في ديسمبر سنة 1946 شكل محمود فهمي النقراشي وزارته الثانية وكان الموقف في فلسطين قد بدأ يميل بشدة نحو اليهود. وأراد النقراشي ان يحصل علي معلومات عن الوكالة اليهودية في فلسطين خصيصاً في عملية شراء الأراضي من العرب واقامة مستعمرات جديدة للمهاجرين اليهود. ويري سيد مرعي الذي كان وزيراً للاصلاح الزراعي ووزيرا للزراعة ورئيساً لمجلس الأمة في كتابه "أوراق سياسية" ان النقراشي باشا استدعاه وكلفه بالسفر إلي فلسطين كمهندس زراعي بحيث يأتي بمعلومات عن انواع المزارع التي يقيمها اليهود وكيف يديرون المستعمرات ونشاط الوكالة وحالة العرب وموقفهم من غزو أراضيهم. عندما وصل إلي فلسطين بالقطار اتصل بالقنصلية المصرية وكان القنصل هو الدكتور محمود فوزي الذي اصبح رئيساً لوزراء مصر.. وأوضح له اهتمامه بالزراعة.. واكتشف ان التخطيط اليهودي يرمي إلي ابعد من مجرد اقامة المستعمرات والمزارع الجماعية واكشتف ايضا ان اليهود يهدفون إلي وضع الاسس للدولة اليهودية. اكتشف كذلك ان المزارع اليهودية متقدمة أكثر في الآلات وطرق أساليب الزراعة.. وكانت توجه كل اهتمامها للاستيلاء علي أرض الميعاد مهما دفعوا فيها من أموال وبالطبع كانت امكانيات العرب محدودة. لفت نظره ابراج عالية تقع فوق كل مستعمرة لتخزين احتياجاتهم من القمح والحبوب وهو ما يعرف باسم "السيلو" وكانوا يضعون المدافع فوق تلك الابراج أو الصوامع والهدف واضح انها مخصصة للاكتفاء الذاتي من جهة وايضاً للدفاع عن المستعمرات في حالة حصارها. ويمضي سيد مرعي في ذكرياته قائلاً انه عرض كل هذه الحقائق علي النقراشي باشا وقال ان كارثة محققة علي وشك الوقوع وكانت آخر جملة كتبها في التقرير ان فلسطين ستضيع علي أيدي العرب. وضاعت فلسطين ومنذ ذلك الوقت وحتي الآن ونحن في عام 2011 نبحث عن مخرج من أجل فلسطين عربية.. ولكن هذا المخرج لم يجد حتي الآن منفذاً.