هؤلاء المؤمنون أثني الله عليهم في سورة البروج. وتوعد الذين عذبوهم في السورة نفسها. فقال تعالي : "والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم علي ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض والله علي كل شيء شهيد" وهؤلاء المؤمنون وردت قصتهم في حديث طويل عن الرسول في صحيح مسلم. وملخصه أنه كان هناك ملك في عصور ما قبل الإسلام. وكان لهذا الملك ساحر علي عادة الملوك آنذاك. فلما كبر الساحر طلب من الملك أن يرسل إليه غلاماً ليعلمه السحر. حتي يكون خلفاً له بعد موته. فبعث إليه غلاماً. وكان هناك راهب في طريق الغلام إلي الساحر. فقعد اليه وسمع كلامه فأعجبه. وظل يتردد عليه. وذات يوم وجد دابة عظيمة اعترضت طريق الناس. فقال في نفسه : "اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟" فأخذ حجراً ودعا الله قائلا : "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتي يمضي الناس" فرماها فقتلها. ومضي الناس. ثم ذهب إلي الراهب فأخبره بما حدث. فقال له : "أي بني أنت اليوم أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أري. وإنك ستبتلي. فإن ابتليت فلا تدل علي" وكان الغلام يبريء الأكمه والأبرص. ويداوي المرضي بإذن الله. وكان للملك جليس أعمي. فلما سمع بأمر الغلام أتاه بهدايا كثيرة ليشفيه. فأخبره الغلام أنه لا يشفي أحداً. ولكن الذي يشفي هو الله. بشرط أن يؤمن به. ثم يدعو له الغلام فآمن بالله فشفاه الله. الأعمي جاء الملك فجلس إليه. فقال له الملك : من رد عليك بصرك؟ قال : ربي. قال : ولك رب غيري؟ قال : ربي وربك الله. فأخذه فعذبه حتي دل علي الغلام فجيء بالغلام وحاول أن يرده عن دينه فأبي. فعذبه حتي دل علي الراهب. فجيء بالراهب. فقيل له : ارجع عن دينك. فأبي. فدعا بالمنشار ووضعه في مفرق رأسه. فشقه نصفين. ثم جيء بجليس الملك فقيل له : ارجع عن دينك. فأبي. فدعا بالمنشار ووضعه في مفرق رأسه. فشقه أيضا نصفين. ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك. فأبي. فدفعه الي بعض أصحابه ليقتلوه. فحاولوا أن يقذفوه من فوق جبل. فقال : "اللهم اكفنيهم بما شئت" فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلي الملك وأخبره أن الله نجاه منهم. فدفعه إلي غيرهم. وأمرهم أن يذهبوا به في سفينة ليرموه في البحر. فدعا الله بنفس الدعاء. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. أما هو فقد نجاه الله. فقال للملك : إنك لن تستطيع قتلي حتي تفعل ما آمرك به. فسأله عن الكيفية. فأمره أن يجمع الناس في صعيد واحد. ويصلبه علي جذع. ثم يأخذ سهماً من كنانته "أي كنانة الغلام" ويضعه في وسط القوس. ويقول : باسم الله رب الغلام. ثم يرميه بالسهم. ففعل الملك ما قاله له. فوقع السهم في صدغه فمات. فقال الناس : آمنا برب الغلام.