بني الله الإسلام علي خمسة أركان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. وأمرنا سبحانه وتعالي بإقامة هذه الأركان. فهي وعاء للإسلام وإناء يضع ربنا لنا فيه من أنواره وينزل علينا من أسراره سبحانه وتعالي فهو الرءوف الرحيم بحالنا. وقد جمع الله علينا في الحج كل هذه الأركان. فالحج يشتمل علي التوحيد ويشتمل علي الصلاة. ويشتمل علي الإنفاق والحج يشتمل علي الصوم. ويشتمل علي النذر. ومن أجل ذلك يبشرنا النبي - صلي الله عليه وسلم - بعموم المغفرة للحجاج حيث قال: "العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" "رواه البخاري ومسلم". فالحج في اللغة هو مطلق القصد. وقيل هو القصد لمعظم. أما الحج الذي نقصده فهو: قصد موضع مخصوص "وهو البيت الحرام وعرفة" في وقت مخصوص "و هو أشهر الحج" للقيام بأعمال مخصوصة وهي: "الوقوف بعرفة. والطواف. والسعي عند جمهور العلماء. بشرائط مخصوصة يأتي بيانها". والحج أحد أركان الإسلام وهو فرض عين علي كل مسلم ومسلمة بشروطه وهي: "العقل - البلوغ - الاستطاعة" وهناك شرط خاص بالنساء وهو "عدم العدة" فلا يجوز للمعتدة أن تخرج للحج وهو أحد أركان الإسلام. وقد دل علي فرضية الحج القرآن الكريم. والسنة النبوية. وإجماع المسلمين. فأما القرآن الكريم فيقول تعالي: "ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" "آل عمران: 97". ومن السنة النبوية أحاديث كثيرة. منها ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه: "خطبنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج. فحجوا. فقال رجل: أكل عام يارسول الله؟ فسكت حتي قالها ثلاثاً. فقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" "رواه مسلم. وقد أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً. شرقاً وغرباً. علي فرضية الحج وأنه أحد أركان الإسلام الخمسة. وأنه من المعلوم من الدين بالضرورة. وأن منكره يكفر. وقد اختلفوا في وجوب الحج هل هو علي الفور أو علي التراخي؟ فذهب الجمهور إلي أن الحج يجب علي الفور "بمعني فور الاستطاعة" وهو الأولي. وذهب الشافعية والإمام محمد بن الحسن إلي أنه يجب علي التراخي. وعن فضل الحج. يقول الله تعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير". وقد كثرت النصوص النبوية الشريفة في فضل الحج وعظيم ثوابه. نذكر من ذلك علي سبيل المثال. ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" "رواه مسلم". وكذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة. وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة" "رواه مسلم. والنسائي" وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "الحجاج والعمار وفد الله. إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم" "ابن ماجة والبيهقي في الشعب" وعنه أيضاً: "أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور" "البخاري ومسلم". وللحج العديد من المعاني الروحية. فهو يدل علي التوحيد وعلي الإذعان لله سبحانه وتعالي فيعلم الأخلاق الحميدة ويبعدنا عن الأخلاق الذميمة. ويأمرنا بالتقوي. قال سبحانه: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون ياأولي الألباب" "البقرة: 197" والحج تجديد للحياة. فيبدأ الإنسان بعد الحج صفحة جديدة مع ربه يعاهده فيها علي السير علي طاعته والعزم علي امتثال أمره واجتناب نهيه. ولعل لأجل ذلك المعني قام سيدنا عمر بن الخطاب بوضع التقويم الهجري العربي للمسلمين بداية من شهر محرم. فكان هو أول العام الهجري. فهو بداية سنة جديدة في العلاقة مع الله سبحانه وتعالي. فكان بداية تقويم المسلمين.