تعتبر صناعة "الفركة" واحدة من أهم الصناعات اليدوية التي انفردت بها مدينة نقادة. جنوب محافظة قنا والتي انتقلت منها إلي قريتي جراجوس والجمالية بمركز قوص وقرية الخطارة غرب النيل بنقادة. وصناعة "الفركة" تعتمد في مادتها الخام علي خيوط من الحرير أو القطن لتنتج منها أشكالاً مختلفة من الأقمشة أشهرها الطرحة والملاية وترتديها معظم النساء في صعيد مصر ودولة السودان. بالإضافة إلي "الشال" المصنع يدوياً من الحرير علي نول خشبي ويطلق عليها الكثيرون اسم "أم درمان" لكون سكان مدينة أم درمان بالسودان هم أكثر الشعوب استخداماً للفركة اعتقاداً منهم بأنها تجلب البركة حيث كانت تصدر الفركة إلي هناك نتيجة الإقبال الشديد عليها من أهل السودان فكانت من أهم أثواب زينة العروس السودانية. وكذلك يتم استقبال المولود الجديد ب "الفركة" ويلفونه به اعتقاداً منهم أن ذلك سيجعل أيامه أكثر سعادة. وترجع معرفة أهالي مدينة نقادة لصناعة النسيج اليدوي "الفركة" إلي عصور الحضارات القديمة وتحديداً حضارة نقادة الأولي منذ الألف الرابعة قبل الميلاد. حيث تميزت هذه المرحلة بمعرفة المصري القديم لصناعات السجاد اليدوي والخزف والفخار. وظلت الصناعة في مرحلة تقدم وبلغت أعلي درجات الازدهار في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي والذي يمثل عصراً ذهبياً للصناعة. التي بدأت تتزوي في المرحلة التالية حتي أوشكت في العصر الحالي علي الاندثار فلم يعد هناك من يعمل بها سوي القليل. في الوقت الذي تسعي بعض الجمعيات التنموية لإقامة مراكز تدريب وفتح أسواق لعرض المنتجات من أجل الحفاظ علي الصناعة التي كانت تدر دخلاً يقدر بالمليارات حينما كانت تصدر للعواصم الأفريقية مثل الخرطوم وأديس أبابا ونيروبي. بل وتخطت الحواجز الأفريقية لتصل إلي أوروبا من خلال المشاركة في المعارض التي كانت تقام في المدن السياحية وقت ازدهار السياحة علي رأسها مدينة الأقصر التي تستحوذ علي ثلثي آثار العالم. يقول عماد سيدهم أحد أبناء مدينة نقادة: إن صناعة الفركة تعد الصناعة الأولي بالمدينة حيث يبلغ عدد الأسر المشتغلة بهذه الصناعة 700 أسرة بنقادة يعملون علي حوالي 1200 نول و200 أسرة بقرية الخطارة يعملون علي 400 نول و20 فتاة بقرية كوم الضبع ضمن مشروع البيت الريفي الذي تنفذه جمعية كوم الضبع لتنمية المجتمع ويعملن علي 20 نولاً. وكانت الصناعة توفر حوالي 3000 فرصة عمل تبعاً لمراحل الإنتاج أغلبهم من السيدات وكبار السن. وكانت تصدر إلي السودان وكان يقدر الإنتاج سنوياً حوالي 700 ألف قطعة فركة تصل قيمتها إلي ما يقرب من 4 ملايين دولار وكان عدد العاملين بها نحو 10 آلاف أسرة بالمدينة والقري المجاورة وعدد الأنوال 5000 نول وكان العاملون بها يحصلون علي الخيوط من إحدي الشركات بكفر الدوار. ثم بدأت عملية الاستيراد من الصين والهند وتعتمد هذه الصناعة في أسعارها علي استقرار الأحوال الاقتصادية والتي أدت إلي تراجع الصناعة في الوقت الحالي بشكل كبير جداً خاصة بعد توقف التصدير إلي السودان منذ عام 1987 فبعد أن كانت تدر الملايين أصبح مكسبها ملاليم في الوقت الحالي. وتقول "كريستين هارون": إن الخامات المستخدمة كانت في بداية معرفة الصناعة التي عمل بها أجدادنا تقوم علي الكتان وصوف الأغنام ثم تطورت إلي القطن إلي أن انتهت إلي استخدام الحرير الطبيعي الذي يستورد من الصين والهند إلي جانب الخيوط المصنوعة من الصوف أو القطن والتي يقوم التجار بإحضارها من القاهرة وسوهاج مصبوغة وجاهزة للنسج. وعن طريقة الصناعة تقول إنها تبدأ بصبغ الخيوط في عجانية من الألومنيوم ويصبغ فيها 10 كيلو في المرة الواحدة ثم تبدأ مرحلة لف الخيوط. ثم بعد ذلك مرحلة السدوة وبعدها عملية لف الخيوط حتي تصل إلي مرحلة اللقاية حيث تدخل الخيوط في النير وبعد ذلك في المشط ثم بعد ذلك مرحلة التصنيع بالمكوك علي النول ومن العجيب أن المكوك به ريشة حمام صغيرة لا يتم العمل إلا بوجودها ثم بعد ذلك يعرض المنتج للبيع. وعن مراحل صناعة الفركة تقول عفاف برنابة صاحبة ورشة لصناعة الفركة بمدينة نقادة: إن المرحلة الأولي لصناعة الفركة تشمل صباغة الحرير بالألوان المختلفة منها اللون الأحمر والأصفر والأسود بالصبغة الناعمة وتستغرق عملية الصبغ حوالي 4 أيام حتي يتم ثبات اللون علي الحرير. ثم مرحلة لف الحرير علي المواسير الخشبية المخصصة للفركة وتوضع هذه المواسير في مكوك النول المصنوع من الاستانلس تيل أو من الخشب. وبعدها تأتي مرحلة شد الحرير علي الحائط لكي يتم لفه في شكل كورة وهي تسمي "المذدية". أما المرحلة الرابعة فيتم خلالها تركيب خيوط الحرير "فتلة.. فتلة" ولذلك هي من أصعب المراحل وهي تتطلب الكثير من التركيز والصبر. أما المرحلة الخامسة فهي مرحلة النسيج وعمل الأثواب الحريرية الملونة لتكون جاهزة للبيع. أما عياد حليم فقال: إنه يعمل بنظام الأجر حيث يحصل علي الحرير ويقوم بعملية الصبغة وتلوينه بألوان مختلفة ونسجه وإعادته مرة أخري للتاجر الذي يقوم بتسويقه وتصديره إلي السودان ويعطيني علي القطعة عشرة جنيهات فقط. رغم أنه يبيع القطعة الواحدة بأضعاف ذلك عشرات المرات أو أكثر. لافتاً إلي أنه قديماً كان يتم استخدام الحرير المصري وكان الحرير أقل جودة من الحرير الهندي والصيني الذي يستخدم حالياً. مشيراً إلي أن عملية نسج قطعة واحدة تستغرق الجلوس لساعات طويلة علي النول وقد يمتد العمل لأربعة أيام.. وحول أسباب عدم إقامة أسواق داخلية لتسويق الفركة قال إنه منذ ما يقرب من 10 سنوات أو أكثر كانت تباع للأجانب الزائرين لمصنع الخزف لأنهم يفضلون الأعمال اليدوية ولكن مع أزمة السياحة لا يوجد مجال للتسويق. ويقول عياد عبدالشهيد أحد الحرفيين وهو الشخص الوحيد الذي يمتهن هذه المهنة حتي يومنا هذا بقرية جراجوس إنه تعلم هذه المهنة منذ نعومة أظافره. ومعظم منازل جراجوس تعتمد علي صناعة الفركة وكان يعمل بها أفراد المنزل وكان يوجد في المنزل الواحد أربعة أنوال علي الأقل. أما الآن فقد انقرضت هذه المهنة من القرية. وذكرت ماريا زكي مغاريوس إن هذه المهنة دفنت مع من كانوا يعملون بها فمنذ خمسين عاماً عزف الآباء عن تعليم أبنائهم هذه المهنة لأنها تحتاج إلي جهد كبير دون مقابل مادي يقدر هذا الجهد. ويحتاج العمل بها لوقت طويل. ولا يوجد أحد متمسك بهذه الصناعة الآن سوانا نحن فقط في القرية. وهناك طلب متزايد علي الفركة ولكن نعاني عدم وجود الأيدي العاملة. وتطرق "فادي جاد الرب" أحد التجار إلي المعوقات التي تواجه صناعة الفركة قائلاً: إن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم وجود منافذ للتسويق بعد أن توقف التصدير للسودان. وكذلك حالة الكساد السياحي التي أعقبت الفترة بعد 25 يناير 2011 فقد كنا من قبل نقوم بعمل معارض في مدينة الأقصر حيث الرواج السياحي ولكن الآن لا يوجد أي مصدر تسويق سوي المعارض التي تشارك بها بعض الجمعيات الأهلية التي تهتم بالحفاظ علي الصناعة من الاندثار. ولكن في ظل قلة الأيدي العاملة التي تخلت عن الصناعة لعدم وجود مكسب أو تسويق للمنتجات وأيضاً ارتفاع أسعار المواد الخام باتت الصناعة علي وشك الاندثار. مطالباً باستغلال الظهير الصحراوي بمدينة نقادة لإنشاء مدينة الحرفيين وإقامة مصنع لصناعة الفركة التي يمكن أن تدر مليارات الجنيهات لمصر. فمنذ عشرات السنين ونحن نسمع عن تخصيص موقع لإقامة مدينة الحرفيين بنقادة ولكن هذه المدينة مجرد "وهم" فلم يفكر أحد في جعل هذا الكلام واقعاً ملموساً حتي الآن ولا تزال الأرض المخصصة مجرد صحراء تتعرض للتعديات في كل يوم من جانب المواطنين. علي الرغم من أن نقادة تكاد تكون المدينة الوحيدة علي مستوي المحافظة التي تفتقر لوجود مصانع رغم انتشار العديد من الصناعات مثل الفخار والخزف وصناعة الجريد. وكلها صناعات توفر الآلاف من فرص العمل ولكنها تعاني الإهمال التام من جانب المسئولين بمحافظة قنا حتي أصبحت جميعها تواجه الاندثار.