشركة .. وبمعادلة حسابية بسيطة لو حسبنا ناتج مثل هذه الإصلاحات أو بمعني أدق حسن استغلال الأصول إضافة إلي ترشيد النفقات في الشركة القابضة لمصر للطيران وباقي الشركات التابعة لها .. وأيضا في الشركة المصرية للمطارات والشركات التابعة لها .. وأيضا في باقي الجهات التابعة للوزاري سنجد أن ملبغ المليارات الأربعة التي أعلن الوزير عنها كزيادة في موارد القطاع كاملا ليس بالرقم المبالغ فيه .. وأتوقع أن يزيد علي ذلك خلال الفترة القادمة .. ولولا قناعتي بمتابعتي عن قرب لما يدور داخل أروقة الطيران من ترشيد حقيقي للنفقات وحسن استغلال الأصول لكنت أول الناقدين للوزير. لغز إكسبريس اعتبر الكثيرون أن تعيين الطيار شريف خليل قائد الطراز العريض "بوينج 777/300 " ورئيس قطاع العمليات السابق في شركة الخطوط كمساعد للكابتن أشرف الخولي رئيس شركة مصر للطيران للنقل الداخلي والإقليمي "إكسبريس" مجاملة فجة من الطيار أحمد عادل لأحد أصدقاءه. لمن لا يعرف بداية الطيارين أشرف الخولي و شريف خليل يعدان من أمهر الطيارين المدربين والمخططين بشركة مصر للطيران . الطيار شريف خليل كان معارا لاحدي شركات الطيران في الأردن براتب كبير جدا يفوق الخيال وأن الطيار أحمد عادل رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران طلب منه قطع الإعارة والعودة لحاجة شركة إكسبريس لجهوده خلال المرحلة الانتقالية الحالية التي ستبدأ خلالها الشركة في استلام طائراتها الجديدة " 12 طائرة " التي تعاقدت علي شرائها .. فلم يتردد الطيار شريف خليل لحظة واحدة وضحي براتبه الكبير وعاد فورا تلبية لنداء شركته الأم . وأخيرا لمن لا يعلم فقد حضر رئيس شركة الطيران من الأردن يتوسل للطيار أحمد عادل لعدم قطع إعارة الطيار شريف خليل نظرا لكفاءته وخبرته النادرة وحاجة شركته إليه رغم وجود طيارين مدربين آخرين في تلك الشركة .. لكن في نفس الوقت الذي رفض فيه الطيار أحمد عادل طلب رئيس الشركة الأردنية رفض أيضا الطيار شريف خليل كافة الإغراءات المالية والمعنوية التي عرضها عليه رئيس الشركة غير المصرية وعاد إلي مصر تلبية لنداء شركته الأم. وعمار يامصر ! ورحم الله شهداءنا