أخشي علي الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية من أن يأخذه طموحه وحماسه واندفاعه نحو تطوير الجامعة إلي تصور غير عملي وغير حقيقي قد يشعر بعده بانتكاسة وإحباط شديدين.. فالواقع العربي مؤلم للغاية ومفكك للغاية وجامد للغاية.. ويناسب أصحابه تماما.. ولذلك لا أحد يرغب بجدية في اعادة تشكيله علي نحو جديد مغاير. الكلمة التي ألقاها د. نبيل العربي أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الثلاثاء الماضي وطرح فيها رؤيته لتطوير أداء الجامعة بعد أن كشف جوانب عجزها عبرت عن رغبة صادقة لدي الرجل في أن تنهض الجامعة بدورها الذي تنتظره منها الجماهير العربية.. لكن المشكلة أن الأنظمة العربية ذاتها هي التي تصر علي انهاك الجامعة وضعفها وعجزها حتي لا تقدر علي اتخاذ قرار جاد.. ولو حدث وأخذت هذا القرار لا تقدر علي فرض تنفيذه. المشكلة ليست في الجامعة وانما في العرب أنفسهم.. وبالتحديد في الأنظمة العربية.. وهذه الأنظمة لم تتغير حتي الآن.. ولم تدرك أن الدنيا تتغير من حولها.. وأن استمرار الجامعة بدورها القديم وعجزها القديم لا يمكن ان يستمر طويلا.. ولابد من رؤية جديدة وصياغة جديدة للجامعة ودورها تلبي طموحات الشعوب التي ملت التشرذم والعجز. لقد اعترف الدكتور العربي بأن هناك مسافة كبيرة بين طموحات شعوب الوطن العربي وما حققته الجامعة منذ انشائها وحتي الآن.. واعترف بأن أطر التشاور السياسي بين الدول العربية لم تنجح في ترسيخ السياسات الخارجية للدول العربية علي النحو المطلوب فضلا عن اضعافها قدرة الدول العربية في مواجهة الأزمات. ثم اعترف أيضا بأن المواطن العربي أعياه الحديث عن انجازات لا يري لها اثرا فعليا في حياته.. وهذا المواطن يسأل بعد رؤيته اجتماعات وقرارات الجامعة: أين العمل السياسي العربي المشترك.. وأين اتفاقية الدفاع العربي المشترك.. أين مجلس الأمن العربي.. ولماذا لم تنجح المؤسسات العربية علي مدار عقود في تحقيق نجاح ملموس في القضية الفلسطينية.. وأين محكمة العدل العربية.. وأين التعاون بين الدول العربية في كل المجالات؟! وأشار د. العربي إلي ان البعض يفضل معالجة الأزمات التي قد تعصف بكيان أي بلد عربي داخل أطر دولية بدلا من معالجتها عربيا.. علي الرغم ما يشوب هذه الأطر الدولية من أغراض وأهداف قد تضر بمصالحنا العربية. ولاشك ان أمين عام الجامعة العربية يعرف كما نعرف أسباب هذه السلبيات التي طرحها والتي تصيب أداء الجامعة بالعجز والجمود.. ويدرك كما ندرك ان تطوير دور الجامعة ليس بيده وانما بأيدي الأنظمة العربية العاجزة الجامدة أصلا.. وهي أنظمة لا يثق بعهضا في بعض.. ولا تؤمن من حيث المبدأ بجدوي العمل العربي المشترك.. ولا بامكانية التعاون والتضامن والتوحد.. وكل الشعارات التي يرفعها المواطن العربي. الأنظمة العربية تنافق شعوبها ليس أكثر.. وتتماشي مع الشعارات مؤقتا حتي يهدأ الحماس الشعبي.. وتوقع علي اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات ثم تنسلخ منها خطوة خطوة.. اما لأنها لا تؤمن بما فيها.. أو لأن مصالحها لا تنسجم مع هذه التوجهات العربية.. واما لأن السيد الأمريكي "الكفيل لهذه الأنظمة غير راض عن العمل الجماعي العربي.. ولديه توجس من نتائجه". من يصدق أن الجامعة العربية التي أنشئت في 1947 لم تستطع حتي الآن تفعيل اتفاقية مثل عدم الازدواج الضريبي.. أو اتفاقية إلغاء التأشيرات.. أو العملة الموحدة.. ناهيك عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك. ان المشكلة في عجز الجامعة ليست من صنع الجامعة ذاتها.. ولا من صنع الشعوب.. وانما من صنع الأنظمة.. والأمر المؤكد هنا أن الجامعة العربية بالشكل الذي هي عليه الآن لم تعد تناسب طموح الشعوب العربية.. ولكن عملية التطوير سوف تكون علي المدي الطويل وليس الآن.. سوف تكون في مرحلة تالية بعد ان تنجح الشعوب في ازالة الأنظمة الفاسدة العاجزة الجامدة وتأتي بأنظمة تعبر عنها وعن طموحاتها تعبيراً حقيقياً. الجامعة العربية مرآة حقيقية وصحيحة تعكس واقعنا المؤلم.. ولن ينصلح حالها إلا بعد أن ينصلح واقعنا هذا.. فاصبر يا د. نبيل العربي حتي ينتهي هذا الزمن الفاسد بكل تفصيلاته ليبدأ زمن جديد بأنظمة جديدة وجامعة عربية جديدة أكثر فاعلية وأكثر صدقا وأكثر طموحا. ليست هذه دعوة للاحباط واليأس.. ولكنها دعوة لإدراك الواقع حتي لا نسقط مع الأمين العام الجديد للجامعة العربية في الاحباط واليأس.. والله سبحانه وتعالي لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.