لعل أزمة الإضراب البطيء الذي قامت به المراقبة الجوية.. الذي أرفضه كأسلوب ضغط لتحقيق المطالب.. تكون قد كشفت بجلاء أن أسبابها قصور كبير في وسائل حل الأزمات والمشاكل والمحصورة في استخدام المسكنات التي تؤدي إلي مضاعفات سلبية تفوق إيجابياتها بمراحل. فالمعروف أن هناك ملفاً غامضاً عنوانه الدفعة "59" والمعروفة بدفعة "الوزير".. وبهدف إغلاق هذا الملف قرر مجلس إدارة الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية رغم اعتراض البعض صرف حافز مميز للعاملين بالشركة بصفة عامة وللمراقبين الجويين بصفة خاصة.. لكن هذا القرار فجر الأزمة ونحمد الله أن الطيار لطفي مصطفي كمال وزير الطيران المدني قرر وقف صرف هذا الحافز قبل أن ينفجر الطيران المدني لأنه كان سيدفع العاملين بمختلف الشركات والقطاعات لاستخدام نفس أسلوب الضغط الذي بدأ بإضراب الصيانة بشركة الملاحة وتبعه إضراب المراقبين.. ولن يستطيع أحد توجيه اللوم للعاملين بباقي الشركات لأنهم في هذه الحالة يطالبون بحقهم المشروع بصرف حافز أسوة بالعاملين بشركة الملاحة. أما الكارثة الكبري من جراء القرار غير المدروس هو المصير المحتوم الذي كانت ستتعرض له الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية ويتلخص ببساطة في أن هذا الحافز المميز وتوابعه وما سبقه من زيادة البنط يستهلك حوالي 40 مليون جنيه سنوياً أي ما يساوي نصف صافي أرباح الشركة القابل للتوزيع.. ولم يتنبه أحد للأزمة المالية التي تتعرض لها اليونان حالياً والتراجع الاقتصادي في أوروبا والذي ينذر بانخفاض وشيك في سعر اليورو.. وأن هذا الانخفاض سيلتهم النصف الآخر من الأرباح وربما يلتهم المزيد لنحول بسبب قرار غير مدروس إحدي الشركات الرابحة إلي شركة تحقق خسائر. وحتي لا يسيء أحد فهم ما نقصده.. نحن لسنا ضد صرف المزيد والمزيد من الحوافز للعاملين لكن الإنفاق يتعين ربطه بالأرباح نسبة وتناسباً وذلك طبقاً لمختلف نظريات الاقتصاد.. القديمة منها والحديثة. بصراحة نحن لا نعلم من هو العبقري صاحب فكرة الحافز المميز الذي فجر الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية ولولا قرار الوزير بوقف صرفه لفجر باقي شركات وقطاعات الطيران المدني كما سبق وأشرنا.. لكننا نجزم أن فكره لا يرقي لتوليه أي منصب قيادي.. ولا حتي مراجيح المولد. بالمناسبة د.طيار حسن محمد حسن المستقيل من رئاسة الأكاديمية المصرية للطيران هو الوحيد الذي عارض قرار حافز التميز بصفته عضواً في مجلس إدارة الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية وذلك طبقاً لمحضر اجتماع المجلس.. وقد أثبتت الأحداث صدق رؤيته ولكن للأسف بعد فوات الأوان.. لأن قبول استقالة د.طيار حسن محمد حسن يعني خسارة فادحة للطيران المدني لفقده أحد أهم وأندر الخبرات في فن التطوير والتحديث علي أسس علمية واقتصادية وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة وقدرة علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. إضافة إلي أنه لم يبلغ سن المعاش مثل الطيار شاكر قلادة الذي تجاوز سن السبعين ولا أدري من الذي أقنع الوزير بندرة خبرته للإبقاء عليه رئيساً للإدارة المركزية لتحقيق الحوادث بالمخالفة لكل القوانين. .. وعمار يا مصر!