توقفت طويلا أمام الجدل الدائر الآن بين وزارتي الزراعة والري بشأن فكرة زراعة القمح مرتين في العام باستخدام تقنية التبريد. المشروع أعلنت عنه وزارة الموارد المائية والري ممثلة في المركز القومي للبحوث المائية مؤكدة جدواه ومدي الفائدة التي تتحقق منه وشارك في موسم الحصاد الذي تم يوم الخميس 26 يناير الماضي 5 وزراء منهم وزيرا الزراعة والبحث العلمي! ثم فجأة سمعنا عن قيام مجموعة من الخبراء بوزارة الزراعة التي كانت مشاركة - كما قلت - في موسم الحصاد بتقديم مذكرة إلي كل المسئولين تنسف المشروع من الأساس بدعوي ان التجربة قامت علي أسس غير علمية ومحذرين من نتائج سلبية خطيرة علي الزراعة والانخفاض الكبير في المحصول فضلا عن ارباك المزارعين وضياع الوقت والمال!! والأسئلة التي تفرض نفسها في ظل هذا الكلام: هل هذا الأمر صحيح؟! وأين كانت هذه الحقائق عندما شارك الوزير بشخصه في موسم الحصاد؟! ولماذا لم يسجل هذا التحفظ؟! ثم وهو الأهم لماذا انتظرنا حتي تم الاعلان عن المشروع المبتكر باعتبارنا دولة رائدة في هذا المجال ثم قمنا بضرب كرسي في الكلوب بالتعبير البلدي وإلقاء التراب علي الفكرة؟! وأين كان التنسيق بين أجهزة الدولة وتحديدا وزارتي الري والزراعة في هذا الموضوع الذي يهم كل المصريين؟! وتأكيدا لهذه الاسئلة مجتمعة نجد ان وزارة الري لم ترفع الراية البيضاء أمام هذه المحاولة المفاجأة.. فقد كشف الدكتور عماد فوزي رئيس الفريق البحثي لمشروع قمح التبريد ان التجربة عمرها اربعة اعوام وتمت في مناطق جغرافية متباينة مناخيا والزراعة بكافة الأساليب بالطرق التقليدية كبدار القمح والعفير والسطارة والميكنة وباستخدام الأساليب المختلفة في التربة الرملية والطينية. الأكثر من ذلك أكد عماد فوزي ان وزارة الزراعة شاركت في التجربة منذ بدايتها بتوفير كل الأصناف المطلوبة من الأقماح كما تم تنفيذ التوصيات الارشادية بكل منطقة مع مراكز البحوث الزراعية في أماكن التجارب قبل بداية المحصول وحتي اكتمال نضجه!! وطالبت وزارة الري في مذكرة عاجلة إلي رئيس الوزراء بتشكيل لجنة علمية محايدة من أساتذة الجامعات لتقييم تجربة انتاج القمح بالتبريد بشكل منهجي وعلمي وامكانية تطبيقها في ظروف البيئة المصرية ومدي تأثيرها علي التركيب المحصولي والخريطة الزراعية للمحاصيل الشتوية والصيفية وهي مجمل الأمور التي تضمنتها تحفظات خبراء الزراعة!! وأرجو هنا أن نتوقف أمام تعبير لجنة محايدة فهو اشارة واضحة إلي النفسنة والصراع بعيدا عن العمل بروح الفريق.. وانه لو كان الغرض من الاعتراض الصالح العام فبالتأكيد كان الأمر سوف يأخذ منحي آخر غير الجدل الذي رأيناه فجأة من الجانبين!! الغريب ان د.عصام فايد وزير الزراعة أعلن ان هناك مخاطبات تمت بين الوزارتين قبل دخول التجربة إلي حيز التنفيذ وفي اطار التنسيق الدائم بين الجانبين لصالح اقتراب مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح.. فما الذي حدث مجددا وجعل الأمر يأخذ هذا الاعتراض والاعتراض المتبادل؟! المهم ان وزارة الزراعة أوضحت انه وفقا لاتفاق بين الجانبين تقرر اعداد تقرير علمي باستخدام أجهزة حديثة لقياس الرطوبة وتواجد عرق العجين وتقدير عدد الحبوب في السنبلة ومطابقتها بأبحاث مركز البحوث الزراعية لوضع حد لحالة الجدل التي وجدنا فجأة أنفسنا فيها والسجال بين الفريقين المتجادلين.. فلماذا لم يحدث ذلك منذ البداية؟! بصراحة.. وأمام كل هذه المعطيات نقول: ألم يكن من الأجدي والأفضل استمرار التنسيق والبحث بين الوزارتين الزراعة والري والعمل سويا بروح الفريق في هدوء تام للوصول إلي الأفضل والأحسن لمصر والمصريين بدلا من "النفسنة" التي بدت واضحة للكل ورغبة بعض المغرضين في ان يلعب كل فريق بمفرده ليقول للمجتمع أنا هنا.. ولتذهب المصلحة العامة إلي الجحيم!! يا سادة.. مصر الجديدة تحتاج أن تودع الأنا والجزر المنعزلة.. وان نكشف المتلاعبين بنا.. فهل نبدأ؟! أتمني.