أخطأ أسامة هيكل وزير الإعلام مرتين.. الأولي عندما أغلق مكتب قناة "الجزيرة مباشر مصر" وصادر أجهزته دون أن يفكر في ردود الأفعال. والثانية عندما كرر نفس الخطأ وبنفس الأسلوب الأمني التقليدي متجاهلاً أي رد فعل ولو كان خطأ ودون تقديم حل ثوري.. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت. ولا رحت ولا جيت. ولا قمت بثورة غيرت المفاهيم البالية. أقول أخطأ لأنه أراد تطبيق القانون مع دولة لا تريد احترام أي قانون معنا وتصر علي ذلك. وأقول أخطأ لأنه أراد توصيل رسالة بأن الإعلام إذا كان من الواجب أن يكون حراً فلابد ألا يخضع لأي توجهات أو إملاءات محلية أو إقليمية أو دولية وأن يراعي المبادئ التي تجمعنا كعرب ومسلمين.. لكن للأسف أخطأ الوزير في عنوان المرسل إليه. وأقول أخطأ لأنه لم يفطن إلي أن القانون لا يكون أحياناً هو الواجب تطبيقه أولاً خاصة في ظل ثورة شعبية. وخاصة أكثر في العلاقات بين الدول. كان عليه أن يتعامل بالمثل مع قطر وأن يكون هذا التعامل هو الأسبق علي تطبيق القانون. يقيني أنه إذا كان قد فعل ذلك.. فإن قطر نفسها كانت ستبادر بالمطالبة بتطبيق القانون. السؤال: بالمثل.. كيف؟! الإجابة ببساطة شديدة.. أن الوزير كان عليه ألا يمس مكتب قناة "الجزيرة مباشر مصر".. بل يتركه يعمل كما يشاء.. يخلط عملاً صالحاً بآخر سييء. ويشوه صورة مصر كما يريد. ويفتئت علي الحقيقة كما يحلو له. ويفبرك أخباراً ما أنزل الله بها من سلطان. كما يوحي إليه مثل الخبر الكاذب الذي بثه حول احتجاز 14 سائحاً في الأقصر.. وفي المقابل يرسل الوزير بعثة تليفزيونية كاملة تفتح مكتباً في الدوحة بدون ترخيص أيضاً وتبث منه قناة باسم "النيل مباشر قطر" نتعامل معهم من خلالها كما يتعاملون هم من خلال قناتهم في القاهرة. إن قناة "الجزيرة مباشر مصر" هي الوحيدة في العالم التي تبث من دولة مستقلة ذات سيادة أخباراً أو موضوعات وتحقيقات وحوارات عن ذات الدولة في وضع غريب وشاذ. قد يقول قائل إنها ليست الوحيدة.. فهناك قناة "الحرة" التي تبث برامجها من العراق عن العراق.. وأرد عليه بأن الوضع مختلف.. فمصر كما قلت دولة حرة وذات سيادة أما العراق فمازال تحت الاحتلال الأمريكي. بالتالي.. فإن إنشاء قناة "النيل مباشر قطر" في الدوحة وبدون ترخيص أيضاً لكشف ما يجري في قطر لن يكون وقتها وضعاً شاذاً أو غريباً.. بل تعاملاً بالمثل. ويقيني أن قناة "النيل مباشر قطر" ستجد هناك مادة خصبة وفي كل المجالات: ستجد قطريين مناهضين للدولة مثلما تجد "الجزيرة مباشر مصر" مصريين كارهين أو لاعنين لبلدهم. وكله بالفلوس أو الظروف المغلقة!! وستجد آخرين ثائرين علي احتلال أمريكا لثلثي قطر بقاعدتين عسكريتين لا يسمح لأي قطري بالاقتراب منهما ولو كان من الأسرة الحاكمة!! وستجد مادة غنية جداً عن التعاون التجاري والاستثماري والإعلامي والثقافي والطبي بين قطر وإسرائيل. والتعاون اللوجستي مع المخابرات الأمريكية.. العامة والعسكرية. ومن المؤكد أنها ستجد استبداداً وظلماً وعدم عدالة وتكميم أفواه وتمييزاً ومحسوبية وغيرها من الأوبئة مثلما هو موجود أو كان موجوداً عندنا وعند غيرنا.. فقطر ليست "يوتوبيا العرب" بل هي مثل باقي الدول العربية. بها مُثُل وبها أيضاً مظالم وكوارث وويلات.. والكشف عن كل ذلك مهمة القناة المصرية التي يجب أن تكون هناك. الشرط الوحيد.. أن يكون الإعلاميون العاملون في مكتب وقناة "النيل مباشر قطر" علي مستوي عال من المهنية والحرفية.. فهذا هو الفارق بين قناة وقناة مثلما هو الفارق بين جريدة وجريدة. أرجو من وزير الإعلام أن ينسي مكتب قناة "الجزيرة مباشر مصر" وأن يدرس الاقتراح الذي ذكرته بجدية ويسرع الخطي في تنفيذه.. ووقتها ستكون هناك نتيجة من ثلاث: * أولاً: أن ترفض قطر إنشاء مكتب وقناة "للنيل مباشر قطر" في الدوحة.. وعندئذي يكون من حقنا أيضاً إغلاق مكتب "الجزيرة مباشر مصر" بالضبة والمفتاح.. ومعنا الحق أمام العالم كله عامة والشعب المصري خاصة.. وواحدة بواحدة. * ثانياً: أن توافق قطر علي إنشاء المكتب والتصريح بقناة النيل.. وبالتالي نمتلك نفس السلاح الذي يحاربوننا به.. وواحدة بواحدة أيضاً. * ثالثا: أن تسوف قطر وتماطل سواء في توفير المقر أو إصدار الترخيص.. وهنا من حقنا أن نوقف بث قناتهم من مصر لحين صدور الترخيص لهم.. ومن حقنا أن نستخدم نفس أساليب التسويف والمماطلة والطرق الملتوية التي يسلكونها.. وواحدة بواحدة كذلك. أياً كانت النتيجة.. فإنها ستكون حتماً أفضل مليون مرة من استخدام الأساليب الأمنية القديمة التي تفتح مجالاً واسعاً للتأويل والتفسير والهجوم المغرض والمريض. الأساليب الأمنية أصبحت مكروهة.. حتي لو كانت بحق أو دفاعاً عن سيادة مصر وكرامتها أو تطبيقاً للقانون.