د. محمد البشاري أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي من الأعضاء المؤسسين للأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم له إسهامات واضحة في رعاية شئون الأقليات المسلمة في الخارج وتوضيح صورة الإسلام الصحيحة ومواجهة الإسلاموفوبيا.. وقد اختير العام الماضي من ضمن 50 شخصية إسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم.. وله ما يقرب من 30 كتابا وبحثا محكما. التقينا د. البشاري علي هامش مؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية مؤخرا وناقشنا معه بعض القضايا الدينية المحلية والعالمية.. وهذا نص الحوار : * بصفتك أمينا عاما للمؤتمر الإسلامي الأوروبي . نود إلقاء نبذة عن هذا المؤتمر ؟ ** هو منظمة إسلامية تضم وتجمع تحت ظلها فعاليات المسلمين في أوروبا وقد تم إنشاؤها في يناير 2001 حين نظمت الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا بالتعاون مع اليونسكو وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا مؤتمرا دوليا لمناقشة الوجود الإسلامي في أوروبا وانتهي هذا المؤتمر بتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي الأوروبي والتي تعتبر حاليا المحاور الرسمي للمفوضية الأوروبية والاتحاد والبرلمان الأوروبي فيما يتعلق بقضايا المسلمين.. ورئاسة المنظمة دورية كل ستة أشهر تتولاها المؤسسة الإسلامية في البلد الذي يرأس الاتحاد الأوروبي ويتولي الأمانة العامة رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا. * ما هو واقع الأقليات المسلمة في الغرب؟ ** الأقليات الإسلامية جزء من نسيج المجتمعات الغربية ومكون بشري هام له الكثير من الإسهامات الحضارية للدول التي يتواجد فيها ورغم تواجد المسلمين كأقلية دينية في مجتمعات تتميز بالتعدد العرقي والديني وتباين العادات والتقاليد وهو ما يشكل بالنسبة لهم تحديات إلا أنهم استطاعوا الاندماج وأصبحوا عنصرا مهما في مجتمعاتهم. * وهل مشاركة المسلمين في المشهد السياسي أفادهم في تحسن أوضاعهم ؟ ** علي العكس التخوف من وجود ما يسمي بالإسلام السياسي أفسد جهود الدعوة بعد تزايد عدد المهاجرين وإقبال الغربيين علي الإسلام نتيجة الزيجات بين مسلمين ومسلمات من جهة وغربيين وغربيات من جهة أخري.. فنري المتعصبين من أبناء الغرب يستغلون الجرائم الفردية وسلوكيات خاطئة لبعض المنتمين للإسلام في تشويه صورة المسلمين والطعن في عقيدتهم. * وكيف يمكن مواجهة هذه المخاوف والحد من انتشار الإسلاموفوبيا ؟ ** بالحكمة والعقل وليس التهور فنحن كمنظمة إسلامية ليس لنا أي توجه سياسي ونسعي قدر الإمكان لتفعيل قوانين سياسة الاندماج علي أرض الواقع فنقوم بالتواصل مع صناع القرار والمسئولين لتحقيق كل ما يصب في صالح المسلمين وإقامة المؤتمرات والفعاليات التي تخدم هذا الجانب.. كذلك يجب علي الدول العربية والإسلامية بناء جسور الثقة مع الشعوب الغربية لمواجهة موجات العداء ضد الإسلام باستغلال وسائل الإعلام المنصفة والمفكرين المحايدين الذين يستنكرون القيام بحرب دينية تحت شعار حرية الرأي والتعبير. * في رأيك لماذا فشل المسلمون في تحسين صورة الإسلام حتي الآن في الغرب ؟ ** لأن اللوبي الصهيوني المعادي للإسلام يسيطر علي الإعلام والاقتصاد في الدول الكبري فهو يملك إمكانيات جبارة تضع أهدافا معينة تريد تحقيقها حتي لو تعارضت مع القواعد المهنية والأخلاقية.. من هنا فإننا بحاجة لإعلام نظيف وصادق يجاهد من أجل إصلاح الصورة النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين. * يثير فقه الأقليات الجدل خاصة أن البعض يستخدمه لإخراج النصوص من سياقها عن عمد بحجة استثناء المكان والظروف المحيطة.. فماذا تقولون ؟. ** للأسف هناك من يعتبر أن التغيير الاجتماعي سبيل لتطبيق ما يسمي فقه الضرورة وهذا غير صحيح لأن فقه الأقليات يرتبط بالمكان والظروف التي يعيش فيها المسلمون ويجب أن يتم فيه الموازنة بين الكلي والجزئي وأخذ القضايا الحديثة بعين الاعتبار إلا أن هذا لا يعني أنه فقه خاص بهذه الفئة من المسلمين ولكن هو جزء من الفقه العام للأمة الإسلامية ولا يجب أن يتم فيه استخدام المصطلحات الدينية خارج سياقها وفهمها بطريقة خاطئة بل علينا أن نحيي فريضة الاجتهاد كضرورة من ضرورات المجتمع لأن واقع الأقليات المسلمة يتغير ويحتاج لنظرة متجددة ومعرفة كاملة بمشاكله ومآلات الواقع الفعلي علي أن يقوم بهذا الاجتهاد متخصصون في الفقه ومتبحرون في الشريعة من أهل العلم والدين حتي نسد الباب أمام الجهال الذين يسعون للتحلل من قيود التكليف وإفساد الشريعة فالشارع يجب أن يستنبط أحكامه بما يترتب عليه جلب منفعة أو درء مفسدة وهذا يسري علي المسلمين في كل مكان ويطبق في سائر الدول الإسلامية ومجتمعات الأقليات المسلمة وهذه هي الغاية من الشريعة. مواجهة الإرهاب * استشري الإرهاب في السنوات الأخيرة وتم إلصاقه بالدين الإسلامي زورا وبهتانا.. فكيف يمكن مواجهته ؟. ** معروف أن الإرهاب ليس له دين ومن الخطأ قصره علي الإسلام الذي يرفض كدين هذا الإرهاب.. والملاحظ أن الاعتداءات الإرهابية تطال المسلمين وغير المسلمين فجميع البشر في خندق واحد ضد الإرهاب لذلك يجب أن يتكاتف الجميع لمحاربته والتصدي له وأصبح مطلبا ملحا أن تجتمع كافة مؤسسات المجتمع في كل الدول العربية والإسلامية والغربية لمحاربته لاسيما أن المسلمين يعتبرون أول من يتجرع مرارة الإرهاب فلو نظرنا لحجم العمليات الإرهابية لوجدنا أن الغالبية العظمي منها تقع في الوطن العربي من هنا علي المسلمين أن يتحدوا من أجل توضيح الصورة الحقيقية للدين الإسلامي وإيقاف طوفان الإسلاموفوبيا الذي بدأ ينشر العداء للإسلام وأصحابه لدرجة أن التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا بدأت تنادي بطرد المسلمين من بلادهم وإعادتهم لأوطانهم الأصلية. * وفي رأيك ما أسباب انتشار الإرهاب والذي وصل لأوروبا وأمريكا ؟ ** غياب المرجعيات الإسلامية الوسطية الموحدة الراشدة وانتشار الطائفية والمذهبية التي أدت إلي اضطراب المفاهيم والمخططات الخبيثة التي تخدم مصالح بعض الدول عن طريق إذكاء نار الفتنة بين المسلمين لتشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام وضرب الوحدة الوطنية في مقتل.. كل هذه الأسباب وغيرها وراء انتشار الإرهاب في العالم. * وكيف ترون دور مصر في محاربة الإرهاب ؟ ** أري تعاونا كبيرا وتكاتفا بين المؤسستين العسكرية والدينية في مصر والمتمثلة في القوات المسلحة ومشيخة الأزهر الشريف لمكافحة الإرهاب والدفاع عن العرب والمسلمين في كل مكان ونشر الوسطية الإسلامية الحقة. * هل تعتقد أن الإرهاب سينحسر قريبا ؟ ** لا يجب أن نحسر الإرهاب في داعش أو القاعدة وغيرها من مسميات التنظيمات المتشددة لأن كل هذه زائلة ولو قرأت التاريخ لعرفت أن كل من يتخذ القتل منهجا عمره قصير وهذا يعني أن داعش وغيرها ستؤول إلي زوال قريبا ولكن التطرف يبقي في التفكير والفساد في العقيدة ولو تم تفكيك التنظيمات الإرهابية فمن الوارد أن يأتي تنظيم جديد تحت مسمي جديد ويلملم صفوفه ويعيد الكرة لذا يجب ألا نكتفي بمجرد القضاء علي الدواعش أو القاعديين أو بوكو حرام وغيرها من التنظيمات الإرهابية بل علينا أن نطهر الفكر وننقي العقيدة من الشوائب ونسد المنافذ التي من الممكن أن تتسلل منها جماعات جديدة. تصحيح المناهج الأوروبية * هل تم تصحيح المناهج الدراسية الأوروبية التي كانت تحمل مفاهيم مغلوطة عن الإسلام ؟ ** نحن لا ننكر أن هناك جهودا إيجابية اتخذتها بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا لتحسين الصورة المغلوطة عن الإسلام في مناهجها الدراسية إلا أنه مازالت بعض الكتب خاصة الأدبية والتراثية التي ألفها المستشرقون لم يتم تصحيحها.. فالشعوب الأوروبية من أكثر الشعوب التي تهوي القراءة لذلك نجدها مازالت مرتبطة بما تناوله المستشرقون في الماضي من أحداث كانت فيها العلاقة بين الغرب والإسلام يشوبها التوتر والدموية يدعم ذلك ما تقوم به التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة من هجمات إرهابية فترسخت في أذهانهم أن الإسلام دين تطرف. * كثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني لتصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة موجات التطرف والتشدد في رأيكم هل يحتاج المسلمون في الخارج تجديدا للخطاب الديني ؟ ** تجديد الخطاب الديني ضروري لإنتاج معرفة دينية وسطية حقيقية.. فبعض المهاجرين المسلمين يأتون من بلادهم بأفكار متطرفة كذلك ما يستقيه بعض المسلمين من مناهج مغلوطة كل ذلك وغيره يحتاج إلي خطاب ديني مستنير يصحح المفاهيم ويرشد العقول لوسطية الإسلام المعتدل. * قمتم من قبل بزيارة القدس والصلاة في رحاب المسجد الأقصي المبارك.. فما موقفكم من زيارة المسلمين للقدس والتي يعتبرها البعض تطبيعا في صالح العدو الصهيوني ؟. ** إن من يزور المسجد المبارك يجد أن المقدسيين يقفون صامدين وحدهم في مواجهة الاحتلال الغاشم والتهويد الشرس لكافة المقدسات لذلك فإن هؤلاء المقدسيين في حاجة لدعم مادي ومعنوي لتعزيز صمودهم وتثبيت أقدامهم.. وأدعو كل المسلمين والعرب أن يتوجهوا لزيارة القدس لأن هذا يساهم في فك أسرها خاصة بعد أن أقرت اليونسكو بإسلامية القدس والمسجد الأقصي وحائط البراق لذلك فإن زيارتها يعد حفاظا عليها من أيدي قوات الاحتلال التي تسعي جاهدة لهدمها حتي تقيم علي أنقاضها هيكلها المزعوم.