* سيدتي: ضاقت الدنيا وكاد اليأس يطحنني بين أضراسه.. حتي أوشكت علي مرحلة فكرت فيها التخلص من حياتي أملا في الراحة أنا من أسرة ريفية بسيطة الحال جدا.. عائلتي تتكون من ثلاثة أفراد أنا ووالدتي وأخي الطالب بمعهد اللاسلكي والذي يصغرني بعامين.. هكذا أصبحت أنا عائل هذه الأسرة بعد وفاة والدي.. إلي جانب مرتب والدتي الحكومي.. والذي لا يكفينا ويعد دخلي غير ثابت ولا توجد أملاك أو أي شيء نستند إليه. وفي هذا الزمن يا سيدتي لا ينفع قريب أو غريب.. المهم سترنا الله وتخرجت منذ عامين وعملت بالتدريس في مدرسة ثانوية.. ونظرا لظروفنا الصعبة لم نأخذ أنا وأخي حقنا كشباب.. فلم نكن مثل الآخرين من أقراننا ولم يكن في مقدورنا الاختلاط أو الترويح عن النفس فجاءت تربيتنا صارمة. واتسمنا بالجدية.. خاصة في التعليم.. والتعامل مع الجنس الآخر.. فلم تسمح الظروف حتي بأن نحب نظرا.. لتعليمنا الأزهري.. والتربية الأسرية السليمة والواقعية فلم نختلط بالأقارب من البنات والبنين أيضا وتطبعت بعادة ربما تكون غريبة في هذا الزمن وهي الصراحة.. وضعت كل همومي في تحقيق ما يحقق لنا عيشة كريمة وكان ينتابني الخوف من الوقوع في الحب ليس لأنني كائن منزه بل لأنه لا يتماشي مع حالي وظروفي الأسرية.. لذا تعاملت مع كل الفتيات علي أنهم أخواتي.. زميلة كانت أو طالبة.. رسمت لنفسي هدفا وهو تحقيق مستقبل به شيء من الحماية من مصاعب الحياة ومرت الأيام إلي أن قابلتها.. اختلف شعوري.. تبدل.. وجدتني أميل إليها.. أمامها سقطت كل المحاذير خاصة مع وجود فكر مشترك وطباع تقرب بيننا فلها معظم صفاتي الجادة علاوة علي شغفها بالعلم.. لذا لم أحاول الابتعاد عنها.. تركت نفسي لهذا الشعور الطاغي وتبادلنا النقاش في بعض الأمور الخاصة فيما يتعلق بالمواد العلمية.. وشتي أمور الحياة.. إلي أن وجدت حبها متغلغلا بداخلي.. ملأت عليّ حياتي.. وكأن الدنيا قد صفت حين وهبتها لي.. غير أنني سريعا ما أفقت لنفسي لوجود فارق كبير بيننا يحول دون أن أحتفظ بهذا الملاك في حياتي.. كما ذكرت لك سالفا أنني من أسرة بسيطة قوامها الستر والاجتهاد والعمل.. أما هي فمن أسرة ميسورة الحال بها مسئولون كبار.. وأقارب ذوو مراكز ذات أهمية.. فماذا أفعل وأنا لا أملك إلا شهادتي وطموحي العلمي!! علمت أن قصتي قد حكم عليها بالفشل منذ ولادتها.. فمن سيعترف بحبي لها.. وقد علمت أنها رفضت أكثر من عريس هي وأسرتها لطموحها في دخول كلية الطب.. إلا أن خطابها كثيرون لدماثة خلقها وجمالها المبهر واتزانها رغم صغر سنها فهي لاتزال بالصف الأول الثانوي وفي بداية مشوارها التعليمي.. إلا أنني خائف فإلي متي ستظل ترفض لأجلي.. وماذا لو وافق أهلها علي أي خاطب يرونه مناسبا لها خاصة أن طبيعة الأرياف تختلف عن المدن أي أن رأي البنت لا يهم ولا تستطيع أن تعترض علي رأي الأسرة.. في كل هذه الأحوال.. أجدني عاجزا مكتوف الأيدي.. لا أملك إلا حبها الشديد ونظرتي الوالهة.. فكلانا خجول ولا يستطيع أن يتحدث بشيء من الصراحة.. معظم كلامنا مغلف بالاحترام والحياء.. لذا فأنا بحاجة إلي "ضربة حظ".. أو خاتم سليمان ليخرجني مما أنا فيه.. أعيش في أوهام وخيالات وأحيانا أصدقها.. فلا أملك إلا الكلام.. حبيبتي أمامي وأنا عاجز عن التقدم خطوة تجاهها.. صرت مهموما.. كثير الفكر.. مشتتا.. أحبها ولا أتخيل حياتي بدونها.. من هنا أستغيث بكم وعلي وجه السرعة.. أملا في إيجاد الحل الشافي لمشكلتي.. وأن تنقذيني من الدمار والضياع الذي أعيشه.. وأخشي أن يتم ارتباطها بغيري.. أقسم لك سوف أقتل نفسي فورا.. فهو الحل الوحيد لاستحالة نسيانها؟ ** عزيزي: وصفت حالك يا صديقي.. وحال العديد من شباب مثلك أنت وأخيك ممن تصهرهم الحياة في معركتها وتعيد صياغتهم رجالا أقوياء صامدين.. صابرين.. وفي حالتك كنت نعم العون لوالدتك وأخيك فلم تبخل بجهدك عليهما.. أما عن تربيتك الصارمة المستقيمة والبعيدة عن اللهو.. هكذا يجب أن يكون الرجال.. وما تراه من شباب عابث ينهل من متع الحياة دون أن يفكر في واجباته.. فمثل هؤلاء لهم الله فهم غالبا لا يتحملون المسئولية وإذا ما صاروا أزواجا وآباء كلوا بما كلفوا به.. وقد اختلف زمننا الآن فهو زمن جهاد من أجل كل شيء.. المعيشة.. السكن.. التعليم.. البقاء فلا يخفي عليك وأنت واحد من أبناء هذه الأمة ما نواجهه من هجمة شرسة علي كل ما نملك من عادات وتقاليد وتراث يريدنا الآخر أن ننمحي ونذوب فيه.. ونحن نقاوم لنكون نحن "خير أمة أخرجت للناس".. كيف نكون هذه الأمة بشباب واه.. ضعيف الإرادة؟!.. وكيف نسمح لمن هم في مثل قوتك وتربيتك بالانهيار والضعف من أجل حب قد يكتمل أو لا؟! بل عجبت لك حينما أقسمت أنك ستنتحر إذا تزوجت رجلا آخر.. إنك لم تفكر في الانتحار لما يفعله اليهود في قطعة من قلب العالم الإسلامي.. وعجبي هذا ليس من فراغ يا صديقي فمن موقعي هذا.. أتلقي كل يوم رسائل لشباب تفتح الحياة لهم أحضانها.. وعند أول عثرة يكون الحل هو الانتحار.. اليأس من رحمة الله.. قد يُقبل هذا ممن نشأوا في غير تربيتك السليمة وتعليمك الأزهري.. لقد فضلت أن أبدأ بما أنهيت به رسالتك لأنه مفزع حقا.. أن يبني الإنسان بناء جميلا وقبل أن يصل للمسات الأخيرة يعمل فيه بمعول الهدم والتخريب. لقد أحببت.. هذا حقك.. ولا ينكره عليك أحد.. لم تفكر وأنت في بداية المشوار بعدم التكافؤ الذي بينكما من فارق السن والمستوي المادي والاجتماعي.. وهذا خطأ كبير بالإضافة لكونها تلميذتك.. وهنا تجاوز لكل الخطوط الحمراء.. ففي المدرسة يجب أن تكون علاقة الأستاذ بتلميذاته.. علاقة الأخ أو الأب ولكنك لم تحاول السيطرة علي نفسك وهذا ما أعلنته أنت في رسالتك فاستحللت النظرات الدافئة التي وجهتها إليها وهي بنت الخمسة عشر عاما في بداية المراهقة.. وحب الأستاذ من أشهر حالاتها فهو الرجل الثاني بعد الأب الذي تهبه الفتاة ثقتها ومشاعرها.. وبدلا من أن تصحح أنت الوضع بدأت رحلة عذابك مع النفس وأنت في مكانك.. دون أن تفكر في حسم الأمر.. وبعيدا عن النصيحة الأولي التي يجب أن أوجهها إليك وهي أن تترك الفتاة الصغيرة حتي تنضج.. دون التأثير علي مشاعرها.. أقول لك لماذا لا تتقدم لأهلها فقد تكون المفاجأة بالموافقة عليك فكم من عائلات كبيرة ثرية قبلت لبناتها برجال أقل في المستوي المادي.. مرحبين بالمستوي الخلقي والعلمي وحسن التربية والأسرة الطيبة فالأب يريد دائما أن يطمئن علي ابنته في كنف رجل يعرف حدود الله فإن أحبها أكرمها.. وإن كرهها لا يظلمها.. وإن جاء الرفض فعليك بالابتعاد عن الفتاة.. حتي لا تضر بسمعتها وأنت رجل ريفي وتعلم تأثير هذا علي مستقبلها.. وأرجو عندما تفكر في الزواج أن تبحث عمن تناسبك في كل شيء السن.. الثقافة.. المستوي الاجتماعي.. حتي تشعر أنك وإياها تقفان علي قدم واحدة.. وأرض صلبة غير مائلة لا تميل بكما في رحلة الحياة.. أما عن أحلامك وخيالاتك بخاتم سليمان.. وضربات الحظ إنهما يا صديقي لا يصنعون الحياة.. فمن خلال خبراتي أستطيع القول بل والجزم بأنه لا لذة إلا فيما تتعب لكسبه فأنت وقتها تشعر وكأنك المارد نفسه وكم تكون سعادتك وأنت تلبي لأفراد أسرتك طلباتهم صغيرة كانت أو كبيرة.. هناك همسة أخري في أذنك قد يكون خيالك هو من صور لك أنك تحبها هذا الحب الجنوني.. لأنك حرمت نفسك فترة طويلة التفكير في الجنس الآخر وعندما وقع نظرك علي جمالها المبهر.. تمنيتها وألقيت بكل مقاومتك وراء ظهرك لتحقيق هذه الرغبة إن كان هذا أو ذاك.. أراك في حاجة للتعقل واحذر كونك بمدرسة بنات فلا تسيء إلي نفسك فيظل ملتصقا بك صفة ليست بك وهي مطاردة تلميذاتك.. تنتقل الفكرة من جيل إلي جيل حتي وإن كنت مظلوما.. وإن تقدمت لأهلها ورفضوك فعليك بالصبر كما عودت نفسك ودربتها.. والعودة إلي الله وقبول قضائه.