الأزمة الاقتصادية الراهنة عادت بالنفع علي الشعر والشعراء!! فقد كان شهر رمضان يشهد كل عام أعمالاً درامية مكلفة. تتنافس المسارح في تقديمها. وكذلك قنوات التليفزيون ولم تعد - بعد الثورة - الظروف الاقتصادية مواتية لوزارة الثقافة والنقابات والقنوات التليفزيونية لتقديم هذا الإنتاج. وهي في الوقت نفسه مطالبة بعمل ما في الشهر الكريم. لا يبدو متهافتاً ضعيفاً. ويستطيع أن يجذب الجمهور في الوقت نفسه.. فوجدت كل جهات الإنتاج ضالتها في الشعر بكل أشكاله وفنونه.. الشعر كقصائد تلقي في أمسيات زخرت بها كل قصور الثقافة في الشرقية والدقهلية والقاهرة والغربية والإسكندرية وكفر الشيخ.. وغيرها من المحافظات. الشعر كذلك في سياق غنائي إنشادي. كما حدث في سهرة كتبها وأخرجها حمدي أبوالعلا. في مسرح الغد. وتباري الممثلون: عبير عادل وبدور وشريف عواد وفتحي الجارحي وأحمد حسني ومحمد عمر وممدوح الميري وراندا في أدائها.. وتحدي كل منهم نفسه في هذا الأداء. إذ كانت تجري الجملة الشعرية أو النثرية الواحدة علي لسان كل منهم. فإذا بها تكتسب طعماً مختلفاً وروحاً مغايراً. إلي حد أن عبير عادل كانت تسبقها الدموع الحقيقية من فرط تأثرها بالحالة.. كما أن حمدي أبوالعلا اكتشف خلال عرضه هذا المسمي "فتح الفتوح" صوتين غنائيين مؤثرين ورائعين هما المطرب فارس. والمطربة زينب.. وفارس يملك قماشة صوتية عريضة ومرنة وقوية. أما زينب فهمي الصوت العميق الرقيق الحساس. "فتح الفتوح" التي لحن أشعارها يحيي غانم. وقدم ديكورها صبحي السيد في لمسات رقيقة بسيطة استغلت لونين اثنين فقط - غير الأبيض والأسود - وهما الأخضر والبيج.. كانت حالة صوفية انغمست في الحب النبوي الصافي. بعيداً عن أي مؤثرات أخري خارجية. أما العمل الثاني المستلهم للشعر والمتكئ عليه بشكل شبه كامل. لكنه يتماس بقوة مع الواقع السياسي الراهن. وتحديداً ثورة 25 يناير فهو عرض "عد إلينا يا محمد" الذي قدم علي مسرح الهوسابير. رؤية وإخراج وغناء د. أحمد الكحلاوي. وقد انتقل إلي ميدان التحرير مباشرة. راصداً اتجاهاته السياسية والدينية المختلفة. ما بين "سلفي أو وهابي" و"علماني" وإن لم يشر العمل إلي أن فترة تفجر الثورة من 25 يناير حتي التنحي لم تكن تظهر هذه الاختلافات والتيارات. لأن تياراً وطنياً واحداً وقوياً كان هو السائد. إنه تيار الحرية والديمقراطية ودولة مصر الحديثة المستقبلية. وقد استدعي الوطن الذي صاغ أشعاره عبدالستار محمود شخوصاً من الميدان إلي المسرح. مع توفير جو الصدق والحميمية بعرض لقطات عبر شاشة السينما. ثم يذوب الخيط الوهمي بين الخشبة وشاشة العرض الذي أنفسنا أمام مباراة تمثيلية رائعة يقودها أحمد ماهر الذي يغلبه الصدق في الأداء حتي يبكي أكثر من مرة. وكان من الطريف أن تسري حالة البكاء منه ليتأثر بها آخرون من الممثلين!! وقد أداه بجواره أداءً رائعاً كذلك معتز السويفي ووفاء الحكيم وصبري عبدالمنعم وسمير حسني.. ثم يظل الخيط الإبداعي الفني الراقي الذي يلضم فيه الحوار الدرامي متمثلاً في أداء أحمد الكحلاوي لأغانيه وبعض أغاني والده الراحل محمد الكحلاوي.. وقد تدفق الكحلاوي الصغير بشكل مبهر وذاب الجمهور الكبير بالمسرح في حالة الوجد الروحاني التي فاضت بها أغانيه.. ومن خلال السياق الشعري العذب ناقش العمل بعض التصرفات الحديثة التي لا تتلاءم وروح الإسلام. ومنها الثقافي والكذب والخيانة والدسيسة. وأراد أن يحل محلها السلوك الحضاري الراقي. وأن يلزم الجمهور بهذا السلوك!! فراح الممثلون يتجهون لهذا الجمهور ويطلبون تعهده بالتزام القيم الراقية. والجمهور يتجاوب معهم!! فهل يستمر هذا الالتزام خارج أبواب المسرح أم أن الجمهور تحول في لحظات إلي حالة التمثيل. و"اندمج في الدور" ثم يخرج إلي الشارع وكأن شيئاً لم يكن!!