تشهد العلاقات المصرية السودانية حالة من الرضا والدعم والقبول أحياناً.. وحالة من الشد والجذب والتوتر أحياناً أخري.. مع أن البلدين شقيقان يجمعهما العروبة لغة وديناً وحضارة.. ومتجاوران كل منهما يعتبر عمقاً للآخر ويشربان من مورد واحد هو النيل. من الحرص علي دعم وقوة العلاقات بين البلدين أن يدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي أخاه الرئيس عمر البشير لزيارة مصر في أي مناسبة تستدعي أن يكون الأشقاء ضيوفاً علي القاهرة.. ويقابل الرئيس البشير بحفاوة بالغة علي المستويين الرسمي والشعبي. يؤكد الرئيس السيسي في كل مناسبة أن العلاقات الخاصة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين وما يجمعهما من تاريخ مشترك وامتداد بشري متصل عبر الحدود يجعلهما أشبه بشعب واحد في بلدين يشكلان موطناً مشتركاً بينهما. من جانبه أكد الرئيس عمر البشير دعمه لمبادرة وادي النيل الرامية لتعزيز وتطوير العلاقات الثقافية والفنية بين شعبي وادي النيل في مصر والسودان مشيراً إلي الدور المهم الذي تلعبه الفنون والثقافة في تحقيق التواصل والمساهمة في رقي وتقدم الشعوب. إذن.. ما الذي يجعل العلاقات تتوتر أحياناً بين مصر والسودان؟! لا شك انه كلما حدث خلاف بين الدولتين.. فإن الإعلام في البلدين يزيد الموقف تأججا والنار اشتعالاً.. فينعكس ذلك علي الروابط المميزة التي تجمع الشعبين. وجاء سد النهضة الأثيوبي وانحياز الخرطوم إلي أديس أبابا علي حساب المصالح المصرية ليجعل العلاقات تشهد نوعاً من التوتر رغم حرس المسئولين في البلدين علي العمل المشترك لما فيه صالحهما وعلي التواصل مع أثيوبيا من أجل الخروج بحل يرضي الجميع. السؤال هنا: هل السودان وأثيوبيا يريدان الاضرار بمصالح مصر؟! وما هي النتيجة المترتبة علي ذلك؟! وهل يمكن ان تقف مصر مكتوفة الأيدي أمام من يضر بمصلحة شعبها؟! هذا التصرف يؤدي الي توتر العلاقات بين الشعوب الثلاثة ولا أحد يعرف ما ينتهي إليه الحال بعد ذلك!! الخبراء يقولون- كما نشرت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية: إن السد الأثيوبي سيصب في مصلحة السودان بشكل مباشر لأنه سينهي التقلبات الموسمية للنهر ويسمح للسودان بتوسيع نطاق الزراعة.. ولذلك جنحت السودان إلي جانب أثيوبيا ضد مصر!! إذا كان ذلك سيحدث فعلاً.. أفلا تستطيع السودان ان تصبر سنوات قليلة علي ملء خزان سد النهضة بحيث لا يضر بمصلحة مصر ويخفض حصتها من المياه حتي لا تبور الأراضي الزراعية فيها وتتعطل توربينات السد العالي عن توليد الكهرباء.. ثم تنعم السودان بعد ذلك بتوسيع نطاق الزراعة فيها؟! مبادئ الإعلان الثلاثي الذي وقعه زعماء مصر والسودان وأثيوبيا عام 2015 ينص علي عدم الاضرار بمصلحة أي بلد من البلاد الثلاثة. خاصة إذا كان الهدف من بناء سد النهضة هو توليد الكهرباء فقط وليس متعلقاً بزيادة الرقعة الزراعية. رد أثيوبيا علي الاقتراح المصري بادخال البنك الدولي كطرف محايد في أعمال اللجنة الثلاثية الفنية سوف يوضح ما إذا كانت النيات حريصة علي الوصول بمشكلة سد النهضة إلي مسارها الصحيح أم لا!! وعلي الإخوة في السودان وخاصة المسئولين أن يدركوا ان العلاقة بين القاهرةوالخرطوم علاقة تاريخية وأبدية وعلي الإعلام في البلدين أن يحذر في تناول هذه العلاقات فلا يزيد الخلافات بينهما. ولا نتدخل في علاقات كل منا بالآخر إذا كانت لا تضر بمصلحة الطرف الثاني.. فلسنا أوصياء علي بعض. أتخيل نفسي لو نزلت ضيفاً علي أخ سوداني لم يسبق لي معرفته وزرته في بيته أنه سيرحب بي.. ونفس الوضع لو زارني أخ سوداني سأقابله بكل مودة وحب.. وليعلم الجميع ان العلاقات بين الأسر المصرية والسودانية في الغربة هي أقوي ما يكون حباً ووداً وتآلفاً.. وستظل هذه العلاقات بين الشعبين إلي الأبد حتي لو حاول السياسيون تعكيرها لسبب ما.. لعل الله يهدينا جميعاً إلي ما فيه خير شعوبنا.