إذا كنت قد ألزمت نفسي - ذات صباح خريفي في مطالع الستينيات - ان اقرأ كل ما تصادفه يداي من أعمال ابداعية. روايات وقصص قصيرة علي وجه الخصوص فإن النتيجة التي أعانيها الآن هي ان الجديد في الابداع الروائي والقصصي - هذا ما يشغلني - وفي فنيات الابداع تحديدا مطلب في غاية الصعوبة ويحتاج إلي موهبة من حقها أن تنتسب إلي العبقريات. العادة في الندوات الأدبية ان يجامل آخر المتحدثين من سبقوه فيشير - بتواضع غير حقيقي - إلي انه لم يعد لديه ما يضيفه وان قرر - بينه وبين نفسه - ان يقذف بعصا موسي لتبتلع أفاعيل السحرة ولأني لا أمتلك ما يهبني الثقة في تقديم الاضافة فإني اكتفي بالغيرة الفنية - هل هذا هو التعبير الأنسب؟ وان اقرأ تلك الاضافات الجميلة في فنية القصة القصيرة والرواية. الاضافة لا تعني الالغاء والا لألغينا اعمالا روائية وقصصية مهمة في تاريخ أدبنا المعاصر في ضوء أعمال نجيب محفوظ علي سبيل المثال الاضافة التي اقصدها هي التي يحاول التجريب تقديمها لا اضافة بدون تجريب أو أن التجريب المتفوق يقدم اضافة. لا يوجد مبدع حقيقي لم يحاول ان يقدم ابداعا غير مسبوق في مقولته وفنيته. قرأت لمحمد النويهي ان الاديب لا يمكن ان يكون عظيما إلا إذا ابتكر شكلا فنيا جديدا وشق طريقا غير معروف ولا مألوف واضاف النويهي انه مستعد لأن يسامح ادباءنا علي كل ما يرتكبون في سعيهم نحو تحقيق هذه الصورة الملحة من خطأ وشطط فهم يأملون ان ينتهوا من تلك التجارب إلي استكشاف سواء السبيل وكانت قراءتي للنويهي مساوية من حيث التفاني إلي ضرورة ان يضيف المبدع جديدا لما قرأته لمحمد مندور عن ضرورة ان تكون للمبدع فلسفة حياة. الابداع هو اضافة شيء جديد إلي الوجود لكن لابروبيير يذهب إلي القول كل شيء قد قيل وقد أتينا بعد فوات الأوان منذ ما يزيد علي سبعة آلاف سنة حين وجد أناس ومفكرون أما العادات فقد انتزع خيرها وأجملها ولم يبق لنا إلا ان نلتقط سقط المتاع علي اثر ما جمعه الاقدمون ويقول الكاتب الايرلندي أوفلارتي: ان أشد ما يؤلم الكاتب هو معرفته ان كل ما يقدمه قد قيل من قبل. أصعب الأمور - أو اقساها - ان تبدع عملا بتصور انه غير مسبوق ثم يبين توارد الخواطر - هذا هو التعبير الذي تفضله النصيحة المشفقة - عن الأعمال التي تلقي علي عملك غير المسبوق ظل التأثر وقد بدأ اهتمام جابرييل جارثيا ماركيث بفن القصة حين قرأ قصة "المسخ" لكافكا قرأ في أولها هذه الجملة عندما صحا جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مقلقة وجد نفسه قد تحول إلي خنفساء وأغلق جارثيا الكتاب فزعا وهو يهمس لنفسه: هل يمكن ان يحدث هذا وكتب في اليوم التالي أول قصة له. وللكاتب الأمريكي اللاتيني الفريدو كاردينا بنيا قصة بعنوان "آثار النمل علي الرمل" يعتذر لقرائه - بداية - عن اخفاقه في العثور علي قصة جديدة لم يبق ان قرأ مثلها وعلي حد تعبيره فإن ألف ليلة وليلة مخزن لأكبر عدد من القصص الانسانية. لقد اصبح هذا الكتاب نبعا ثريا متعدد الروافد للعديد من القصص والحكايات التي تروي في كل انحاء العالم وجعل الكثير من الكتابات التالية لصدوره مجرد تقليد أو نقل غير مبدع وتنقل الرواي الكاتب بين العديد من موضوعات الأحلام والحب وحكايات الجنيات والعفاريت وقصص الفزع والأشباح والأرواح الشريرة ثم توصل أخيرا إلي قصة وجد فيها تفردا عن كل ما سبق تأليفه من قصص "كان ذات مرة" وقرأ القصة علي متلقين كثر في انحاء العالم ثم أسلم عينيه لاغماضة الموت وهو يبتسم في هناءة!