خلال زيارته.. محافظ الإسماعيلية يستقبل الأمين العام المساعد للبحوث الإسلامية    نقيب الأشراف يلتقي رئيس مجلس القضاء الأعلى لتقديم التهنئة بتوليه منصبه    محافظة الجيزة: كسر مفاجئ بخط طرد محطة الطالبية يتسبب فى انقطاع المياه عن كفر طهرمس    محافظ الجيزة: حريصون على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ودعم الابتكار في قطاع النقل والخدمات    مرسيدس: "حظر سيارات الوقود سيدخل الصناعة الأوروبية في الحائط"    الوجود العسكري الألماني في أوكرانيا يواجه "تحديًات سياسية هائلًة "    بالأرقام.. الخارجية تكشف جهود مصر في دعم غزة    14 ضحية وقعت في الفخ.. البطاقات الحمراء تشعل الدوري المصري مبكرًا    وسام أبو علي: مقتنع بخطوة اللعب في كولومبوس.. والأمر كان صعبًا بسبب الأهلي    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    رقص بملابس خادشة.. الداخلية تعلن تفاصيل القبض على الراقصة "نورا دانيال"    ارتفاع ضحايا حادث انهيار عقار بالشرقية إلى 4 وفيات و7 مصابين    غدر الذكاء الاصطناعى    جولة لوزير الآثار بالمتحف اليوناني الروماني وقلعة قايتباي    لإحياء مواهب الشباب..انطلاق الأسبوع الثقافي بالإسماعيلية    تعرف على آخر مستجدات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    صورة- عمرو دياب مع منة القيعي وزوجها على البحر    ما ثواب صلاة الجنازة على أكثر من متوفى مرة واحدة؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    النائبة آمال عبدالحميد بعد جدل تعديل مواعيد العمل: الناس فهمت غلط    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لقرية التقدم بالقنطرة شرق    إيران تدرس إرسال وفد إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    النائب محمد أبو النصر: رفض إسرائيل مبادرة وقف إطلاق النار يكشف نواياها الخبيثة    وزير الصحة يتفقد مستشفى الشروق ويوجه بدعم الكوادر الطبية وتطوير الخدمات    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    خالد الجندى يوضح الفرق بين التبديل والتزوير فى القرآن الكريم.. فيديو    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    صلاح: التتويج بالبطولات الأهم.. وسنقاتل لتكراره هذا الموسم    جوارديولا يوضح موقف مانشستر سيتي من التعاقد مع دوناروما ويكشف عن خططه لحراسة المرمى    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    الرئيس الفرنسي: يجب تثبيت وقف إطلاق نار دائم في غزة    طب قصر العيني يطلق برنامجًا صيفيًا لتدريب 1200 طالب بالسنوات الإكلينيكية    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    خلال اتصال هاتفى تلقاه من ماكرون.. الرئيس السيسى يؤكد موقف مصر الثابت والرافض لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى أو المساس بحقوقه المشروعة.. ويرحب مجددًا بقرار فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية    النائب علاء عابد: المقترح «المصري–القطري» يتضمن بنود إنسانية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    خلال تفقده لأعمال صيانة وتطوير المدينة الجامعية.. رئيس جامعة القاهرة يؤكد الالتزام بأعلى معايير الجودة    بيع 11 محلًا تجاريًا ومخبز بلدي في مزاد علني بمدينة بدر    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    الزمالك: منفحتون على التفاوض وحل أزمة أرض النادي في 6 أكتوبر    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    تعرف على حالة الطقس اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    أحمد ياسر: كهربا يمر بظروف صعبة في ليبيا... ولا يصلح للعب في الأهلي والزمالك    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    إيزاك: النادي يعرف موقفي منذ فترة.. وعندما تكسر الوعود لا يمكن للعلاقة أن تستمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات المصرية الأمريكية.. "170" عاما من الشد والجذب

منذ حصول الولايات المتحدة الأمريكية علي استقلالها في سنة 1784.. ولديها رغبة في إقامة علاقات مع مصر.. فهي بلد ذات موقع استراتيجي فريد تمتد بين افريقيا وآسيا وقريبة من السواحل الشرقية للبحر المتوسط.. يضاف إلي ذلك انها تتمتع منذ فجر التاريخ بكل مقومات النمو والرخاء والسحر والجمال.
أرادت الولايات المتحدة تبادل العلاقات.. لكن مصر كانت خاضعة لنظام الولايات العثمانية وفي ذلك الوقت كان للولايات المتحدة قنصل في القسطنطينية وفي سنة 1832 عين وكيل لهذا القنصل في مصر.
وكان محمد علي باشا حريصا علي تنمية نشاط مصر التجاري مع أمريكا وظلت الأمور تسير هادئة مستقرة بينهما لا يعكرها أي مشكلة.. بل علي العكس كانت أمريكا تميل لحل القضايا الوطنية سواء أثناء حكم محمد علي الذي كان يسعي للاستقلال عن الامبراطورية العثمانية وفي ذلك الوقت أيضا لم يكن لأمريكا أي اطماع سياسية لا في مصر ولا في المنطقة إلي أن بدأت الأمور تتغيير بعد الحرب العالمية الثانية وأرادت امريكا ان يكون لها نظام دفاع مشترك.. تشترك فيه الدول العربية ودول الشرق الأوسط وسعت لتحقيق هذه الفكرة مرارا إلي أن قامت ثورة 23 يوليو واعتقدت أمريكا ان مصر ستوافق علي مشاركتها في الأحلاف والأنظمة إلا ان كل الأحلام الأمريكية تحطمت عند جمال عبدالناصر حيث رفض رفضا قاطعا أي انحياز من خلال الاحلاف أو أنظمة الدفاع المشترك مكتفيا بنظام جديد اطلق عليه الحياد الايجابي والحقيقة ان طوال حكم جمال عبدالناصر كانت العلاقات في معظم الأحوال مسيئة وساعد علي سوء العلاقات قيام إسرائيل التي احتوتها أمريكا واصبحت إسرائيل ولاية أخري من الولايات الأمريكية وظلت سيئة إلي أن قامت حرب 1973 وتوقيع اتفاقية السلام.. هنا فقط تحسنت العلاقات.
وعندما تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مسئولية البلاد ظهر بمظهر جديد يختلف عن رؤساء الجمهورية السابقين فكانت علاقاته جيدة مع كبار المسئولين الأمريكان الذين زاروا مصر كثيرا وتأكدوا ان مصر تتغلب علي كل الصعاب وان مراحل جديدة من الرخاء والرفاهية في الطريق إلي الشعب المصري وقد نشرت مجلة "واشنطن أجزميز" الأمريكية تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي مايك بينس قال فيها ان العلاقات المصرية الأمريكية قوية بل ولم تكن قوية بهذا الشكل في أي وقت مضي.. والولايات المتحدة عازمة علي دفع العلاقات نحو آفاق ارحب خلال الفترة المقبلة واثني نائب الرئيس الأمريكي علي خطوات الإصلاح التي يتبعها الرئيس السيسي وان كل ما يجري علي الساحة المصرية يبشر بأن مصر الجديدة في الطريق إلي تحقيق آمال الشعب المصري.
والحقيقة ان علاقتنا بأمريكا هي علاقات تاريخية مرت في أغلبها مرورا جيدا وان كانت في حالات أخري تصير مسيئة ولكن سرعان ما تنقشع الخلافات والأمر المؤكد ان لولا قيام إسرائيل وانحياز أمريكا الدائم لها لانقشعت كل الغيوم في العلاقات المصرية الأمريكية ومن المؤكد انه كلما تحسنت العلاقات بين البلدين يخرج صوت نشاذ من هناك يحاول التدخل في الشأن الداخلي المصري وانتقاد السياسة المصرية بصورة لا يمكن القبول بها كما حدث مؤخرا من جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي وفي جميع الأحوال فإن للعلاقات المصرية الأمريكية حكايات عبر أزمنة مختلفة ونأتي للبداية إلي ما قبل ثورة 23 يوليو 1952.
في الوقت الذي حصلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية علي استقلالها في سنة 1784 كانت مصر مستعمرة من جانب الدولة العثمانية وبالتالي كانت ولاية عثمانية.. ولم يكن من الممكن إقامة علاقات مباشرة بينها وبين دول العالم لهذا السبب ولكن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تريد ان ترتبط بمصر بعلاقات مباشرة وعندما تعذر ذلك تم ايجاد نوع من العلاقات من خلال قنصل أمريكي يرعي مصالحها وهو في القسطنطينية.
وفي سنة 1832 قامت الولايات المتحدة بتعيين وكيلا لها في مصر.. وكان محمد علي باشا علي قمة السلطة المصرية في ذلك الوقت وملكه يمتد إلي بلاد أخري كثيرة وكان لمصر نشاطا تجاريا كبيرا مع الدول الأوروبية حيث كان محمد علي يطلب تأييد هذه الدول في حصوله علي الاستقلال وكانت الولايات المتحدة حريصة علي أقامة مثل هذه العلاقات التجارية مع مصر ولهذا أوفد أندرو جاكسون الرئيس الأمريكي 1834 بعثة تجارية برئاسة وليام هود جرسون وفقا لما قاله د.عبدالرءوف أحمد عمر في رسالته للدكتوراه للتأكد من مدي رغبة محمد علي في إقامة علاقات تجارية منفصلة عن الدولة العثمانية وأشارت هذه البعثة إلي ضرورة الاهتمام بتنمية العلاقات مع مصر وأوصت برفع درجة التمثيل بين البلدين وذلك نظرا لاتساع الاقاليم التي يحكمها محمد علي وبالفعل اصدر الرئيس الأمريكي قرارا برفع درجة التمثيل إلي قنصلية وفي الوقت نفسه استعان محمد علي باشا بعدد من الخبراء الأمريكيين في شئون الزراعة وعلي وجه الخصوص القطن والقصب والأرز.
تنمية العلاقات التجارية
وفي نفس اطار تنمية العلاقات التجارية اشتركت مصر في عام 1853 في معرض نيويورك للحاصلات الزراعية والمنتجات الصناعية كما شاركت أيضا في عام 1876 في معرض فيلادلفيا وقد حقق هذا التجاوب في العلاقات ان تحقق زيادة في التبادل التجاري بين الدولتين خاصة وان أمريكا لم يكن لها في مصر اطماع سياسية مثل انجلترا وفرنسا وتبع ذلك نحو آخر في العلاقات الثقافية فقامت الولايات المتحدة بإنشاء المدارس والمستشفيات والملاجيء ومراكز راهبات.
وفي عام 1841 صادق الكونجرس علي اتفاقيات لتشجيع التبادل التجاري وتنشيط العلاقات بصفة عامة مع الدولة العثمانية ومع مصر وظلت العلاقات تتنامي حتي تم رفع درجة التمثيل بين البلدين إلي قنصلين عامة في سنة 1849 وقد بلغت قيمة الصادرات من مصر إلي أمريكا ما يزيد علي ثلاثة ملايين دولار سنويا في حين بلغت الواردات ما يزيد علي نصف مليون دولار.
التوتر بسبب المكسيك
في عهد سعيد باشا بن محمد علي بدأت العلاقات تتوتر بين أمريكا ومصر نتيجة استجابته لطلب نابليون الثالث بارسال فرقة مصرية سودانية إلي المكسيك لمعاونة القوات الفرنسية حيث اعتبرت الحكومة الأمريكية ان تصرف الحكومة المصرية وموافقتها علي ارسال فرقة عسكرية مصرية إلي المكسيك هو مخالف للقواعد المعمول بها والخاصة بعدم التدخل في شئون القارة الأمريكية وترتب علي ذلك ان ساءت العلاقات بين البلدين.
أما الخديو إسماعيل فقد دعم علاقاته مع أمريكا التي أوفدت إليه مجموعة من الضباط الأمريكيين لتدريب الجيش المصري وكان هؤلاء من الضباط الذين ادوا الخدمة العسكرية في حرب الاستقلال الأمريكية تم تسريحه كما وافقت الحكومة الأمريكية في سنة 1870 علي بيع أسلحة أمريكية للجيش المصري أما في سنة 1920 وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولي تم افتتاح خط ملاحي بحري بين مصر والولايات المتحدة.
المهم ان أمريكا اصبحت الدولة السادسة في قائمة صادرات مصر الخارجية طبقا لشهادة السفير البريطاني مايلز لامبسون في سنة 1935 كانت العلاقات 100% بين البلدين وكانت الولايات المتحدة كثيرا ما تطلب من انجلترا تسوية القضية الوطنية المصرية إلا ان انجلترا كثيرا ما سوفت في هذه الطلبات ثم اصبحت القضية الفلسطينية هي العائق الذي ظهر إلي السطح نظرا لضغوط المنظمات الصهيونية الأمريكية ولهذا الغرض قام كورول هل وزير الخارجية الأمريكية بزيارة مصر لاستطلاع الرأي العام في المسألة الفلسطينية.
وبالتأكيد فإن العلاقات المصرية الأمريكية تأثرت نتيجة للضغوط البريطانية علي الولايات المتحدة من جهة والمنظمات الصهيونية من جهة أخري وهذا يفسر تراجع الولايات المتحدة عن تأييد مصر تأييدا شاملا في نزاعها مع بريطانيا نتيجة لذلك الأمر الذي سبب احباطا للمصريين ومع اتساع النشاط الأمريكي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا خصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت انجلترا تقلق لهذا النمو المتزايد من الأمريكان وعبرت انجلترا عن قلقها بل ان السفير البريطاني في القاهرة طلب من الحكومة المصرية ان لا تمنح أي امتياز لأمريكا يكون علي حساب المصالح البريطانية في مصر وفيما يبدو ان هذا القلق كان ظاهريا لسبب بسيط هو ان الولايات المتحدة ساندت بريطانيا في كل المواقف وأيضا حاربت إلي جانبها في الحرب العالمية الثانية.
الواقع ان الولايات المتحدة حاولت اثبات حسن نيتها تجاه مصر فعقدت معها اتفاقية في عام 1945 تعهدت أمريكا بموجبها تقديم كل ما يلزم مصر بصفة عامة وفي هذا الاطار قدمت أمريكا لمصر بعض مخلفات الحرب العسكرية والمدنية ومن بينها مركز تموين الشرق الأوسط ومطار بن فيله كهدية لمصر وتم توقيع اتفاقية بشأن الملاحة الجوية وافتتاح خط جوي بين القاهرة وواشنطن وكانت الطائرات الأمريكية المدنية تهبط في هذا المطار الذي ظل يعمل في خدمة الخطوط الجوية المدنية حتي عام 1963 عندما انشأت الحكومة المصرية مطارا جديدا هو المبني رقم واحد حاليا.
سياسة الوجهين
المهم ان أمريكا أكدت انها صادقة في الوصول لحل مسألة أمن الشرق الأوسط وخاصة مصر.. إلا ان الدكتور عبدالرءوف أحمد عمر ذكر في كتابه عن العلاقات المصرية الأمريكية ان امريكا اتجهت إلي اتباع سياسة ذات وجهين.. وجه يمثل السياسة المعلنة ومن خلالها تنادي أمريكا بحرية الشعوب واستقلالها وحق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت الاحتلال العسكري أما الوجه الثاني فهي السياسة غير المعلنة حيث كانت تتدخل سرا في الدوائر الوطنية لترفع إلي مركز الصدارة والحكم رجالا تثق في قدرتهم علي تنفيذ المخططات الأمريكية.
وكان ترومان مثلا يهدف إلي اقامة نظام للدفاع عن الشرق الأوسط وهذا القطاع كان يعتمد علي اتخاذ قناة السويس في مصر قاعدة عسكرية أمريكية وتكون عضوية نظام الدفاع المشترك مفتوحة للدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط ولكن مصر رفضت بحجة توقيعها اتفاقية الصداقة مع بريطانيا سنة 1936 وكانت الولايات المتحدة تبدي اهتماما كبيرا بمصر وطبعا لم يكن هذا الاهتمام لسواد عيون مصر والمصريين ولكن لأن مصر بالنسبة لأمريكا هي موقع استراتيجي مرتبط بافريقيا وآسيا واقرب الدول لشرق البحر المتوسط وبالتالي فإن ضم مصر إلي صفوف الأمريكان يعتبر حائط صد التيار الشيوعي السوفيتي كذلك لكي نباشر نوعا من الهيمنة والسيطرة عليها.
وفي عام 1946 حدث تطور جديد في العلاقات حيث تم رفع درجة التمثيل السياسي من مستوي مفوضية إلي مستوي سفارة وتم تعيين محمود باشا حسن أول سفير لمصر في واشنطن وبحلول عام 1948 تغيرت الأحوال فقد ظهرت إسرائيل بمشاكلها واطماعها وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد انحازت بالكامل إلي إسرائيل وتقول الوثائق المنشورة ان الحرب التي دارت بين العرب وإسرائيل بدأت بعد قصف طوربيد إسرائيلي بارجة مصرية ونسفها في الحال وواجهت الجيوش العربية مشاكل لا حصر لها وعدم وجود خطة عسكرية ونفاد المخزون الاستراتيجي في الوقت الذي تدفق فيه احدث الاسلحة التكنولوجية من أمريكا علي إسرائيل ورغم ذلك حقق العرب هزائم متكررة واضرار متعددة في المدن الاسرائيلية وسرعان ما انطلقت المظاهرات الاسرائيلية تطالب بن جوريون بوقف اطلاق النار وجري بن جوريون إلي أمريكا يطلب منها استصدار قرار هدنة من الأمم المتحدة وحدثت الهدنة في 11 يونيه 1948 وذكر القنصل الأمريكي في القدس بعد ذلك بأن الذي انقذ إسرائيل من الدمار قبول الدول العربية الهدنة لمدة 4 أسابيع وانتهزت إسرائيل هذه الفرصة فقامت بتطوير خططها وحصولها علي كميات اضافية من السلاح الأمريكي وحققت إسرائيل ما تريد والفضل يرجع إلي المساعدة التامة من أمريكا وحددت إسرائيل حدودا مؤقتة مؤمنة تاركة الحدود النهائية لها للزمن ولأمريكا.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع عيونها دائما علي مصر وكانت تحلم بأن تكون مصر منصاعة لها منضمة إلي احلافها فكانت تحاول مساعدتها لحل قضية الجلاء الا انها سرعان ما تتراجع وتعود إلي بريطانيا ويقل حماسها في مساعدة مصر للحصول علي جلاء القوات البريطانية من أراضيها.
وذكرت بعض التقارير ان وزير خارجية أمريكا دين اتشيسون أوفد أحد كبار رجال المخابرات الأمريكية إلي مصر لبحث احوالها من كافة الوجوه وبالفعل قام هذا المسئول الأمريكي ببحث ما يجري في مصر وكيف تدار البلاد وقدم تقريره إلي الحكومة الأمريكية وقد تضمن ان القصر الملكي يضم عناصر فاسدة وحاشية تتدخل في كل كبيرة وصغيرة في شئون البلاد مما جعل البلاد تعيش في فوضي ورشوة واستقرار مفقود ولكي ينصلح حال البلاد لابد من اقصاء رجال القصر وابعاد الحاشية واستبدالهم بآخرين حتي لو أدي الأمر إلي قيام ثورة سلمية متفق عليها مع الملك بحيث يقوم بفحصها وابعاد كل الفاسدين ولكن الملك لم يعر هذا الطلب اهتماما عندما عرض عليه.
من جهة أخري أوفدت الحكومة الأمريكية احد مسئوليها وهو كيروت روزفيليت إلي مصر وكتابة تقارير أخري وشكل وزير الخارجية لجنة تضم خبراء من وزارة الخارجية وضباط من وزارة الدفاع وغيرهم من المتخصصين في البترول علاوة علي بعض اساتذة الجامعات وكان هدف هذه اللجنة هو دراسة تقرير روزفيلت عن أحوال مصر وعن ما جري في تطور النزاع العربي الإسرائيلي وأعدت اللجنة تقريرها في عام 1952 وكان أهم توصية لها هو توجيه اهتمام خاص وفوري بمصر لأنها في رأيهم أكبر ركيزة في الشرق الأوسط وفي شرق البحر المتوسط.
ونأتي إلي 23 يوليو عام 1952 استمع الملك فاروق إلي البيانات التي ألقيت عند اندلاع ثورة الجيش ولم يكن الملك يعرف غرض الثورة وقام بابعاد رسول خاص من الحاشية التي اعتبرتها التقارير الأمريكية انهم افسدوا الحياة المصرية.. ايفاده إلي مستر جفرسون كفري سفير الولايات المتحدة الأمريكية في مصر بدعوة لمقابلته ووصل السفير بالفعل وتحدث مع الملك حديثا قصيرا وكان جفرسون يرتبط بصداقة وثيقة مع الملك ورغم ذلك قال السفير انه سيتصل بحكومته ويبلغه نتيجة اتصاله وهنا ادرك فاروق ان أمريكا لن تسانده هذا ما جاء في كتاب عبدالرحمن الرافعي عن ثورة 23 يوليو ويقول الدكتور عبدالرءوف عمرو في كتابه عن العلاقات المصرية الأمريكية ان فاروق بعث برسالة إلي السفير الأمريكي يسأله عما إذا كانت هناك بالقرب من الاسكندرية مدمرة أمريكية تستطيع أن تنقله إلي بر الأمان إذا اقتضت الضرورة إلا ان جيفرسون لم يرد علي الملك بأي اجابة وهكذا الصداقة شيء والسياسة شيء آخر.
كانت الفرصة متاحة تماما لإسرائيل.. فالدول العربية رافضة لأي حل وكلما تم اقتراح حل لمشكلة ما حول الأراضي الفلسطينية أو تقسيم فلسطين إلي دولتين.. بادر العرب بالرفض بينما إسرائيل تنتهز هذه الفرصة وتقوم بضم الأراضي التي رفضها العرب.
وهكذا وفي يوم 23 يوليو 1952 بدأت إسرائيل تجري مناورات برية وبحرية وجوية لمدة 10 أيام في صحراء النقب وشمال الجليل وعلي الحدود الأردنية ولم تتلق إسرائيل أي ردود من الدول الغربية علي طلبها نقل وزارة خارجيتها إلي القدس وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بارسال مذكرة إلي إسرائيل تؤكد فيها ان مستقبل القدس لا تقرره إسرائيل وإنما تقرره الأمم المتحدة وللعلم فإن كل قرارات الأمم المتحدة حول موضوع القدس وجعله عاصمة لإسرائيل يتم رفضها رفضا باتا وأي محاولة لضم القدس إليها اعتبرتها الأمم المتحدة غير مشروعة وكأن لم تكن كذلك رفضت كل أو معظم دول العالم نقل سفاراتها إلي القدس وان كانت هناك بعض الدول قد علقت موافقتها علي عملية النقل لحين ايجاد حل لمشكلة الفلسطينيين ولكن دونالد ترامب رئيس أمريكا جاء بعد 65 عاما ليعلن موافقته منفردا علي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ووافق لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس وهذا يؤكد تراجع السياسة الأمريكية وأكد هذا التراجع دونالد ترامب.
في الوقت نفسه أي في شهر يوليه 1952 كانت لجنة التوفيق المشكلة من أمريكا وبريطانيا وغيرهم لبحث مشكلة اللاجئين في غزة ومطالبتهم لإسرائيل بمئات الألوف من الأموال المجمدة في مصارف اليهود في إسرائيل وكانت هذه اللجنة تشجع العرب وإسرائيل علي عقد معاهدات للصلح محل اتفاقيات الهدنة وبالمناسبة فإن لبنان اقترح اجراء محادثات بين الدول العربية والأمريكية لتنفيذ مشروعات الدفاع المشترك الذي اقترحته أمريكا واقترحت لبنان اعداد جيش قوامه مليوني جندي عربي كأساس لمشروع دفاعي إذا أرادت أمريكا تنفيذ مشروع الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط وسبب اقتراح أمريكا لاقامة مثل هذا المشروع هو الوقوف ضد المد السوفيتي ونشر التيار الشيعي.
أمريكا و23 يوليو
عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 اعتقدت السفارة الأمريكية بالقاهرة ان هذه الثورة ستكون علي استعداد للتعاون مع أمريكا والاشتراك معها في مشروع الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط وكذلك ستكون هذه الثورة تحت رعاية أمريكا وتتلقي المساعدات العسكرية والاقتصادية وكانت أمريكا قد أوفدت رجل مخابراتها كيرمت روزفلت إلي القاهرة تحت شعار المستشار الخاص للبيت الابيض وعقد اجتماعا مع جمال عبدالناصر حيث جري الحديث بينهما في عدة مسائل أدركها الدكتور عبدالرءوف عمرو في كتابه تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية.
* طالب عبدالناصر مساعدة أمريكا في اقناع بريطانيا بالجلاء.
* ان عبدالناصر يرحب بأية معونة تستطيع أمريكا تقديمها لاحداث تطوير شامل وتغيرات اساسية في حياة الشعب المصري اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
* وسأله عبدالناصر هل تستطيع الولايات المتحدة ان تبيع لمصر سلاحا حديثا بحيث يمكن للجيش المصري الدفاع عن حدودها.
في البداية أيدت الولايات المتحدة تفهما للطلبات المصرية خاصة مسألة تسليح الجيش المصري والمشاركة في خطة التنمية الاقتصادية والاهداف التي تسعي مصر لتحقيقها ثم بعثت الحكومة الأمريكية مستر وليام فوستر وكيل وزارة الدفاع لمقابلة ضباط الثورة وحضر المبعوث الأمريكي في شهر اكتوبر 1952 وبعد المباحثات التي جرت قررت مصر ايفاد بعثة سلاح إلي واشنطن لاجراء محادثات حول طلبات الجيش المصري ولكن لم تسفر هذه الاتصالات عن أي ايجابيات حول تزويد أمريكا مصر بالسلاح.
مع ايزنهاور
وفي أوائل عام 1953 تولي رئاسة أمريكا دوايت ايزنهاور الذي كان يري ضرورة ان تعمل بريطانيا مع الحكومة المصرية علي حل قضية مصر القومية لأن ما يهم أمريكا هو مبدأ الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط كذلك تولي منصب وزير الخارجية جون فوستر دالاس وفي شهر مايو 1953 قام بجولة في الشرق الأوسط داعيا إلي اعتناق سياسة جديدة تهدف في المقام الأول إلي الدفاع المشترك وذلك باقناع الزعماء العرب وعلي وجه الخصوص جمال عبدالناصر بإقامة حلف دفاعي مشترك وتحقيق صلح بين مصر وإسرائيل.
والغريب ان دالاس بعد ان عاد من رحلته هذه والتي استغرقت نحو 21 يوما اعلن انه من الواجب ان تكون سياسة أمريكا علي الحياد في النزاع العربي الإسرائيلي حتي تحظي باحترام وتقدير من العرب وإسرائيل ويلاحظ ان هذا لن يتحقق إذ ان أمريكا كانت دائما منحازة إلي جانب إسرائيل حتي في اعتداءاتها المستمرة علي دول الجوار الإسرائيلية أو علي الفلسطينيين كانت أمريكا تناصر إسرائيل باعتبار ادعاء الدفاع عن نفسها.
الشرق الأوسط مناطق مقدسة
والغريب ايضا ان جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا كان قد صرح في فبراير 1956 أي قبل العدوان الثلاثي علي مصر بنحو ثمانية أشهر.. صرح أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس انه خلال زيارته لمنطقة الشرق الأوسط الدول العربية وإسرائيل في سنة 1953 وقد وجدها منطقة مقدسة بالنسبة للأديان الثلاثة الإسلام واليهودية والمسيحية كما تعد هذه المنطقة كلها ذات اهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لموقعها الاستراتيجي بين آسيا وافريقيا وأوروبا وتكمن أهميتها من ناحية طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية ولهذا فإن الولايات المتحدة تبدي اهتماما بهذه المنطقة منذ زمن طويل حفاظا علي مصالحها والعمل علي تنميتها وكذلك مهمة بالنسبة للأمن القومي الأمريكي.
مؤتمر دالاس
في 10 يوليو 1953 عقد في واشنطن مؤتمر دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي وحضرته بريطانيا وفرنسا بهدف التوصل إلي ايجاد الحلول المناسبة للقضية المصرية وفيه تبنت أمريكا وجهة نظر الحكومة المصرية بأن يتم الجلاء أولا عن مصر ثم يجري بحث مسألة الانضمام إلي حلف دفاعي وايفاد مبعوث أمريكي ؤلي القاهرة حاملا معه نتائج هذا المؤتمر ورغم ذلك فإن اللواء محمد نجيب وكان رئيسا للجمهورية في ذلك الوقت عام 1953 قد أعلن عن موقف مصر لقدرتها علي الدفاع عن منطقة قناة السويس في نطاق ميثاق الضمان الجماعي العربي وحاولت أمريكا بالفعل اظهار حسن النية تجاه مصر بارسال جزء من صفقة الأسلحة الخفيفة كدفعة أولي مصر والتي كانت الحكومة المصرية قد سبق لها ان طلبت الأسلحة عقب قيام الثورة مباشرة وهكذا استجابت الولايات المتحدة لطلب شراء مصرأسلحة منها.. صحيح انها كانت كمية ضئيلة واسلحة خفيفة وتأخر توريدها نحو عام ولكن المهم انه حدث استجابة رغم اعتراض انجلترا واحتجاج إسرائيل اعتقادا منها ان أمريكا جاملت مصر علي حساب البيان المشترك الصادر 1950 يحظر توريد اسلحة للبلاد العربية.
40 مليونا عربون محبة
والواضح ان أمريكا ارتاحت لاتفاقية الجلاء وانه لم يعد هناك مشكلة تعترض قيام حلف دفاعي في الشرق الأوسط وتكون مصر أول الدول التي تسارع للانضمام إليه وقررت أمريكا ان تدفع لمصر "عربون محبة" قيمته 40 مليون دولار.
في الوقت نفسه كانت أمريكا تعتزم تنفيذ حلف الحزام الشمالي والذي عرف باسم حلف بغداد.. وعندما تأكد عبدالناصر من ذلك قرر عدم الانضمام إليه بل وحرض الدول العربية علي مقاطعته متمسكا بالاكتفاء بمعاهدة الضمان الجماعي العربي وكان ذلك بداية المشاكل التي وقعت بين مصر وأمريكا وبداية لانهيار العلاقات الودية الثنائية كما راحت مصر تهاجم الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها أمريكا مع العراق وباكستان وايران لتبادل الخبرات الفنية والعسكرية وأثار جمال عبدالناصر نقطة مهمة إذ قال ان مجرد تفكير أي بلد عربي إلي حلف من هذه الاحلاف هو هدم لوحدة الدول العربية وأعلن عبدالناصر التزام مصر بسياسة الحياد الايجابي ولكن نورن السعيد رئيس وزراء العراق رفض فكر عبدالناصر واعلن تصميمه علي الاشتراك في احلاف امريكا بل انه دعا إلي اشراك الولايات المتحدة الأمريكية في ميثاق الضمان الجماعي العربي.
وفشل الضغط
المهم فشلت كل أساليب الضغط علي جمال عبدالناصر للانضام إلي حلف بغداد أو أي أحلاف أخري تنشئها دول الغرب بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت نفسه فإن جون مونستر دالاس وزير الخارجية استقبل المبدأ الذي دعا إليه عبدالناصر وهو الحياد الايجابي استقبالا سيئا فكان يري ان حياد الشرق الأوسط الذي تقوده مصر خطر يفوق كل الاخطار لأنه في الإمكان انه ينتقل بسرعة من دولة لأخري خاصة في افريقيا ويري انه يجب القضاء علي هذه الفكرة خصوصا وقد خرج إلي العالم بخطة جديدة للقضاء علي الشيوعية.
يضاف إلي ذلك ان عبدالناصر أحرز نجاحا كبيرا في مؤتمر باندونج واستطاع تكوين جبهة من نهرو زعيم الهند وسوكارنو رئيس أندونيسيا وتيتو زعيم يوغوسلافيا ونكروما رئيس غانا وقد أدت جهود عبدالناصر في هذا المؤتمر إلي حصوله علي تأييد وتدعيم لموقفه المناهض لسياسة الاحلاف وتأكيدا لسياسة الحياد الايجابي.
الشروط المجحفة
وهنا ظهر وجه دالاس الحقيقي إذ جعل الولايات المتحدة الأمريكية تضع شرطا اساسيا من شروط تقديم المعوقات الأمريكية وهو التحالف مع الغرب ورغم ذلك فقد استمرت العلاقات المصرية الأمريكية في التحسن بعد توقيع اتفاقية الجلاء البريطاني عن مصر علي أمل ان تحل امريكا محل بريطانيا في شغل الفراغ في الشرق الأوسط ولكن إسرائيل لم تكن مرتاحة علي نمو العلاقات بين مصر وأمريكا وسعت إلي تعكير صفو العلاقات بين مصر والولايات المتحدة.
بداية أزمات
في 28 فبراير 1955 قامت إسرائيل بشن عدوان غادر علي معسكر للقوات المصرية بقطاع غزة ونتج عن هذا العدوان سقوط عدد كبير من القتلي والجرحي كما توغلت القوات الإسرائيلية داخل الأراضي المصرية مما ساعد علي زيادة التوتر بين مصر وإسرائيل كما أدي هذا العدوان إلي رد فعل عنيف لدي الشعب المصري خصوصا وان هذا العدوان تم بتخطيط وتعليمات بن جوريون وزير الدفاع ورئيس الوزراء الذي أعلن مرارا بضرورة قيام إسرائيل بحرب وقائية لهذا اهتمت مصر بضرورة الحصول علي سلاح للجيش خاصة وان التوتر كان شديدا علي الحدود المصرية الإسرائيلية وكان رأي مصر ان تحصل علي السلاح اللازم للجيش المصري بأي وسيلة ومن أي مكان وفي هذا المجال قال الرئيس عبدالناصر بأن العرب جميعا يشعرون بأن أمريكا واقعة تحت تأثير ونفوذ المنظمات الصهيونية مما جعل بعض الصحف الأمريكية تهاجم السياسة المصرية كما طلب من سفيري أمريكا وانجلترا بضرورة تحديد موقف بلادهم بشكل قاطع من طلبات الاسلحة التي سبق لمصر ان طلبتها ولكن كان دالاس غاضبا من عبدالناصر لاتباعه سياسة معادية لسياسة أمريكا في المنطقة وأعلن دالاس ان تحقيق طلب مصر بالحصول علي سلاح يشترط له المحافظة علي اقامة توازن بين العرب وإسرائيل في المنطقة بمعني ان تحصل إسرائيل علي أسلحة مضاعفة من الأسلحة التي تحصل عليها مصر وطلب دلاس عدم الموافقة اساسا علي طلب مصر من السلاح إلا إذا اصبحت عضوا في منظمة الدفاع المشترك وتتعهد باستخدام السلاح إلا في حالة وقوع عدوان خارجي علي المنطقة.
السلاح من روسيا
وازداد هذا التعنت الأمريكي في عدم تزويد مصر بالأسلحة قرر عبدالناصر اللجوء إلي الاتحاد السوفيتي الذي رحب بتلبية طلب شراء مصر أسلحة بمبلغ 180 مليون جنيه استرليني مقابل قطن مصري وبعد ان وصلت أنباء صفقة السلاح السوفيتي إلي أمريكا كلفت وزارة الخارجية الأمريكية كيرمت روزفلت رجل المخابرات الأمريكي بالذهاب إلي القاهرة لمقابلة جمال عبدالناصر ومحاولة اقناعه بالرجوع عن هذه الصفقة السوفيتية وبالفعل وصل روزفلت في سبتمبر 1955 حاملا رسالة ملخصه ان دالاس غاضب للغاية ويتصرف كالثور الهائج وانه مصمم علي ايقاف الصفقة وانه أي دالاس يريد من الرئيس عبدالناصر الغاء الصفقة فإذا لم يفعل فإن أمريكا تعتزم اتخاذ تدابير خطيرة من بينها إيقاف كل المساعدات الأمريكية لمصر وايقاف النشاط التجاري وقطع العلاقات الدبلوماسية ومحاصرة مصر ومنع أي سفينة تحمل سلاحا من الوصول إليها.
وهكذا ظهر الوجه السييء لدالاس فعندما باءت كل محاولاته لضم مصر لحلف بغداد أو أي حلف من الأحلاف التي دعت إليها أمريكا تحت مسمي الدفاع المشترك يضاف إلي ذلك ان دالاس فشل أيضا في اقناع مصر بالتراجع عن صفقة السلاح التي عقدها عبدالناصر مع الاتحاد السوفيتي وكانت بالفعل "ضربة في الصميم" وجهها عبدالناصر مباشرة إلي أمريكا بعد أن تقاعست عن تنفيذ طلبات مصر من السلاح.
في الوقت نفسه تعرض الاتحاد السوفيتي لضغط غربي بزعامة ايدن بان يتوقف لاتحاد السوفيتي عن مد مصر بالسلاح حرص علي التوازن في المنطقة واعلن خروشوف رئيس الوزراء استعداد بلاده لدعم أي قرار من الأمم المتحدة حول هذا الموضوع.
وبالتأكيد فقد أثرت التصريحات التي ادليت حول هذا الموضوع في الرئيس عبدالناصر حققا عدم مواصلة الاتحاد السوفيتي في ارسال الأسلحة في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تغطي إسرائيل بالأسلحة بكثافة وهنا وجد عبدالناصر الحل وكان ذلك في شهر مايو 1956 واعلن اعتراف مصر بالصين الشعبية وكان هذا الاعتراف "لطمة" أخري لسياسة دالاس ازاء مصر وهنا اشتد العداء من دالاس لجمال عبدالناصر والحقيقة ان عبدالناصر لم يتوقف عند توجيه "اللطمات" إلي دالاس وكان بصراحة وقد وقف عند موقف الند ويرد علي كل اجراء يتخذه دالاس بموقف اكثر سخونة واجراء أكثر عنفا.
مشكلة تمويل السد العالي
ونأتي إلي الموقف الأمريكي والبريطاني من تمويل السد العالي تبدأ الحكاية في عام 1974 عندما تقدم دنيوس المهندس اليوناني إلي الحكومة بمشروع لإنشاء سد عالي.. يكون مساعدا لخزان اسوان أو بديلا عنه وبالفعل تم تشكيل لجنة لدراسة المشروع ولكن وقعت احداث داخلية جعلت المشروع ينام!!
وبعد قيام ثورة 23 يوليو وفي أوائل عام 1954 اعلنت الحكومة المصرية عن تنفيذ هذا المشروع وفعلا ابدت بعض الشركات الالمانية اهتمامها بالمشروع وحددت الحكومة المصرية ثلاثة أشهر من يناير حتي مارس 1954 لمعرفة الموقف النهائي من المشروع مع هذه الشركات الألمانية وفي الوقت نفسه اجري وزير المالية اتصالا مع البنك الدولي لمعرفة مدي استعداده للمشاركة في تمويل المشروع وبالفعل قام البنك الدولي في نهاية عام 1955 بالاعلان عن استعداد البنك والولايات المتحدة وبريطانيا لتوفير النقد الأجنبي اللازم للمشروع في مرحلته الأولي وكذلك في المراحل التالية لاتمام التنفيذ وذلك علي أساس قيام الولايات المتحدة بتقديم منحة مالية قدرها 20 مليون جنيه وبريطانيا تقدم منحة قدرها خمسة ملايين جنيه ويقوم البنك بتقديم قرض قيمته 70 مليون جنيه ومصر تقوم بتوفير النقد المحلي اللازم ومع بداية عام 1956 حضر إلي القاهرة رئيس البنك الدولي وكان ذلك الوقت يسمي يوجين بلاك وذلك للتباحث في شروط العرض.
شروط غريبة
والغريب ان البنك طالب بأحقيته في مراقبة ميزانية الدولة وميزانية المدفوعات وذلك ليطمئن البنك باستقرار الاقتصاد المصري وليطمئن أيضا علي حقوقه من القروض المقدمة لمصر واشترط عدم حصول مصر علي أية قروض أخري من أي دولة إلا بعد الحصول علي موافقة البنك وحاول يوجين بلاك اقناع عبدالناصر بأن هذه الشروط أمر طبيعي يتبعه البنك مع كل الدول.
كان دالاس يهدف وراء اسهام أمريكا في بناء السد العالي محو كل أثر لصفقة الاسلحة السوفيتية وربما أمكن الضغط علي عبدالناصر في اقناعه بعدم عقد صفقات سلاح أخري.
في الوقت نفسه اشتد الضغط علي الحكومة الأمريكية من جماعة الضغط السياسية في واشنطن وهم الجماعة المتحدثة باسم الولايات الجنوبية التي عارضت في بناء السد العالي في مصر.. إذ كانت هذه الجماعة تري ان توسع مصر في زراعة القطن بعد تنفيذ السد العالي سيشكل خطرا علي إنتاج القطن الأمريكي إذ يكون منافسا له في الأسواق العالمية وبعد هذه المناورات والشروط التي وضعها الغرب.. ادرك عبدالناصر منذ شهر ابريل سنة 1956 ان الحكومة الأمريكية سوف تتراجع عما وعدت به من المساعدة في بناء السد خصوصا وقد راح الغرب يهاجم مصر وسياستها والتشكيك في قدرة اقتصادها لتغطية خطة التنمية ولكن عبدالناصر رد بادراج المراحل التمهيدية لمشروع السد في الميزانية المعلنة في 4 يونيه 1956 وبالتالي كان الموقف سيئا بالنسبة لدالاس إذ كان يخشي انه لو دفعت أمريكا القرض إلي مصر فإن مجموعة دول الحياد الايجابي ستفسر نجاح عبدالناصر في الحصول علي ذلك القرض بأنه استسلام أمريكي لمصر.
علي أي حال فقد تأكد دالاس من انه لا فائدة ترجي من احتواء مصر إلي جانب الولايات المتحدة وابعادها عن الاتحاد السوفيتي وأصبحت العلاقات بين البلدين تسير نحو الهاوية وهنا اعلن دالاس في 19 يوليو 1956 عن سحب موافقة الولايات المتحدة السابقة لتمويل مشروع السد العالي وأعقبه بعد ذلك بريطانيا حيث قررت سحب قرارها بتمويل المشروع.
وكان رد عبدالناصر عنيفا إذا اعلن في اجتماع جماهيري بالاسكندرية قراره بتأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية وفرض الحراسة علي جميع أموالها ومنشآتها وقيل "أموالنا عادت إلينا" وقال عبدالناصر وهكذا سنبني السد العالي من أموالنا وحصيلة الدخل من قناة السويس ستستخدم في بناء السد العالي ووقع هذا الخبر كالكارثة علي بريطانيا وفرنسا وأمريكا وقد بذلوا جهودا جبارة في محاولات لإلغاء هذا القرار أو ايجاد حلول أخري تمنع سيطرة مصر علي ادارة القناة وانتهت كل هذه المحاولات بما يعرف بالاعتداء الثلاثي حيث قامت إسرائيل يوم 29 أكتوبر 1956 بالهجوم علي سيناء.. الأمر الذي عطل حركة الملاحة في القناة وقامت انجلترا وفرنسا بمهاجمة المدن المصرية إلا ان مجلس الأمن سارع باتخاذ قرار بإدانة هذا العدوان والحقيقة ان الولايات المتحدة الأمريكية عارضت هذا العدوان بل ان ايزنهاور ودالاس غضبا لأن انجلترا وفرنسا شنتا الهجوم دون موافقة الولايات المتحدة وطلبت الولايات المتحدة عقد مجلس الأمن بصفة عاجلة لبحث توغل القوات الإسرائيلية في الأراضي المصرية وخرقها اتفاقية الهدنة مع مصر في عام 1949 وفي 2 نوفمبر 1956 قرر مجلس الأمن بأغلبية ساحقة علي سحب القوات المعتدية.
ولأول مرة اتفقت أمريكا والاتحاد السوفيتي علي مبدأ واحد هو ادانة العدون الثلاثي علي مصر ومطالبة المعتدين بالجلاء فورا عن البلاد المصرية التي اعتدوا عليها وقد وصل الأمر بأمريكا إلي التهديد بقطع المعونة الاقتصادية عن بريطانيا وفرنسا نتيجة تلكؤ الدولتين في الالتزام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت مصر قد قطعت علاقاتها السياسية مع بريطانيا وفرنسا وهذا القرار يعني الاستيلاء علي العتاد الحربي والمهمات الموجودة في قاعدة قناة السويس تطبيقا لاتفاقية الجلاء وهكذا وفي 23 ديسمبر 1956 تم انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية عن بورسعيد وتم جلاء قوات إسرائيل عن غزة وسيناء في شهر مارس 1957 وبدأت أمريكا في التجهيز لسياسة جديدة إذ دعت إلي الحلف الاسلامي ومشروع ايزنهاور للدفاع عن الشرق الأوسط بعد انهيار النفوذ البريطاني والفرنسي ولكن عبدالناصر مضي في سياسة الرفض وصاحبها بالطبع توتر متصاعد بين مصر وأمريكا وحدثت هوة واسعة بين موقف عبدالناصر المعارض لسياسة أمريكا وأمريكا التي رأت في عبدالناصر عدوا لدودا ومعرقلا لكل المشروعات الأمريكية للدفاع أو الاستحواذ علي الشرق الأوسط.
حرب اليمن
انتهت مشكلة الاعتداء الثلاثي علي مصر.. واستردت مصر قناة السويس وتمت وحدة بين سوريا ومصر في عام 1958 وكان لجمال عبدالناصر شعبية واسعة النطاق ليس في مصر وحدها ولكن في سوريا أيضا وبعض البلاد العربية ولكن هذه الوحدة انقصم عداها في عام 1961 وانتهت الجمهورية العربية المتحدة وهو اسم مصر وسوريا في الوحدة واصبحت مصر تحمل اسم الجمهورية العربية المتحدة وقد اثار الانفصال فرحة شديدة لدي حكومات الغرب وعلي وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحلم هي وإسرائيل في انتهاء هذه الوحدة ولهذا بمجرد الاعلان عن انقلاب ضد الأمام أحمد أمام اليمن وظهور العقيد السلال ليكون قائد الحركة اليمنية العسكرية ومطالبته عبدالناصر بارسال قوات للحرب في اليمن لتدعيم الحركة وفرض الاستقرار والأمن في ربوع اليمن السعيد.
وذهبت القوات المصرية بالفعل لمساندة الجيش اليمني ودعم جمهورية السلال ولكن كانت المفاجأة إذ ثبت ان مصر دخلت حربا بدون دراسة أو معلومات عن طبيعة التضاريس في هذه المناطق اليمنية ويبدو ان اشتراك مصر في هذه الحرب اسعد الحكومة الأمريكية لأنها كانت راعية في انهاك قوي الحكومة المصرية وقد استمرت المعارك نحو 5 سنوات تقريبا.
وفي هذه الأثناء كانت العلاقات بين مصر وأمريكا تسير إلي الهاوية فقد كانت متردية للغاية ومتدهورة إلي حد بعيد بينما كانت العلاقات الإسرائيلية الأمريكية متزايدة ونامية في أحسن حالاتها فقد كان لنديون جونسون رئيس أمريكا حريصا علي إسرائيل أكثر من حرصه ربما علي الولايات المتحدة ذاتها ولم يكن يؤخر لها طلبا أيا كان.. في الوقت نفسه كانت العلاقات بين الدول العربية بعضها ببعض مليئة بالخلافات والصراعات.
وكعادة إسرائيل انتهزت فرصة هذه الصراعات والخلافات فقامت في عام 1966 العدوان علي الأردن ثم ذكرت الأنباء ان إسرائيل تمهد للعدوان علي سوريا ومعني ذلك ان مصر ستنضم إلي سوريا إذا حدث عليها عدوا إسرائيلي وانتشرت الأقاويل في انحاء العالم فإن مصر ستحارب إسرائيل بل وستلقيها في البحر!! كانت هذه الأقاويل تنتشر بعد أن عقد عبدالناصر مؤتمرا صحفيا عالميا وراح يكيل الاتهامات إلي الولايات المتحدة ومهاجمها ويهاجم قادتها وقادة بعض الدول الغربية هجوما قاسيا وقال في هذا المؤتمر عبارة شهيرة "من لا يعجبه البحر الأحمر فليشرب من البحر الأبيض" والمهم ان القوات المصرية كانت ماتزال في اليمن عندما تم جر مصر مرة أخري إلي حرب أخري سنة 1967 مع إسرائيل هذه المرة وتعاونها وتساعدها بل وتشاركها الولايات المتحدة الأمريكية.
عبدالناصر أفشل المشروعات الأمريكية
عموما كانت العلاقات المصرية الأمريكية سيئة بعد أن أفشل جمال عبدالناصر مشروع ايزنهاور ثم عادت إلي حالة من التوازن خلال الفترة من 1960 و1965 وكانت هذه هي الفترة التي تولي فيها جون كيندي رئاسة أمريكا قبل اغتياله ثم أتي إلي رئاسة أمريكا ليندون جونسون وكان يكره جمال عبدالناصر كرها شديدا وانعكس هذا الكره وامتد إلي مصر كلها.
وفي سنة 1964 أعلنت حكومة جونسون فرض حصار اقتصادي علي مصر ومنع ارسال القمح لها بعد ان رفض عبدالناصر التعهد للرئيس جونسون بعدم انتاج أسلحة ذرية وصواريخ ذات مدي طويل - حق التفتيش علي الأسلحة - تجميد حالة الجيش علي ما هو عليه - منع أي تطوير في المعدات والأسلحة والتدريب ولاستراتيجيات العسكرية وطبيعي أن يرفض جمال عبدالناصر كل هذه الشروط التي كان يريدها جونسون وطبيعي أيضا أن يرد عبدالناصر ردا بليغا علي املاءات جونسون حيث قال ردا علي فرض الحصار الاقتصادي اننا لا نبيع استقلالنا بثمانين مليون جنيه ولا بثمانية آلاف مليون جنيه ولا نقبل تدخلا مهما كان الثمن وذلك طبقا لما جاء في مجلد 50 سنة ثورة.
القمح السوفيتي
والحقيقة ان مصر كانت في حاجة إلي القمح.. وكان الاحتياطي المخزون لا يكفي بضعة اسابيع ولجأت الحكومة المصرية إلي الاتحاد السوفيتي للتفاوض معه بشأن استيراد القمح وتم ذلك علي الفور دون أي شروط مجحفة وارسلت الحكومة السوفيتية باخرة محملة بالقمح اتجهت علي الفور إلي ميناء الاسكندرية.
كان جونسون يتصرف مع مصر وكله حقد وكره وفي عام 1965 أعلن عن توريد صفقة من الأسلحة إلي إسرائيل متدرع بأن مصر حصلت علي أسلحة من الاتحاد السوفيتي وكان تبرير ذلك هو احداث توازن بين إسرائيل من ناحية والدول العربية من ناحية أخري ومع بداية عام 1966 أي قبل نكسة 5 يونيه بعام واحد.
ونتيجة لكل هذا بدأ عبدالناصر من 14 مايو سنة 1967 تنفيذ إجراءات الهدف منها توفير حد أدني لردع إسرائيل ومنعتها من الاعتداء المتكررة واتخذ عدة قرارات من بينها وقرار بتعبئة القوات المصرية الموجودة في سيناء وقرار بطلب سحب قوات الطواريء الدولية من المنطقة منزوعة السلاح وقرار بإغلاق خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية وقد قوبلت هذه القرارات باعتراض من الأمين العام للأمم المتحدة مستر يوثانت لأن معناها هو اندلاع الحرب!!
في الوقت نفسه وقفت الولايات المتحدة موقفا غريبا تبين فيما بعد انها كانت تقصد به عدم قيام مصر بالبدء في الحرب في حين انها كانت ترتب ذلك مع إسرائيل وهكذا اعطت أمريكا لإسرائيل الضوء الأخضر بعد ان اطمأنت ان مصر لن تكون البادئة بالحرب واعدت لها خطة غزو مصر ونجحت في ذلك وكانت كارثة 5 يونيو 1967.
قطع العلاقات مع أمريكا
وقام عبدالناصر علي الفور بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا ساءت العلاقات بين البلدين ولم يعد احد من المصريين ينظر إليها إلا علي انها دولة معادية لهم وليست صديقة وان كانت في أحوال اخري حاولت أمريكا ان تعيد قنوات الاتصال مع مصر رغبة منها في تحجيم دور الاتحاد السوفيتي في الصراع وظهر في عام 1969 ما يعرف "بمبادرة روجرز" القائمة علي أساس ضرورة الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في 5 يوينو 1967 وبالطبع رفضت إسرائيل هذه المبادرة الأمريكية لأنها تتضمن انسحابا بينما عبدالناصر قبلها.
رسائل روجرز
في الوقت نفسه أرسل روجرز وزير الخارجية الأمريكي عدة رسائل إلي وزير الخارجية المصري بأن أمريكا ستبذل جهدا بكل طاقتها لتسوية الأزمة في عام 1971 وإذا كان الإسرائيليون قد غضبوا من عروض وسيط الأمم المتحدة فإن المصريين سيعرفون حقيقة الموقف الأمريكي خصوصا وان امريكا تسعي لفرض المشروع علي الإسرائيليين.. هذا ما ذكره كيسنجر وزير خارجية أمريكا ومستشار الأمن القومي في مذكراته.
الثأر
وجاء عام 1973 وقرر الرئيس السادات ان يحارب إسرائيل وكان ما كان من يوم 6 أكتوبر سنة 1973 عندما هاجمت القوات المصرية إسرائيل وعبرت القناة وأزالت خط بارليف المنيع ورفع الجنود المصريون العلم المصري فوق سيناء وكانت هذه الحرب مفاجأة للجميع.. لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ويقول أنور السادات في كتابه البحث عن الذات انه في يوم 13 أكتوبر 1973.. استيقظ عند الفجر لأن السفير البريطاني يطلب مقابلة عاجلة لتسليم رسالة من مستر هيث رئيس الوزراء البريطاني حيث كانت العلاقات المصرية الأمريكية مازالت مقطوعة.
أما الرسالة المطلوب تسليمها فقد كانت من كيسنجر رئيس الأمن القومي الأمريكي وكان الغرض منها التأكيد علي الموافقة لوقف اطلاق النيران.. وكان كيسنجر قد أفاق منذ اليوم الرابع للحرب مع نداء "انقذوا إسرائيل" الذي وصله في اليوم السابع من الحرب وكانت إسرائيل قد طلبت النجدة وتزويدها بأربعمائة دبابة بصفة عاجلة وهي مجموع ما خسرته علي الجبهة المصرية.. وقال السادات انه رد علي رسالة كيسنجر بأنه لم يوافق علي وقف اطلاق النار وقال انه يمكن الاتصال بالقاهرة إذا كان ثمة ما يخص مصر وليس موسكو أو لغيرهم وسأله السفير الانجليزي هل صحيح انكم تصرون علي قفل البحر الأحمر فأجبت بالايجاب وقلت ممكن وقف اطلاق النيران إذا وافقت إسرائيل علي الانسحاب من الأراضي العربية ثم حدث بعد ذلك ان القمر الصناعي الأمريكي ساعد إسرائيل حيث كان يمدهم بالمعلومات ساعة بساعة واخطرهم بنقل الفرقة 21 المدرعة المصرية من الضفة الغربية للقناة إلي الضفة الشرقية وهنا ادرك السادات ان أمريكا دخلت الحرب لانقاذ إسرائيل بعد النداء المشهور في اليوم الرابع للحرب وهو انقذوا إسرائيل.. وهي ان أمريكا تستخدم مطار العريش وهنا اعلن السادات انه لا يستطيع محاربة أمريكا وكان لتدخل أمريكا في الحرب ومد إسرائيل بأسلحة حديثة وساعد القمر الصناعي الأمريكي علي وجود ثغرات في إحدي مناطق القناة.. جعل الإسرائيليين يتسللون بين القوات المصرية وهنا ادركت امريكا ان مصر حققت انتصارا ساحقا وسعت بالفعل لإيقاف القتال وبدأت محادثات مع الجانب الإسرائيلي باشراف أمريكا والأمم لمتحدة ويتبع ذلك اتخاذ انور السادات إجراءات لتحقيق السلام وتوقيع اتفاقية كامب دافيد.
وتحقق في ضوء ذلك ان اقبلت الولايات المتحدة وساعدت مصر اقتصاديا وجاء مستثمرون أمريكان وعرب ووضعوا أموالا كبيرة في مشروعات استثمارية مما ساعد علي تحسين الموقف الاقتصادي.
ثم جاء حسني مبارك وتعمد عدم اثارة المشاكل وزار الولايات المتحدة عدة مرات طوال مدة حكمه التي اشرفت علي ثلاثين عاما.
ولكن منذ عام 2006 تقريبا لم يزر مبارك الولايات المتحدة فقد كانت هناك جفوة بين البلدين خصوصا عندما اقترحت الولايات المتحدة عليه.. عدم الترشح مرة أخري للرئاسة ولكنه ضرب بنصحيتهم عرض الحائط باعتبار ان النصيحة هي تدخل في الشئون الداخلية ووصل الأمر إلي أن الأمريكان كانوا يريدون التدخل بصورة سافرة في 25 يناير 2011
أما الآن.. فإن مصر تسير بخطي ثابتة.. لا شيء يعلو إلا مصلحة مصر وأبناء مصر.. ولا أحد يملي إرادته أو رغبته إذ "خسرته" في الشئون الداخلية عندنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.