قبيل نحو اسبوع من الموعد المتوقع لاجتماع مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد الدولي بدأت الحكومة ما يبدو انه حوار اجتماعي . اقتصر حتي الآن علي خبراء اقتصاد وكتاب ويمتد لبعض الاحزاب الرئيسية . تناول الحوار الاوضاع الاقتصادية الحالية وبرنامج الاصلاح الاقتصادي وما يتضمنه من اجراءات تمثل التزامات ينبغي علي مصر تنفيذها قبيل موافقة صندوق النقد علي الاتفاق الموقع بصفة مبدئية ويتضمن حصول مصر علي قرض بنحو 12 مليار دولار . وكانت كريستين لاجارد المدير العام لصندوق النقد قد اكدت صراحة خلال الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي . ان علي مصر تنفيذ التزاماتها قبيل اجتماع الصندوق. وبالفعل اوشكت الحكومة المصرية علي الانتهاء من اولي التزاماتها الخاصة بتدبير التمويل الاضافي اللازم لتمويل برنامج الاصلاح الاقتصادي في عامه الاول ويتراوح هذا التمويل بين 5 و6 مليارات دولار. وبحصول مصر علي وديعة الملياري دولار من المملكة العربية السعودية قبل ايام يكون قد تكون لدي مصر ما يقرب من 5 مليارات دولار . تضمنت وديعة اماراتية بمليار دولار وتمويلا من البنك الدولي بمليار دولار وآخر بنحو 500 مليون من بنك التنمية الافريقي . وتسعي وزارة التعاون الدولي لتبكير موعد الحصول علي الشريحة الثانية من قرض البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي بقيمة 1,5 مليار دولار . وقامت الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولي بجهود كبيرة في هذا المجال علي هامش مشاركتها في اجتماعات الخريف للبنك والصندوق . كما أحرزت مصر تقدما بشأن مفاوضاتها مع الصين حول الحصول علي قرض بقيمة ملياري دولار . وهو ما اكده كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الي مصر في تصريحات للصحافة المصرية علي هامش اجتماعات الخريف حيث قال جارفيس انه واثق من نجاح مصر في تدبير الحزمة التمويلية المطلوبة من الصندوق لتغطية السنة الاولي من برنامج الاصلاح الاقتصادي وقدرها 6 مليارات دولار مشيرا الي ان هناك تعهدات دولية بتغطية نصف هذا المبلغ وهناك مفاوضات جارية حاليا مع الصين فضلا عن مفاوضات مع البنك الدولي لسرعة صرف الشريحة الثانية من القرض المخصص لمصر . كما اعرب عن ثقته في موافقة الصندوق علي القرض المصري . وكان البنك المركزي قد اعلن مطلع الشهر الجاري عن زيادة احتياطي النقد الاجنبي لديه بنحو 3 مليارات دولار مسجلا نحو 19,6 مليار مقابل 16,5 مليار في سبتمبر . ومن المتوقع ان يرتفع الاحتياطي بنهاية اكتوبر الجاري الي نحو 22 مليار دولار . بنسبة زيادة 33%. تعويم الجنيه الالتزام الثاني والذي تتحسب الحكومة لنتائجه . ويتخوف منه ملايين المصريين. هو تعويم الجنيه. او ما يسميه الصندوق مرونة سعر الصرف. ويتوجب علي مصر الوفاء بهذا الالتزام قبيل اجتماع الصندوق. و هو ما دعا الحكومة الي مسابقة الزمن في تهيئة الشارع لهذه الخطوة سواء من خلال برامج الفضائيات المدعمة بوجوه اقتصادية مؤيدة لتعويم الجنيه . وفيما يتخوف المواطن من اعباء معيشية اضافية نتيجة تخفيض قيمة الجنيه بنسبة لن تقل عن 30% وفقا لغالبية التوقعات . تتخوف الحكومة بدورها من ردود فعل غير مرحبة من الشارع خاصة في ظل دعوات للتظاهر خلال الشهر المقبل . اما صندوق النقد فيري ان القرار لن يؤثر كثيرا علي الاسعار وبحسب رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لمصر فان زيادة مرونة سعر صرف العملة المصرية جزء اساسي في البرنامج المصري المقدم للصندوق وقال ان قيمة العملة منخفضة بالفعل في السوق الموازية مشيرا الي ان هدف برنامج الاصلاح ان يكون هناك سعر موحد للعملة بمرور الوقت . و قلل من تأثير القرار علي الاسعار لافتا الي ان تحرير سعر الصرف لن يؤدي الي زيادة التضخم لان السعر الحالي في السوق الموازية ادي بالفعل الي زيادة اسعار السلع متوقعا ان تؤدي سياسات الحكومة الي احتواء اي ارتفاع جديد للتضخم. مخاوف دعم الطاقة الالتزام الثالث وهو تخفيض دعم الطاقة . فقد تحاشي مسئولو صندوق النقد الحديث عنه صراحة وفضلوا التلميح الي ذلك تاركين للحكومة المصرية اتخاذ الاجراء المناسب . وقد فضل مسعود احمد مدير ادارة الشرق الاوسط وآسيا الوسطي الرد علي سؤال خاص بخفض دعم الطاقة باعتباره احد شروط الحصول علي القرض وكذلك "رئيس بعثة الصندوق لمصر الذي تحدث عن ضرورة ترشيد الدعم بشكل عام . وان كان قد اكد علي الجانب الاجتماعي في برنامج الاصلاح وما تضمنه من اجراءات لدعم الفئات الفقيرة . ودعم التأمين الصحي والتغذية المدرسية والبان الاطفال . واكد في رده علي سؤال ل "المساء" ان الصندوق سوف يراقب تنفيذ البرنامج الاجتماعي بنفس القدر من الاهتمام بمراقبة تنفيذ اجراءات الاصلاح الاقتصادي. و فيما تستعد الحكومة حاليا للتقدم لصندوق النقد الدولي ببرنامج مفصل عن التطورات الاقتصادية الاخيرة والاجراءات التي تم اتخاذها وتشمل بالفعل الالتزامات المتفق عليها سعيا للحصول علي موافقة الصندوق علي القرض اعلن مجلس الوزراء الخميس الماضي عن ترشيد الانفاق الحكومي بنسبة تتراوح بين 15% و 20% في رسالة تخاطب الشارع المصري بان الحكومة تضرب بنفسها المثل في التقشف قبل ان تطالب به الشعب. تقشف حكومي ويري بعض خبراء الاقتصاد ان هذا الاجراء ربما يكون بديلا مؤقتا عن خفض دعم الطاقة ورفع اسعار البنزين والسولار مراعاة للظروف المعيشية الصعبة الحالية خاصة في ظل بعض الازمات التي طالت سلعا اساسية مثل السكر والارز . وفي ظل ارتفاعات متوقعة لسلع وخدمات نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي تحاول الحكومة التقليل من اثرها . في الوقت الذي اعترف فيه البنك الدولي -في احدث تقرير له عن الاقتصاد المصري - بآثار سلبية للضريبة الجديدة علي الفقراء. ووفقا للتقرير فإن الأوضاع الحالية للاقتصاد المصري غير مبشرة بحدوث انخفاض ملموس في أعداد الفقراء. فعلي الرغم من الجهود المبذولة مؤخراً لتحسين توجيه دعم الغذاء وتنفيذ الالتزامات الدستورية بزيادة الإنفاق علي الصحة والتعليم من شأنها أن تساعد في التخفيف من حدة الفقر. فإن ارتفاع أسعار الطاقة وضريبة القيمة المضافة الجديدة يمكن أن يؤديا إلي زيادة التضخم علي الأمد القصير مع حدوث تأثير سلبي علي الفقراء. ويتوقع التقرير تقلص الفقر في المستقبل مع التوسع التدريجي في برامج مثل "تكافل" و"كرامة" والبرامج الموجهة جغرافيا مثل "برنامج التنمية الاقتصادية لمحافظات صعيد مصر. وعلي الرغم من ان الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين " اجتماعات الخريف" والتي اختتمت اعمالها بواشنطن الاسبوع الماضي . قد كشفت عن ملامح برنامج الاصلاح الاقتصادي المصري واجراءاته الصعبة . باكثر مما افصحت عنه الحكومة حتي الآن . إلا أن الأيام القليلة القادمة والتي تسبق اجتماع مجلس المديرين التنفيذيين بالصندوق سوف تشهد بالتأكيد صدور القرارات المؤلمة وفقا لتسمية الحكومة وتشهد تطبيق الالتزامات المقررة وفقا لتسمية الصندوق . لتحصل مصر علي اول شرائح القرض والمقدرة بملياري ونصف المليار دولار في غضون يومين من موافقة الصندوق النهائية علي القرض بحسب ما اكده مدير ادارة الشرق الاوسط بالصندوق مسعود احمد . هل تنجح الحكومة؟! يبقي السؤال: هل تنجح الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة في اقناع الشارع المصري بتحمل ما تطلق عليه الدواء المر . علي وعد بحصد ثمار الاصلاح الاقتصادي بعد سنوات قد تطول. وذلك دون ان تثبت له ان الجميع يشارك في تجرع هذا الدواء وان نصيب الاغنياء اكبر بكثير من باقي فئات الشعب. خاصة ان صندوق النقد ذاته يؤيد الضريبة التصاعدية وضريبة الارباح الرأسمالية!!