البديهي أن ينشغل المبدع بالقراءة والتأمل واكتساب الخبرات والكتابة. ثم يأتي دور الناشر في الطباعة والتوزيع. الناشر هنا أقرب إلي وكيل الأعمال الذي يعرفه لاعبو الكرة والممثلون والراقصات. بينما هو العنقاء المستحيلة في حياة المبدع الكاتب. أي ذلك الذي يتعامل مع النص المكتوب سواء كان روائياً أو شاعراً أو كاتباً للمسرحية أو القصة القصيرة. لا أسرف في التمني فأطالب بأن يكون للأديب الذي ينفق في الأغلب علي إبداعه. وكيل أعمال.. تلك وظيفة من يحقق المبدع لنفسه. ولوكيل أعماله. عائداً يكفل لهما الحياة الكريمة.. النماذج الأخري من المبدعين تملك بما تحصل عليه أن تتحول إلي مؤسسة. بداية من المبدع نفسه. وانتهاء بالبودي جارد الذين يفسحون له الطريق. الراقصة تحصل من تأود الجسد في الليلة الواحدة علي الشيء الفلاني.. الفنان الكوميدي يتقاضي في الفيلم أو المسرحية أو المسلسل التليفزيوني مئات الألوف. وربما الملايين. وإن اكتفي في العقد بتسجيل نسبة ضئيلة. لزوم استغفال الضرائب.. بورصة لاعبي الكرة جاوزت قطعة الجاتوه لكل هدف. والتي كان يحصل عليها عمالقة من أمثال الضظوي وعبدالكريم صقر. إلي أرقام بالملايين يليق بهم صفر المونديال!. مشكلة المبدع الكاتب أنه يعمل في مهنة لا تعطي عائداً. بل إنها قد تتدلل علي المبدع. فتطلب أن يقتطع من لحم جسده الحي للإنفاق علي ما يصدره من كتب! هذه بديهيات. اعترف بها مقابلاً للبديهية المستحيلة بأهمية أن يجد المبدع الكاتب مقابلاً مجزياً لما يكتبه بحيث يصبح الابداع وما يتصل به. هو عمله الوحيد. بينما يتكفل الناشر وكيل الأعمال ببقية الخطوات. الغريب أن تلك كانت صورة العلاقة بين طه حسين ودار المعارف. والعقاد وناشره الحاج مصطفي محمد. والحكيم وناشره مكتبة الآداب. ونجيب محفوظ وناشره سعيد السحار. ثم اختلفت الصورة بفعل عوامل سلبية. تضافرت لتجعل من مجرد انتظام العلاقة بين المبدع والناشر علي أي نحو أمنية غالية. أشار الناشر محمد رشاد إلي ضرورة تدخل الدولة لحل مشكلة الكتاب.. انها في بعدها المادي أو التجاري مشكلة عرض وطلب. بيع وشراء. وهنا تأتي مسئولية الدولة علي الوزارات والهيئات المسئولة التي تمارس نشاطاً ثقافياً. فتقتني كميات من المؤلفات التي تصدرها دور النشر في القطاعين الحكومي والخاص. حتي يتحرك توزيع الكتاب عن الرقم الصعب. وهو ثلاثة آلاف نسخة. وإن كان الخط البياني قد تدني في الأعوام الأخيرة. فنزل إلي ما دون الألف! مشروع مكتبة الأسرة ليس حلاً جذرياً. وليس حلاً كافياً. الحل الحقيقي في قيام لجان التزويد بوزارة التربية والتعليم وهيئة قصور الثقافة وهيئة الاستعلامات وصندوق التنمية الثقافية والمكتبات العامة وغيرها. بدور فاعل. موضوعي. في القفز بأرقام مبيعات الكتب إلي ما نرجوه لها. ستظل بديهية أن ينشغل المبدع بإبداعه أمنية ساذجة. ما لم ننظر بجدية إلي دور الكتاب في حياتنا. وأنه لا يقل أهمية عن أفلام الترفيه. ولعب الكرة. والرقص الشرقي الجميل!