شهدت الصحافة الورقية كصناعة تطوراً مذهلاً مع نهايات القرن العشرين حيث أصبح إعداد وتجهيز صحيفة لا يحتاج سوي غرفة صغيرة بعد أن كان الأمر يتطلب مطبعة مجهزة بالمعدات اللازمة لإعداد وتنفيذ صفحات الجريدة.. حتي العمل الصحفي ذاته صار أكثر سهولة بفضل ثورة الاتصالات حيث أصبح في الإمكان إرسال الخبر والصور من موقع الحدث لحظة وقوعه كما أصبح البحث عن معلومة لا يتطلب سوي ضغطة "زر"! مرحلة وحيدة من مراحل صناعة الصحافة الورقية لم تمتد لها يد التطوير وهي "التوزيع".. توزيع الصحيفة الذي لا يزال يعتمد علي وسائل النقل التقليدية من قطارات وسيارات وموتوسيكلات وهي وسائل نقل اعتمدت عليها شركات التوزيع ولا تزال منذ بدء طباعة الصحف! وحده الكاتب الراحل محسن محمد هو الذي أحدث ثورة في توزيع الصحف في أوائل سبعينيات القرن الماضي ليس فيما يتعلق بوسائل النقل وإنما في وضع خريطة جديدة للتوزيع حين قرر توزيع الزميلة "الجمهورية" ليلاً حتي صارت الصحف الصباحية الأخري "الأهرام والأخبار" علي نفس النهج مما أحدث طفرة كبيرة في توزيع الصحف وقتها. لن أخفي سراً حين أقول إن هناك بعض المراكز والقري في مصر لا تصلها الصحف إلا في وقت متأخر جداً وربما في اليوم التالي لعدة أسباب إما لتعطل القطار أو سيارة التوزيع أو عدم اللحاق بموعد تحرك القطار أو لحادث علي الطريق.. وكلها أسباب شائعة الحدوث ما يؤثر سلباً بكل تأكيد علي معدلات توزيع الصحيفة. لقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن أن الصحافة الورقية باتت مهددة وعلي وشك الاندثار بسبب ثورة الاتصالات وانتشار المواقع الإخبارية حيث أصبح في الإمكان متابعة أخبار العالم لحظة بلحظة علي هاتفك المحمول سواء وأنت جالس في المكتب أو المنزل أو وأنت في الشارع.. وهو قول مردود عليه فالصحافة الورقية لا يزال لها برقيها الخاص الذي يجذب القارئ بحكم العادة ورصيد السنين. أري أن هناك حلاً للنهوض بالمؤسسات الصحفية يمكن من خلاله ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد وهو عمل 5 طبعات إقليمية لكل صحيفة.. طبعة القاهرة الكبري وطبعة الدلتا وطبعة الاسكندرية وطبعة مدن القناة وأخيراً طبعة الصعيد وهذا الأمر يتطلب وجود 5 مطابع صغيرة في تلك المناطق علي أن يتم إرسال الصفحات عبر أجهزة الكمبيوتر من المكتب الرئيسي بالقاهرة وهو ما سوف يحدث ثورة في عملية توزيع الصحف ويصبح في الإمكان توزيع الصحف ليلاً في كل محافظات مصر ما سيؤدي إلي زيادة التوزيع وثانياً نكون قد نجحنا في تطوير عملية توزيع الصحف وثالثاً وهو الأهم الاهتمام بالصحافة الإقليمية التي تشكو من ندرة أخبارها في الصحف. المشروع نعم مكلف لكنه يستحق الدراسة.. إنه اقتراح لمن يهمه الأمر في الهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلي للإعلام.