عاشت مصر بالأمس ليلة حزينة باكية.. ارتدت فيها السواد علي ما وصلت إليه الأحوال.. قتل وحرق وتخريب وتدمير.. وهتافات طائفية بغيضة تشطر الوطن وتنتقص من قدره ومكانته. عاشت مصر ليلة حزينة.. قتل فيها المصري أخاه المصري من أجل لاشيء.. أفسد أعياد النصر الذي جمعنا.. وسلب من هذا الوطن روحه المتسامحة.. وأسقط من يده غصن المحبة والسلام. لم يكن هناك مبرر إطلاقا للهمجية التي كشفت عن وجهها القبيح في أحداث ماسبيرو.. فقد ظهرت حقيقة ما حدث في ادفو.. وانكشف أمر العناصر المدسوسة التي ذهبت لإشعال حرائق الفتنة هناك.. لكن هذه العناصر أبت إلا أن تشعل حرائق الفتنة في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن. وهكذا يسير المخطط في طريقه المرسوم.. وطبقا للمراحل والخطوات التي رسمها المتأمرون لإضعاف مصر وإسقاطها.. وهؤلاء المتآمرون صاروا معروفين بالاسم من كثرة الجرائم التي ضبطوا فيها متلبسين بالتحريض أو بالتمويل. أما الذين تولوا مهمة التنفيذ فإنهم مغيبون ومنساقون.. ولا يدرون أن كل من شارك في الجرائم الطائفية مهزوم وخسران.. لا فائز ولا منتصر في أي عمل يضر بالوطن واستقراره وأمنه. حين يهتز الوطن ويطعن في ظهره فكلنا خاسرون.. المسيحيون خاسرون.. والمسلمون خاسرون.. والفقراء والأغنياء خاسرون.. والشباب والشيوخ خاسرون. ولا أدري حقيقة ما سر هذا الصراع الذي انفجر بين الفرقاء حتي من قبل أن توضع الكعكة علي المائدة.. ماذا سيأخذون وماذا سيكسبون؟! إذا كان حال البلد علي مانري ونسمع فما هو المكسب الذي نتصارع عليه؟! لقد قتل المتظاهرون المسيحيون حوالي 17 من رجال القوات المسلحة وأصابوا حوالي مائة.. بينما كان هؤلاء الرجال يتولون حماية مظاهرتهم التي استخدمت فيها زجاجات المولوتوف والمياه الغازية وتحولت في لحظة إلي حرب حقيقية ورفع فيها المتظاهرون شعار "أرفع رأسك أنت قبطي" بعد أن كان شعار الثورة المجيدة "ارفع رأسك أنت مصري". ولو سارت الأمور علي هذا النحو فسوف يضيع البلد وتسقط دعائمه.. وإذا كنا هنا ننتقد المتظاهرين الذين تحولوا إلي العنف فإننا نقول وبكل صراحة لرجال القوات المسلحة كفانا فوضي.. كفانا استرحاما واستعطافا.. نرجوكم فعلوا القانون.. وعاقبوا من يتجاوزه. كان يجب أن تتحرك قوات الأمن وقوات الجيش بسرعة أكثر.. وأن تكون حاسمة أكثر.. لتقول للمتجاوزين: إلي هنا.. قف.. لا يمكن السماح بإطلاق الرصاص وإطلاق قنابل المولوتوف. هؤلاء الذين استشهدوا من رجال القوات المسلحة أبرياء لم يؤذوا أحدا.. وجاءوا من بيوتهم لخدمة الوطن وخدمة الشعب.. والحفاظ علي الأمن ليس إلا.. وليسوا طرفا في أي صراع سياسي.. قد يكون منهم المسلم ومنهم المسيحي.. فلماذا يوجه إليهم الرصاص والمولوتوف؟! ليست هذه مصر التي نعرفها.. ليست هذه مصر التي وقفت يداً واحدة واسقطت الفرعون لترسم لنفسها حياة جديدة مليئة بالتفاؤل والحب. وليست هذه اخلاق المسيح عليه السلام وتعاليمه.. المسيح عليه السلام لم يطلب من الناس أن تغضب وتتحرك بالحقد والضغينة.. وإنما أمرهم أن يحملوا الحب في قلوبهم وأن يتمسكوا بالسلام. أن مصر قادرة علي أن تقف في وجه أعدائها.. وقادرة علي أن تتحمل الفقر والجوع لكنها أبدا لا يمكن أن تتحمل ساعة واحدة في الفتنة الطائفية. الفتنة كارثة الكوارث.. ولذلك كان علي كل الأطراف أن يتجنبوها بشتي السبل.. وكان عليهم أن يعطوا مصر فرصة لكي تعمل وتنتج وتعيش.. لكي تبني ديمقراطيتها وتجري انتخاباتها وتختار ممثليها وحكامها. هل يمكن أن تكون أحداث الليلة الحزينة مقصودة ومخططة للحيلولة دون إجراء الانتخابات والسير في طريق بناء مؤسسات الديمقراطية ربما. لذلك فإن الرد الصحيح علي جريمة الأمس هو السير قدما نحو البناء والعمل والإنتاج والانتخابات.. وتفعيل القانون بشكل حاسم قبل ان نسقط في مستنقع الفتنة.