في زمن الفتوات الذي أجاد نجيب محفوظ تصويره في ابداعاته. كان الفتوة يقتحم الحي. ويفرض حمايته علي ناسه. ولأنه أدري بمصلحة أبناء الحي فإنه يرفض الأصوات المعترضة. وقد يلجأ إلي تأديبها حتي لا تعوقه عن الحماية التي فرضها. أستعيد تلك الأيام الغائبة في الاقتحام التركي للعراق. واحتلال جزء من أراضيه بدعوي حمايته من إرهاب داعش. رفض العراقيون ما حدث. واعتبروه احتلالاً صريحاً. وأكد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي عدم حاجة بلاده إلي التدخل التركي. ورفضها مشاركة الجيش التركي في استرداد الموصل أولي المدن التي احتلها داعش. بعد أن استطاعت القوات العراقية إزالة العصابات المتأسلمة من معظم المدن والقري العراقية. اتخذت خطوات فعلية لاستعادة الموصل. فهي الآن محاصرة تماماً. وقذائف المدفعية تستطيع أن تبلغ أهدافها في مواقع داعش داخل المدينة. الرئيس التركي أوردغان رفض الطلب العراقي. وادعي أن وجود قواته داخل الأراضي العراقية لحمايتها من الخطر الداعشي. ولتبرير تصرفه فقد ادعي أنه دخل الأراضي العراقية باتفاق مع مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان. وهو ادعاء تلغيه حقيقة أن سلطة البرزاني مرتبطة بوضع الإقليم ضمن دولة العراق. ولا تنسحب علي بقية الأراضي العراقية. إذا كانت التدخلات الأمريكية ومؤامرات دول الغرب وإسرائيل قد أنهكت العراق. فإنه قد استعاد الكثير من قواه العسكرية. وهو ما تجلي في عمليات استرداد الأراضي التي دخلها الداعشيون بسهولة غريبة. نتيجة الضعف الذي أوصلته إليه واشنطن ولندن.. وتل أبيب! علي الرغم من دعوة الحكومة العراقية مجلس الأمن لاتخاذ موقف ضد احتلال العراق لجزء من أراضيه. فإن أوردغان يصر علي إبقاء قواته في البعشيقة رغم سقوط كل الأقنعة التي تبيح له تصرفه الاستعماري. الإيجابية التي نستطيع أن نستخلصها من تصرفات أنقرة أنها حالات مناقضة تماماً للمزاعم الأوردغانية بضرورة تكاتف دول المنطقة في مواجهة الأخطار المشتركة. وفي مقدمتها داعش. تأكد ما كان مرجحاً أن أنقرة هي من أعدت داعش ومولته وأتاحت لعناصره العبور من تركيا إلي الأقطار العربية. ورغم أن السحر انقلب علي الساحر. فامتدت جرائم داعش إلي المدن التركية. وإلي العديد من مدن الغرب. فإن أوردغان يصر علي ولائه للمنطق الاستعماري الإمبراطوري. فلا يجد ما يبرر احتلاله للأراضي العراقية. إلا أن هذا هو ما يريده. وأنه يريده لصالح العراقيين. حتي لو كان لتركيا مخاوفها من تغلب نفوذ قوة عرقية علي بقية القوي في العراق. فإن القضاء علي تلك المخاوف لا يوجب التدخل المسلح في الأرض العراقية. والإ صار من حق دول المنطقة أن تدخل الأرض التركية بداعي التخوف من الحرب العرقية القائمة. وهو خطر يمتد إلي دول المنطقة. وإلي العالم كله. والأمثلة بلا حصر. التعنت التركي في إبقاء قواته داخل الحدود العراقية يشي بالعديد من الدلالات. أخطرها أن كل ما رفعه من شعارات في بداية تولي حزب العدالة والتنمية مسئولية حكم البلاد. ليست إلا أقنعة ما لبث أن نزعها ليبدو الوجه الاستعماري القبيح. بل إن التحليلات السياسية تري أن تركيا تجد في الأوضاع العراقية الحالية ما يدفعها إلي ضم الموصل. بعد أن استقر وضعها كجزء أصيل من العراق إثر زوال دولة الخلافة في عشرينيات القرن الماضي. لقد عاني فتوات نجيب محفوظ غروب أيامهم. وذلك هو التوقع الوحيد للشمس الآفلة في أنقرة.