لا يمكن في كل مرة بالنسبة لأي قضية رشوة أن يعاقب المرتشي وحده ويخرج كل من الراشي والوسيط براءة بحجة أنهما ساهما في ضبط القضية.. هذا في رأيي ورأي الكثيرين ممن تابعوا مثل هذه القضايا فيه تحايل علي القانون. فعند افتضاح أمر المرتشي يسارع كل من الراشي والوسيط لابلاغ جهة الضبط بالتفاصيل الكاملة لعملية الرشوة ويلقيا بمزيد من الضوء علي الأموال والخدمات التي طلبها المرتشي ليؤكدا ثبوت الجريمة في حقه ويخرجاهما من القضية.. وكما يقول المثل الشعبي "كما تخرج الشعرة من العجين". تقدم أكثر من 60 نائبا بمجلس النواب باقتراح للجنة التشريعية بالمجلس يطالب بتعديل المادة 107 مكرر من قانون العقوبات والتي تنص علي ما يلي: "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي. ومع ذلك يعفي كل منهما منها إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو أعترفا بها. وجاء النص البديل الذي قدمه أكثر من 60 نائبا علي الوجه التالي: "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي.. ومع ذلك يعفي كل منهما من العقوبة إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو اعترفا بها قبل كشف الجريمة وقبل الضبط ولا يستفاد من الاعفاء في حالة العودة". حدثت خلافات في اللجنة التشريعية بين الابقاء علي النص الأصلي للمادة وعدم تعديله وهم المعارضون للتعديل.. وبين المؤيدين للتعديل لأن الواقع العملي للتطبيق أثبت ان بعضا من الراشين والوسطاء يستفيدون من الاعفاء المقرر في القانون حيث ترتكب الجريمة وعند ضبطه يسارع بالابلاغ والاعتراف.. وأكدوا ضرورة تحديد ضوابط لهذه الجريمة. قال المستشار بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بالمجلس إنه مع الرأي القائل بضرورة تعديل المادة.. مضيفا ان النص القائم الذي يعفي الراشي والوسيط إذا اعترفا.. أسفر في التطبيق العملي له عن أن الراشي هو الذي يسعي لافساد الموظف لتحقيق مصلحة له.. فإذا تحققت سكت.. وإما إذا لم تتحقق يعترف. وأوضح أبو شقة أن أي نص تشريعي يظل صالحا ما لم يسفر الواقع العملي عن عدم تحقيق الغاية من التشريع.. مضيفا أن المادة 107 تم وضعها في عام 1952 لمواجهة فساد الموظف العمومي وكان الهدف الأساسي تعقب الموظف العام واقامة الدليل عليه ولكن التطبيق العملي اسفر عن أن النص فيه عوار ولم يحقق الغاية المقصودة حيث اثبت الواقع أن الراشي هو الذي يسعي للمرتشي لارتكاب الجريمة.. وان نص المادة 107 تصطدم بالمادة 10 من الدستور. وطالب النائب جمال الشريف بعدم اعفاء الوسيط نهائيا وبحث ضوابط اعفاء الراشي.. بينما أيد النائب علاء عبدالمنعم بقاء المادة 107 مكرر دون تعديل.. وحجته في ذلك أن 90% من قضايا الرشوة لا تصل إليها السلطات إلا ببلاغ من الراشي والوسيط. ونحن نقول للنائب علاء عبدالمنعم: ألم تلاحظ ياسيادة النائب انه في الفترة الأخيرة انتشرت قضايا الرشوة التي كشفتها الأجهزة الرقابية وحدها دون مساعدة من الراشي أو الوسيط.. وذلك من خلال الأساليب الخاصة التي تتبعها هذه الأجهزة.. وان القضايا التي تم اكشافها وكان فيها الطرفان "الراشي والوسيط" لم يسارعا بالابلاغ عنها إلا بعد أن احكمت الأجهزة الرقابية قبضتها عليها.. وذلك بهدف أن يخرج كل منهما براءة من القضية. وماذا تقول ياسيادة النائب علاء عبدالمنعم في قضايا الرشوة التي تكررت في السنوات الأخيرة وخرج منها الراشي والوسيط براءة. ثم تكررت للمرة الثانية ولم توقع أية عقوبة عليهما.. وما دام الأمر كذلك فإننا نفتح باب الفساد علي مصراعية لتتكرر هذه الجريمة مرات ومرات ويكون كل منهما ضامنا البراءة في حماية هذه المادة التي تدافع عنها. أعتقد أن عدم تعديل المادة 107 والإبقاء عليها كما هي سيفتح الباب للطرفين الراشي والوسيط ليأخذا منها حرفة يتكسبان من ورائها فإذا أفلتا بالغنيمة دخلت الأموال إلي جيوبهما بغير حساب.. وإذا انكشفت الجريمة ضمنا الخروج من القضية براءة بحكم هذه المادة.. وبذلك تميل كفة العدالة في صالح المجرم.