الواضح أننا لم نعرف مصر كما ينبغي فماذا لو تحدثت عن نفسها لعل الذكري تنفع المصريين!! أراد عمر بن الخطاب أن يعرف المزيد عن مصر بعد أن فتحها عمرو بن العاص فكتب إليه يقول: إن أرضك واسعة رفيعة وقد أعطي الله أهلها جلداً وقوة في بر وبحر وعالجتها الفراعنة وعملوا فيها محلا محكما فأكتب لي بصفة أهل مصر والسلام فكتب إليه عمرو: إن أرض مصر تربة سوداء وشجرة خضراء بين جبل أغبر ورمل أعفر وكأنها بين جبلها ورملها بطن أقب "عاليه" أو ظهر أجب "أحدب" بها نهر مبارك يسيل بالذهب علي الزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر. وقد وصف بعض الحكماء مصر فقال: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكة سوداء وثلاثة أشهر زمردة خضراء وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء والمعني أنها تتألق في الفصول الأربعة وتتلون بين الشتاء والصيف والربيع والخريف.. وكيف لا ونيلها عجب وأرضها ذهب وهي لمن غلب ونهرها النيل من سادات الأنهار وأشرف البحار لأنه يخرج من الجنة "يا حسرة علي ما فعلناه به.. حتي كاد أن يصبح مصرفاً لأوساخنا".. وقد كان المصري القديم في عصر الفراعنة يقسم أنه لم يلوث النهر حتي يحصل علي رضا الملوك ولم يتحدث القرآن الكريم عن بلد بعد مكة والمدينة وبيت المقدس.. إلا عن مصر أو خزائن الأرض. وعنه قال أبو ذر الغفاري: مصر أطيب الأرضين تراباً.. وروي عن ابن عباس أن كعب الأحبار سأل رجلاً يريد السفر إلي مصر فقال له: هات لي تراباً من سفح جبل المقطم.. وقد قالوا إن عيسي بن مريم عليه السلام مر بسفح المقطم وعليه جبة صوف وأمه إلي جانبه فالتفت إليها وقال: يا أم هذه مقبرة أمة محمد.. فهل تعلم أيها المصري أن هذا الجبل أخذ اسمه من المقطم بن مصر بن حام بن نوح عليه السلام. هي بلد الأنبياء يعقوب ويوسف وهارون وعيسي.. وتزوج منها إبراهيم ومحمد.. عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.. ودخلها الصحابة: الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو ذر الغفاري وسعد ابن أبي وقاص وعمرو بن العاص وولده عبدالله وعمار بن ياسر وخالد بن الوليد ومن العلماء الإمام الشافعي والليث بن سعد وعبدالرحمن بن وهب وأحمد بن محمد الطحاوي وبها سكن مئات الأولياء والأدباء ومن الحكماء فيثاغورث.. وأعاثيمون وهرمس الحكيم وسقراط وبطاليموس وقد جاءت إلي البلاد غزوات الهكسوس والأشوريين والفرس والمقدونيين والرومان والأكراد والمماليك والترك فالفرنسيين والأرنؤط ثم الإنجليز.. وفي كل مرة تأخذ من المحتل ما تريد وليس ما يريد هو.. بل أكثر من ذلك تعطيه من عندها وتسحره وتسلب عقله.. حتي أصبحت مقبرة الغزاة.. ومعجزة هذا الشعب ليست في الحضارة التي وهبها للعالم فحسب إنما في أن يظل الشعب حياً متمكن اشخصية لا يفني في غزاته ومستغليه كما يقول الأديب والمفكر الكبير حسين فوزي.. لأنه شعب زارع بناء صانع.. سواء حكمه محب للعلم ذواقة للفن أو فارس مغامر.. هو الشعب الذي يفرض الحضارة علي حكامه فرضاً. وأغلب من جاء إلي مصر غازياً مستعمراً عبر العصور خرج منها وهو يقول: جئنا ندق أبواب هذا البلاد بالرماح والسيوف والمدافع.. وخرج أهلها للمقاومة دفاعاً عن أنفسهم فلما اقتربنا منهم واختلطنا بهم.. أدركنا أنهم الأمة الوحيدة علي ظهر الأرض التي تفخر بأن سلاحها الأقوي دائماً وأبداً البناء في مواجهة الهدم.. والتعمير مقابل التدمير. فاحذروا يا أهل الطمع في مصر.. إنها من الممكن أن تغفو وتبدو متكاسلة مستكينة.. فإذا بالطامع يزداد طمعه.. حتي يكتشف أنها هبت وشبت وكشرت عن أنيابها.. وآه من نومتها وألف آه وآه من يقظتها وغضبتها!!