كل عام وأنتم بخير.. وعيدكم مبارك. هل تكفي تلك التهنئة للاحتفال بالعيد عبر الواتس آب؟ سؤال طرحته علي أكثر من صديق.. هل يكفي الواتس آب أم لابد من المحادثة التليفونية أم أن الزيارة والمقابلة والاحتفال التقليدي بالعيد مازال ضرورياً لدي البعض؟ الإجابات لم تذهلني بقدر ما أزعجتني لأنها تعطي دلالة غير جيدة عن العلاقات المجتمعية وتشير إلي أزمة مستقبلية في العلاقات الانسانية. الشباب يرون أن الواتس آب أو الفيس بوك يكفي خاصة أن الكبار والصغار يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ولا فرق بين شاب وكبير السن.. بل إن الصغار "الأطفال" اليوم يعرفون في التكنولوجيا ما يفوق خيال البعض. الكبار يرون أن الواتس آب حل مشكلة التواصل بين الناس وصلة الرحم الغائبة وأنه لم يعد هناك مشكلة في أن يهنئ بعضنا بعضا في كل مناسبة خاصة أن أخبار الناس ومشاكلهم وأحداث المجتمع كلها أصبحت علي المكشوف عبر السوشيال ميديا.. وتكفي أن تتابع صفحة أي شخص لتعرف عنه كل شيء وأين هو الآن وماذا يفعل بل وأحيانا ماذا تناول في طعام عشائه الليلة. قلة هم من كانوا مثلي يرون أنه لا غني عن التهنئة الشخصية بالهاتف أو بالزيارة واللقاء للأهل والأصدقاء المقربين. صديق مقرب اتهمني بأنني لا أعيش الواقع وقال لي: انظر إلي أسرتك وأنتم معا في بيتكم إذا كنتم تتناولون وجبة عائلية مثلا وهذا لم يعد يحدث إلا في المناسبات وبعض أيام رمضان الكريم.. إذا نظرت لأفراد الأسرة كبيرهم وصغيرهم ستجد في يد كل شخص تليفونه المحمول مفتوحا علي الواتس آب أو الفيس بوك أو أي موقع آخر وسواء كان في محادثة مع آخر أو يتابع موقفاً أو رسالة أو مشهداً.. المهم انه يعيش حالته الشخصية تماماً مع جهازه المحمول بينما جسده موجود وسط العائلة ولا يشعر بشيء.. وهذه ليست حالة فرد أو اثنين من الموجودين بل حالة جماعية لكل أفراد الأسرة صغيراً أو كبيراً. نفس الصديق قال انه حتي عندما يذهب إلي المقهي للقاء أصدقائه القدامي يفاجأ بهم وقد أمسك كل منهم بجهازه المحمول وعاش معه وهو جالس معهم.. فلماذا خرج من بيته وجاء للقاء أصدقائه..؟ إنه سؤال بلا إجابة منطقية..!! صديق آخر قال: إن التواصل الاجتماعي في العيد عبر الموبايل ليس عيباً ولكن العيب فينا نحن لأننا وجدناه وسيلة سهلة ومريحة للهرب من مسئولياتنا الاجتماعية.. لكن المشكلة الرئيسية هي الجيل الجديد الذي سيفقد تدريجيا صلاته الاجتماعية وتواصله الحميم مع الآخرين خاصة الأقارب.. بل الخوف كل الخوف أن تتحول هذه العلاقة غير الطبيعية مع الموبايل إلي أمراض نفسية بل وجسدية في المستقبل. فاجأني صديق شاب بسؤال: أيهما أفضل أن نتواصل عبر الواتس أو الفيس بوك أم لا نتواصل نهائياً؟ قلت له: ألا يوجد بديل ثالث وهو أن نتواصل بشكل طبيعي..؟ فقال: الطبيعي الآن هو التواصل الالكتروني عبر الموبايل فهو أفضل وأسرع وأكثر أمانا.. بل أقل تكلفة فلم يعد ضرورياً أن تزور صديقاً أو قريباً وتحمل معك هدية غالية أو رخيصة بل يكفي أن ترسل له بأجمل الهدايا عبر الواتس آب أو الفيس بوك وتعبر عن مشاعرك الطيبة. قلت له: ألا يشغلك أن معظم الرسائل التي تصلك أو ترسلها متشابهة وتكاد تنحصر في أربعة أو خمسة أشكال أو أصوات؟ ضحك وقال: وعندما تزور أهلك ألا تشغلك الحيرة في أي هدية ستحملها معك: فاكهة أم شيكولاتة أم ماذا؟ نعود إلي نقطة البداية وهي: هل تغيرنا إلي هذه الدرجة؟ هل أصبح العيد وطقوسه بالنسبة لنا هو الواتس آب أو الفيس بوك فقط؟ هل نحتاج إلي ثورة اجتماعية تعيدنا إلي أصولنا وجذورنا التي غابت في ظل تطور التكنولوجيا الرهيب يوما بعد يوم؟ الاجابة علي لسان شاب مثقف قال لي: الثورة اشتعلت فعلا والثورة تعني التغيير.. وقد حدث التغيير باستخدام التكنولوجيا وما تدعو له ليس ثورة.. بل عودة رجعية للوراء. قلت له: بالعكس.. فليس كل جديد جيداً وليس كل حديث أفضل.. صحيح أن هناك فوائد عديدة في التكنولوجيا نستطيع أن نستغلها ونستفيد منها لكن المؤكد أن الإنسان هو الأصل.. وعندما يتطور استخدام الإنسان للتكنولوجيا فلا يجب أن نخربه من الداخل بل لابد أن نطوره ونحسن داخله من خلال القيم والمبادئ والأصول والأخلاق. الإنسان هو الهدف وهو نقطة الانطلاق وهو محطة النهاية.. وبالتالي فإن كل جديد لابد أن يكون لخدمة الإنسان ولصالحه.. والعودة للجذور والقيم والأصول والمبادئ والأخلاق ومبادئ الدين الحقيقية هي تطور حقيقي في قيم الإنسان وليس عودة للوراء.. هي علاج حقيقي وقوي لعيوب وأمراض التكنولوجيا الحديثة. كل تطور تكنولوجي مفيد ولكنه مضر أحيانا في بعض جوانبه سواء من كثرة الاستخدام أو سوء الاستخدام.. لكن الإنسان إذا ظل علي قيمه ومبادئه وأخلاقه فإنه سيظل علي الفطرة وعلي الطريق القويم. كل عام وأنتم بخير.. أقولها عبر الورق ولكنها في القلب لكل إنسان يشعر بقيمة العيد وقيمة التواصل وأهمية الارتباط الأسري لأن هذا الارتباط هو الحصانة الرئيسية لمجتمعنا من الغزو الفكري الذي يستهدف الوطن والدين.. كل عام وأنتم بخير "برغم الواتس والفيس بوك" من القلب للقلب.