حادث التصادم الذي وقع أمس بين قطاري الأسكندرية - القاهرة. والأسكندرية - بورسعيد عند محطة خورشيد بالأسكندرية وراح ضحيته أربعون قتيلاً وحوالي مائة وثمانين مصاباً كان يجب أن يحدث. وكان يجب أن تزهق أرواح هؤلاء المواطنين الغلابة بسبب الإهمال الجسيم الذي تشهده هيئة السكك الحديدية منذ فترة. طبعاً سيتم التحقيق في الحادث وسيتم توجيه الاتهام لعامل السيمافورات أو سائق القطار لتجاوزه السرعة أو لأي موظف صغير بينما سيترك المسئولون الأصليون عن هذا الحادث بلاعقاب وفي مقدمتهم وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية ومن بعدهم كل المستشارين الذين يعملون بالهيئة. لست ممن يلقون الاتهامات جزافاً. ولكن ما حدث وشاهدناه وقرأنا عنه في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية من تسيب وإهمال كان يؤكد أن كارثة سوف تحدث في هذا المرفق الحيوي في القريب العاجل. منذ أسبوعين تقريباً شاهدنا علي مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو تم تصويره داخل كابينة جرار أحد القطارات ويظهر فيه السائق ومن خلفه السائق المساعد وبعض موظفي الهيئة - كما يبدو من تصرفاتهم - وهم يشربون سجائر غير عادية - يبدو أنها من النوع المحشو - ويرقصون علي نغمات أغنية شعبية ويتمايلون بطريقة تفتقد للحياء والأدب وكأنهم في غرزة وليسوا في كابينة قطار.ثم قرأنا عن إحالة هؤلاء إلي لجنة تحقيق داخل الهيئة لمعاقبتهم. ولكن لم نعلم ماذا جري معهم أو ماذا كان العقاب؟! وبالأمس أعلن اللواء سعيد طعيمة رئيس لجنة النقل بمجلس النواب أن عشرات الركاب كادوا يموتون اختناقاً نتيجة تعطل التكييف بقطار القاهرة - أسوان. وأنه ابلغ وزير النقل باقتراب وقوع كارثة بهذا المرفق. منذ يومين نشرنا بجريدة المساء خبراً عن أن جرارات الهيئة التي تعمل يصل عددها إلي مائتين وعشرين جراراً فقط من بين ثمانمائة جرار هي قوة الجرارات بالهيئة وأن الفارق بين الرقمين جرارات موجودة بالورش تنتظر الصيانة. وطبعاً كفاءة الجرارات التي تعمل توشك علي أن تلحق بمثيلاتها المتوقفة بالورش. وبعد حادث الأمس الذي وقع عقب صلاة الجمعة مباشرة صدر أول بيان رسمي عن هيئة السكك الحديدية حول الحادث الساعة الرابعة عصراً أي بعد الحادث بأكثر من ثلاث ساعات. والغريب أن البيان ذكر فقط أن تصادماً وقع بين قطارين ونتج عنه انقلاب الجرار واصطدام أحد القطارين بالقطار الآخر من الخلف وقد أصيب في الحادث عدد من الركاب.!!! هذه الوقائع تؤكد أن هناك جوانب سلبية كثيرة في هذا القطاع تستلزم المواجهة الحاسمة لأنها تمثل أحد أشكال الفساد الإداري الذي يروح ضحيته مواطنون أبرياء خرجوا للسعي علي قوت يومهم متحملين برضا وطيب خاطر إجراءات الإصلاح الاقتصادي القاسية أملاً في أن يوفروا لأبنائهم حياة كريمة. لكنهم راحوا ضحية إهمال وتسيب وفساد .. فلا عاشوا الحياة التي كانوا يحلمون بها. ولا وفروا لأبنائهم ما كانوا يتمنون. لانريد مبررات لهذا الحادث من أي مسئول من عينة أن الهيئة تحتاج إلي مئات المليارات من الجنيهات للتطوير. لأنه ببساطة يمكن وبالإمكانيات البسيطة الموجودة مراعاة عوامل السلامة وتفعيل الضمائر من المراقبين والمفتشين والعاملين بالهيئة أنفسهم لمنع وقوع مثل هذه الكوارث. رحمة الله علي ضحايا هذا الحادث القاسي. ولعنة الله علي كل من تسبب فيه.