أكد فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أن القرآن الكريم يقرر حقيقة الاختلاف بين الناس دينًا واعتقادًا ولغة ولونًا وأن إرادة الله شاءت أن يخلق عباده مختلفين وأن الاختلاف هو سُنة الله في عباده التي لا تتبدل ولا تزول إلي أن تزول الدنيا وما عليها وأن حرية الاعتقاد تستلزم بالضرورة نفي الإكراه علي الدين والقرآن صريح في تقرير ذلك. أضاف الإمام الأكبر- في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام- أن القرآن صريح في تحديد العلاقة بين المختلفين عقيدة والأحرار في اختيار عقائدهم بإطارين. الأول: إطار الحوار الطيب المهذب خاصة إذا كان مع مسيحي أو يهودي وإطار التعارف الذي يعني التفاهم والتعاون والتأثير والتأثُّر وقد ذكَّرنا الله تعالي بوحدة الأصل ثم ما يناسبها من صلة التعارف.. مؤكدًا أن القرآن يحدد العلاقة بين الناس في التعارف تلك النتيجة المنطقية لطبيعة الاختلاف وحرية الاعتقاد. شدد علي أن كل ما يُقال عن الإسلام في شأن السلام يُقال مثله تمامًا عن المسيحية واليهودية لأن عقيدته التي تلقاها من القرآن الكَريم تعلمه- كمسلم- أن رسالة محمد صلي الله عليه وسلم ليست دينًا منفصلاً مستقلاً عنر سالة عيسي وموسي وإبراهيم ونوح عليهم السلام» وإنما هو حلقة أخيرة في سلسلة الدين الإلهي الواحد الذي بدأ بآدم وانتهي بنبي الإسلام وأن هذه الرسالات من أولها إلي آخرها تتطابق في محتواها ومضمونها ولا تختلف إلا في باب التشريعات العملية المتغيرة فلكل رسالة شريعة عملية تناسب زمانها ومكانها والمؤمنين بها ويضيق الوقت عَن الاستشهاد بالآيات التي تؤكد أن ما أوحاه الله إلي محمد محمد صلي الله عليه وسلم هو عين ما أوحاه إلي نوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام وهو ما يفسر لنا اتفاق الأديان علي أمهات الفضائل وكرائم الأخلاق وتغريد الوصايا العشر وموعظة الجبل والآيات التي تعني بالوصايا ذاتها تغريدها كلها في سرب واحد ولغة شعورية واحدة. قال إن الحرب في الإسلام ضرورة واستثناء يُلجأ إليه حين لا يكون منه بدىّ وهذه هي نصيحة نبي الإسلام: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية".. موضحًا أن الحرب في الإسلام ليست هجومية بل دفاعية وأول تشريع يبيح للمسلمين إعلان الحرب ورفع السلاح مُعلَّل بدفع الظلم والدفاع عن المظلومين "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإِن الله علي نصرهم لقدير" وأن مشروعية الحرب في الإسلام ليست قاصرة علي الدفاع عن المساجد فقط بل مشروعة بالقدر ذاته للدفاع عن الكنائس ومعابد اليهود وإن تعجب فاعجب لدين يدفع أبناءه ليقاتلوا من أجل تأمين أهل الأديان الإلهية الأخري وأماكن عباداتهم. أشار إلي أن السؤال الذي يثير حيرة الكثيرين وهو: لماذا قاتل الإسلام غير المسلمين؟ والجواب لم يقاتلْهم أبدًا تحت بند "كفار" كيف والقرآن الذي يحمله المسلمون معهم في حروبهم يقول: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وكيف يشن الإسلام حربًا من أجل إدخال الآخرين في الدين كرهًا والقرآن يقرر: "لا إكراه في الدين".. موضحًا أن الإسلام يقاتل تحت بند العدوان ولا يبالي القرآن إن كان يقاتل معتدين كُفارًا أو معتدين مؤمنين: "وإِن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإِن بغت إِحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إِلي أمر الله". كان الإمام الأكبر قد استهل كلمته مؤكدًا أن موضوع السلام العالمي رغم كل ما قيل فيه فإنه يبدو كأنه بحاجة إلي المزيد من المتابعة والتحليل والبحث وما ذلك إلا لأن مفهوم السلام العالمي أمسي كأنه من أعقد الألغاز وأشدها استعصاءً علي أي عقل يتقيد بشيءپمن قواعد المنطق وبديهيات الفكر نتيجة التيه الذي تضل فيه الفروض وتضطرب في عتمته الأقيسة والحجج ويبدو أن السلام لم يعد هو القاعدة في حياة البشرية كما يذهب إلي ذلك أنصار نظرية السلام من فلاسفة التاريخ الذين يؤكدون أن السلام هو القاعدة في حياة البشر وأن الحرب والعنف استثناء وشذوذ عن القاعدة ولعل أصحاب نظرية الحرب كانوا أبعد نظرًا وهم يقررون: "أن التاريخ البشري إنما هو تاريخ بحيرات دموية والتاريخ يُنبئنا أن الإنسانية لم تنعم دهرًا طويلا بالعيش في ظل سلام كامل ودائم حتي إن بعض الكتاب الأمريكيين ليسجل أن البشرية عبر تاريخها المكتوب الذي يبلغ قرابة ثلاثة آلاف ونصف عام فإن 268 سنة فقط سادها السلام أما باقي السنوات فقد كانت مشغولة بالحروب ومن هنا استنتج جورج ويل-الكاتب الأمريكي المعروف- أن السلام عاجز عن أن يحمي نفسه بدون حرب". أوضح أنه لا شك أن هذا المد والجزر في رصد مفهوم السلام يُغري كثيرين بالبحث عنه في مصادر أخري متعالية أو بعبارة أخري: في مصادر عابرة للزمان والمكان لا تتأثر بوحي البيئة ولا بالظروف الخاصة والملابسات التاريخية المتغيرة وأعني بالمصدر المتعالي فوق التغير والذاتية والمنفعة والغرض وقصر الفكر والنظر أعني به: الأديان الإلهية ونصوصها المقدسة التي تفزع إليها الآن كما تفزع الطيور المذعورة إلي أعشاشها الآمنة الحصينة.