في مناقشة مع أحد المزارعين حول القرارات الحكومية التي صدرت أخيرا بتخفيض مساحات زراعة عدد من المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلي مياه غزيرة مثل زراعات الأرز والموز والبرسيم وقصب السكر. وبدأت المناقشات بسؤاله عن توقعي لرد الفعل بعد تنفيذ هذه القرارات وهل سيؤدي ذلك إلي ارتفاع أسعار هذه المحاصيل قلت.. بالتأكيد هذا قرار مهم بل هو من أهم القرارات التي صدرت في مجال تحديد حجم استهلاك المياه.. لأن العالم مقبل علي تغيرات مناخية.. وهذه التغيرات أثرت في حالة الجو.. والأمطار وبالتالي اصبحت المياه مشكلة وندرتها متوقعة ومنذ شهور اعلنت احد مراكز الأممالمتحدة أسماء عدد من الدول معرضة للتصحر وقلة المياه والحمد لله لم تكن مصر من بين هذه الدول ولكن هذا لا يمنع من توقع حدوث مشكلة مائية في السنوات القادمة.. خصوصا وان خبراء البيئة يؤكدون ان العالم يمر حاليا بفترة عدم توازن بيئي نتيجة انبعاثات لأبخرة المصانع وعادم السيارات وانتشار أجهزة تكييف الهواء التي تساعد علي زيادة درجة حرارة الجو. وأكدوا أيضا ان هناك بلاداً أخري في افريقيا تعرضت بالفعل لأزمات مياه فقد تعرضت مدينة مثل كيب تاون في جنوب افريقيا وقد شاهدنا علي شاشات التليفزيون لقطات تظهر وقوف الناس طوابير بالشوارع أمام صنابير المياه لملء بعض الأواني بالمياه بشكل محدد ومقنن بالإضافة إلي ذلك فإن الدراسات تشير إلي احتمالات جفاف عدد من الترع والأنهار في بعض دول العالم نتيجة تغير الأحوال المناخية وانقطاع الأمطار. كل هذه الوقائع والتنبؤات تجعل أي دولة تقوم بإجراءات احترازية ومن بين هذه الإجراءات التقليل من الزراعات ذات الاحتياج المائي الكثيف وانتقلت للحديث عن الإجراءات المصرية التي تم اتخاذها بالنسبة لزراعة الأرز الذي يحتاج زراعته إلي مياه غزيرة ولأن التوسع في زراعته سيؤدي إلي استنزاف كميات ضخمة من المياه.. فإن الأمر يستلزم ترشيد استخدامها من هنا لجأت الحكومة إلي تحديد مساحات معينة لزراعته كما ان زراعته مازالت تقوم علي الطرق العادية المستخدمة من عشرات السنين في معظم المزارع المصرية. واتذكر انني كنت في زيارة لليابان وكان ذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي وحكي لي السفير المصري ان اليابانيين نجحوا في زراعة الأرز علي مياه البحر المالحة وانه ارسل إلي القاهرة بتفاصيل هذه الزراعة ويبدو ان الخبراء المصريين لم يعجبهم المشروع نظرا لأن الأرض بعد زراعتها بمياه البحر تتحول إلي أرض مالحة أشبه بالبور ولا يمكن زراعتها مرة أخري.. رد محدثي قائلا: ان الانتاج القادم سيكون قليلا من الأرز بالنسبة للانتاج السنوي المعتاد وسيؤدي ذلك إلي ارتفاع الأسعار. قلت اعتقد ان وزارة الزراعة استنبطت أنواعا أخري جديدة لا تحتاج إلي مياه غزيرة كما ان انتاجها أكثر كثيرا من الأنواع العادية. وسأل محدثي مرة أخري وماذا بالنسبة لزراعة القصب؟ قلت: معروف ان زراعة القصب مجهزة للتربية الزراعية وتحتاج إلي مياه غزيرة وبالتالي فإن تحديد مساحات زراعة قصب السكر يمكن الاستعاضة عنها بزراعة البنجر وهو بديل للقصب في انتاج السكر.. صحيح ان السكر المنتج من القصب أكثر جودة ولكن للضرورة احكام.. وفيما أعلم ايضا انه في أوقات كثيرة كانت مصر تصدر السكر المنتج من القصب ونستورد بدلا منه أنواع أخري أقل جودة وارخص سعرا مع الاستفادة بفرق السعر وفي رأيي انه يمكن الاستعاضة عن زراعة القصب بزراعات أخري قد تحقق ايرادا أكبر للمزارع. ونفس الحال بالنسبة للبرسيم وهو الغذاء الطبيعي للمواشي والأغنام ولكن هناك بدائل أخري يمكن استخدامها عوضا عن زراعة البرسيم ونص الحوار مع محدثي حول زراعة الموز الذي يحتاج لمياه غزيرة وطبعا لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة فإن تحديد مساحة زراعته أفضل من استنزاف المياه. وعلي وجه العموم ليس عيبا تحديد مساحات زراعة الأنواع المستهلكة للمياه خصوصا وان كل محصول من هذه المحاصيل المحددة يمكن تعويضها بانتاج آخر.. كذلك فإن هناك وسائل أخري لمنع استنزاف كميات كبيرة من المياه بالاضافة إلي ضرورة الاستفادة من تجارب بعض دول العالم في تطوير الزراعة واستنباط انواع أخري تعتمد علي المياه القليلة والانتاج الزراعي الغزير.