* يسأل محمد نور الدين مقاول توريدات عمومية: ما حكم ترويج الشائعات ؟ وكيف تتم معالجتها؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: تضافرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة علي حرمة المشاركة فيما يعرف في العصر الحديث ب "ترويج الشائعات" ونشر الأكاذيب والأقاويل غير المحققة والظنون الكاذبة من غير أن يتثبت المرء من صحتها ومن غير رجوع إلي أولي الأمر وأهل العلم والخبراء بالأمور قبل نشرها وإذاعتها مما يثير الفتن والقلاقل بين الناس. ولقد وصف الله تعالي ما يسمي الآن بترويج الإشاعات بالإرجاف وهو ترويج الكذب والباطل بما يوقع الفزع والخوف في المجتمع فقال تعالي : "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً" "الأحزاب: 60-61" وأصل الإرجاف من الرجف وهو الحركة فإذا وقع خبر الكذب فإنه يوقع الحركة بالناس فسمي إرجافاً وقد نبهنا الله تعالي إلي أن كثيراً من الظنون يجب اجتنابها من غير تبين ولا تحقق حيث أكد الله تعالي أن هناك من الظنون ما هي إثم ناهياً عن تتبع الظنون بما يوجب التجسس علي الخلق وتتبع عوراتهم ومعايبهم واغتيابهم فقال تعالي : "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" "الحجرات:12" وقال النبي صلي الله عليه وسلم : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث". كما يندرج ترويج الإشاعات تحت النهي عن "قيل وقال : لقوله صلي الله عليه وسلم : "إن الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" ويدخل في "قيل وقال": الخوض في أخبار الناس وما لا يعنيه من أحوالهم. كما أن مروج الإشاعة لو أدرك عظم الجري الذي يفعله بسبب الآثار المدمرة للإشاعة علي المجتمع لما تهاون بصنيعه قط لحديث النبي صلي الله عليه وسلم قال :"إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم". كما حذرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن يتحدث المرء بكل ما سمع فإن من يتحدث بكل ما سمع سيقع في الكذب وترويج الباطل لحديث النبي صلي الله عليه وسلم قال : "كفي بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع". وعلاج الإشاعات إنما يكون بوأدها في مهدها قبل تفاقمها والامتناع عن إذاعتها "حتي وإن صحت في حقيقة الأمر" فيجب عدم ترويجها لأننا لا نعرف أبعادها وإلي هذا أرشدنا الله تعالي بقوله : "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا" "النساء:83" فأمرنا عز وجل برد الأمور سواء من الأمن أو الخوف إلي أولي الأمر وأصحاب العلم أولاً قبل إذاعتها والتكلم فيها حتي يكون الكلام فيها وإذاعتها عن بينة وتثبت وتحقق من شأنها. ومن علاجها أنها إذا وصلت إلي الإنسان وجب عليه التحقق والتثبت وعدم المسارعة فيها ثم بعد التثبت منها عليه أن يرجع في شأنها إلي أولي الأمر والخبرة لا المساعدة علي ترويجها قال تعالي : "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي مافعلتم نادمين" "الحجرات:6". وبالإضافة إلي ما سبق فإن المولي عز وجل يرشدنا إلي السلوك الإسلامي القويم عند رواج شائعة خطيرة: أولاً : وجوب حسن الظن بالنفس وبالغير . ثانياً : التحقق ومطالبة مروجي الشائعة بأدلتهم عليها والسؤال عمن شهدها وثالثاً : عدم تلقي الشائعة بالألسن . ورابعا : عدم الخوض فيما ليس للإنسان به علم ولم يقم عليه دليل صحيح . وخامساً : عدم التهاون والتساهل في أمر الشائعة واعتبارها أمراً هيناً وهي عند الله عظيمة . وسادساً : إذا وردت إلي مسامعنا شائعة يستحب أن نقول : "ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم" "النور :16".