ومن الطبيعي والحتمي أن تعكس الفنون الشعبية الكوميدية والدرامية هذا الخليط البائس من التدني والسطحية والضحالة الفكرية والعجز عن تذوق الفنون الجميلة المتطورة فكرياً وتقنياً. أفلام تامر حسني مسلية بالتأكيد وأغانيه العاطفية مشبعة للمزاج السائد وحكاياته الرومانسية تدغدغ عواطف دافعي التذاكر يشيع البهجة بالطرب والرقص والصخب و"التهييس" وتتكيء علي تقاليد صناعة البطل الشعبي في السينما كشاب مفتول العضلات عنيف وعاطفي وساحر النساء مع النهايات السعيدة والمصطنعة التي تغيب الفوارق بالحب.. وتجمع في "الحلال" بين المليارير ساكن القصور وبين الفقيرة ساكنة العشش والناس بملابسهم الرثة وحياتهم الغارقة في الحرمان تصبح علي ألف خير.. في آخر أفلامه تصبح علي خير يتقمص تامر حسني شخصية "حسام الخديوي" شاب في ذروة النجاح. يعيش كالأباطرة حسب الديكور والاثاث والمبني الفخم الذي يتحرك فيه و ماركات السيارات الفارهة التي يسوقها وخزانة المال المعبأة برزم الدولارات وكلها أعراض للثراء المفرط الذي يسبح في تياره هذا الشاب "الطيب" الذي يتوجع للفقراء ويتبرع بنصف ثروته لجمعية خيرية والأكثر أنه يعاني من الاكتئاب ومحروم من الذرية زوجته الجميلة "نور" عاجزة عن الانجاب ورغم الامكانيات الهائلة فهو شاب غير متزن وقلت وأمام هذا الاضطراب تصر زوجته التي تبدو عاشقة ومخلصة وشقيقه الأكبر "عمر زهران" علي اصطحابه إلي طبيب من خارج البلاد. إلي هنا والقصة تبدو محتملة وقابلة للتصديق. إلي أن يصطنع المؤلف وهو نفسه المخرج حيلة لا تتفق مع أي منطق ليست خيالاً علمياً وليست "أسطورة" من أساطير الأولين ولكنها بدعة يمكن أن توفرها خبيرة الكمبيوتر والبرمجة "مي عمر" التي تعرض علي الملياردير الصغير واحدة من برامجها التي تحقق السعادة وتخلعهم بعيداً عن الاكتئاب. الجزء الأول من الفيلم يوفر للمطرب الممثل الصورة البراقة والقريبة من واقع تامر حسني نفسه كشاب حقق ذروة النجاح وأصبح موضوعاً لحقد المتنافسين ويروجون حوله شائعات تعبر عن أمانيهم الشريرة والجزء الثاني من الحكاية المفبركة يوفر المجال للفنان المحبوب الفرصة لاستعراض ملكاته التمثيلية في مجموعة من "النمر" في الواقع الافتراضي الوهمي الذي وفره برنامج السعادة للمهندسة الشابة النصابة. "المورال" أو الرسالة المتضمنة في الحكايات الملفقة التي شاهدناها أن الثراء لا يحقق السعادة بالضرورة وقد يكون دافعاً للتآمر من أقرب الناس وليس كل ما يلمع ذهباً حيث يتضح أن هذا الملياردير الصغير ضحية لمؤامرة خبيثة دبرتها زوجته الجميلة بالتعاون مع المبرمجة الشابة والجميلة وأيضا الخبيثة.. فالمرأتان "الزوجة والموظفة" خططا للاستيلاء علي صاحب هذا المال بإدعاءات زائفة تستغل ضعفه واحتياجه للانجاب. رب ضارة نافعة "تصبح علي خير" يعتبر أقل أفلام تامر حسني ضحالة أقصد هيافة وأكثرهم إدعاءً وسفسطة ذلك لأن المخرج أراد أن يتفلسف ويضفي بعض العمق علي أفكار فشل أن يصيغها داخل إطار فني مثير ومقنع وبرغم ذلك يظل العمل جذاباً لعشاق المطرب النجم الذي وصل بمجهوده لهذا النجاح الواسع ليس في مصر وإنما في البلاد العربية التي عرض فيها الفيلم. فالفيلم لم يخيب توقعات المتفرج في الترفيه والتسلية السهلة والسريعة وإنما أضاف إلي العلاقة مع تامر حسني رصيداً من النجاح لأنه كعادته ممثل خفيف الظل. متواضع. رشيق الأداء وشقي وقادر علي التقمص. والآهم أنه مثل الفنانين الشعبيين كثير من الشباب العربيب الذي أصبح الاشتغال في المجال الفني بالنسبة له حلماً من أحلام العمر وقد ظهرت برامج كثيرة تغذي هذا الحلم الوهم بغض النظر عن مصداقيتها شارك فيها تامر حسني نفسه "آراب آيدول". "آراب مويس" وقد وفرت الشركة المنتجة الامكانيات التي تقوي الايهام وتكرس مظاهر الأبهة وتبرزها التفاصيل الخاصة بعنصر الملابس وفي نفس الوقت وتعمق الاحساس بالفوارق بين مستويات المعيشة عند الانتقال بين الواقع الفعلي والواقع الافتراضي الذي ثبت لاحقا أنه ليس من انتاج الكمبيوتر وإنما من صنع "النسوة الأشرار" والرجال الطماعين "محمود البزاوي وبيئته" وقد حرص المخرج وبوعي واضح علي اشاعة ايحاءات مرئية تكشف الفوارق الصادمة بين من يملكون ومن يعيشون في العشوائيات القبيحة جداً التي أظهرها الفيلم باعتبارها واقعاً يعيش فيه السواد الأعظم. وبنفس الدوافع أشار بوعي إلي الخط الفاصل بين الشكل والمضمون بين الزوجة الجميلة شكلاً والقبيحة مضموناً وروحاً وسلوكاً وبين المرأة الجميلة المحرومة من المال والغنية بحنانها وخصوبتها كأنثي. بطل الفيلم يملك المليارات من أين ولكنه يعيش علي المستوي الشخصي حائراً ومشطوراً تتجاذبه "الأنا" و"الأنا" الأخري المضادة ويفتقد الراحة والسكينة الداخلية فضلاً عن كونه عاجزاً عن اشباع غريزته كأب ومن هنا إصراره علي مواصلة "الحلم" الافتراضي والولوج إلي عمق الخيال حتي يصبح واقعاً ممسوكاً وتصبح المرأة الحلم "درة" زوجته بالفعل بعد أن تتبدد الغشاوة ويتضح أمر زوجته والموظفة الخائنة التي حاكت المؤامرة ضده وصدقها هو كأهطل فاقد الأهلية "!!" محمد سامي مخرج ومؤلف الفيلم "34 سنة" لديه خيال بصري وتصور جيد لكيفية تكوين المشهد الجذاب وبقيم تشكيلية لافتة ولديه خطة لحركة الكاميرا ومستعينا بمدير تصوير يتوحد مع رؤيته بالإضافة إلي إدارة ممتازة لطاقم الممثلين وقدرة علي التأثير. بالنسبة للتأليف فهو بالتأكيد لا يمتلك ناصيته ومن الاستسهال الشديد أن نتصور أنه حرفة من لا مهنة لهم ولا دور ولا مساحة تؤكد أنه "مؤلف" المخرج الحرفي المحب للغة الصورة والعارف بعدها مبرر "أن يؤلف" ولم لا؟؟ وهناك ""فلان" و"علان" في المضمار وكتبوا اسماءهم علي عناوين الفيلم بجرأة تكشف عن جهل وليس عن شجاعة. قيراط حظ ولا فدان شطارة وتامر حسني ممثل مجتهد حباه الله بقنطار من الحظ وفدان شطارة وهو مطرب وملحن "ميديوكر" في زمن المتوسطين أعني متوسطي الموهبة وهو إلي جانب ذلك "مؤلف" و"كاتب" و"مخرج" و"منتج".. إلخ باختصار بتاع كله ونحن في عصر التخصص داخل التخصص في مجالات الابداع المختلفة. فالفن ليس مثل التجارة "سداح مداح" هناك تخصص في السينما والعمارة والرسم والموسيقي وبالضرورة في مجال الطب والتكنولوجيا.. إلخ.. إلخ فليس بالاستسهال والسطحية والاستهانة بما لا يصح الاستهانة به نحقق التقدم وصناعة الترفيه في مصر تحتاج إلي "دعامة" فكرية وإلي أعمدة قوية في فن تقييم السيناريو وكذلك إلي مفهوم مختلف لقيمة الترفيه ودوره والحمد لله منذ بدأت ملامح نجاح وتيار مواز في السنوات القليلة الماضية حينما دخل الانتاج الأدبي والروايات الناجحة والأكثر حداثة إلي صناعة السينما وظهرت أفلام ناجحة مثل "هيبتنا" و"الفيل الأزرق" و"الأصليين" وهي أعمال صنعت "جديلة" فنية متقنة بين ما تملكه هذه الصناعة من مواهب تمثيلية وقدرات حرفية وتكنولوجية وبين أفكار حديثة تتماهي مع ما يجري حولنا من تطور فكري في صناعة الصورة والترفيه المرئي وظهر في مجال الكوميديا فنانون يقدرون المسئولية ودور الفن التنويري في شد المجتمع بعيداً عن آفة التخلف "أحمد حلمي نموذجاً" وأحمد مكي في بعض أعماله. يحسب للفيلم أنه خال من الاسفاف والابتذال ويرضي توقعات الجمهور كعمل مسلي خفيف لا يسيء للبطل ولا للفيلم الكوميدي