الدنيا تتغير بسرعة كبيرة.. والأيام القادمة سوف تحمل مزيداً من المفاجآت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. هناك أصوات في بلاد أخري أوروبية تطالب بإجراء استفتاء علي غرار الاستفتاء الذي جري في بريطانيا.. والهدف أن يكون لكل دولة شأنها في كل سياساتها الاقتصادية والسياسية وتعاملاتها مع الآخرين بعيداً عن أي تكتل قد يلزمها بانتهاج سياسة محددة. الخلافة العثمانية سقطت وتفككت الدول التي كانت تدور في فلكها.. والاتحاد السوفيتي سقط وتناثرت دوله بعيداً عن موسكو التي كانت تتزعمه.. وحلف وارسو سقط وفي انتظار أن يلحقه حلف الناتو.. الهدف من كل ذلك أن أي دولة تريد أن تتصرف بحريتها ولا تحدها قيود لأي تكتل. الجمهورية العربية المتحدة التي نشأت بين مصر وسوريا في أوائل ستينيات القرن الماضي لم تصمد إلا عدة سنوات انفصلت بعدها سوريا عن مصر وفشلت كل محالات إعادة هذه التجربة مع اليمن ومع ليبيا.. الجميع يريد أن يتفرد في سياساته بما يتلاءم مع إمكانات بلده ويشعر أنها مستقلة استقلالاً تاماً. كنا نطالب الدول العربية أن تتوحد في كيان واحد علي غرار الاتحاد الأوروبي.. وكنا نعتبر أنفسنا أفضل من هذا الاتحاد لأنه لا تجمعه أصول واحدة ولا ثقافة واحدة علي العكس من الدول العربية التي تتحقق لها كل هذه الميزات.. فكان من المنطقي أن نطالب بهذه الوحدة.. لكن بعد 50 عاماً من قيام الاتحاد الأوروبي بدأت مفاصله تتفكك بخروج بريطانيا منه. وبالتالي يجب أن تأخذ الدول العربية العبرة من هذه التجربة الأوروبية ولا نطمح في يوم ما أن تتوحد الدول العربية في كيان واحد لأن ذلك سيعرضها للتفكك من جديد.. بل ويزيد الفرقة بينها. كل الدول العربية مطالبة بتقوية الجامعة العربية علي أساس أنها يمكن أن تضع خططاً شاملة تقوي العلاقات السياسية الخارجية في الاتجاه لهدف واحد وهو مصلحة الأمة العربية.. وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بعضها البعض بما يعود علي تلك الشعوب بالنفع المتبادل.. وأن تتكامل هذه الدول في إنتاج بعض السلع الاستراتيجية بحيث لا تؤثر مستقبلاً علي علاقاتها.. وأن تقوي العلاقات الثقافية والتراثية بحيث يزداد تقارب هذه الشعوب وتصبح بمثابة الجسد الواحد. كل هذا الدور الذي تقوم به الجامعة العربية يجب أن يمنع تدخل دولة عربية في الشئون الداخلية لدولة شقيقة.. وتترك للدول حرية اختيار النظام السياسي في الحكم دون انتقاد الشعوب في اختيار نظامها الحاكم. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيترتب عليه مسائل كثيرة في توجيه سياستها الخارجية وفي علاقاتها الاقتصادية مع الأوروبيين.. وخاصة ما يتعلق بهجرتهم إليها.. وأزمة اللاجئين وإنشاء قوة عسكرية موحدة للتصدي لروسيا.. وافتقار الاتحاد الأوروبي للديمقراطية.. والرسوم علي البضائع حتي وإن كان ديفيد كاميرون قد وعد باستمرار حرية التنقل للأوروبيين. بدأت أصوات في فرنسا وهولندا وأسبانيا تطالب بالاستفتاء علي البقاء في الاتحاد الأوروبي علي غرار ما جري في بريطانيا مما يوحي أن هذا الاتحاد في طريقة للتفكك التام. هذا الذي حدث في بريطانيا.. له دلالتان: * الأولي أن فكر تنظيم "داعش" الذي يتزعمه أبوبكر البغدادي لإقامة خلافة إسلامية إنما هو فكر فاسد.. لأن هذا التنظيم ينتهج نفس الهمجية التي قام بها المغول في حروبهم ضد العرب.. ثم أنه يوجه أسلحته لرقاب المسلمين خاصة وهو الأمر الذي أوغر صدور كل مسلم ضد هذا التنظيم. وعلي البغدادي أن يأخذ العبرة من ذلك لأن الدوائر بدأت تدور عليه ونفوذه بدأ يتقلص في الدول التي سعي لخرابها. * الأمر الثاني أن رجب طيب أردوغان رئيس تركيا الموالي للإخوان وحامي حماهم عليه أن يتأكد أن فكرته في إعادة الخلافة العثمانية أمر بعيد عن تخيلاته وأحلامه.. وها هو الكيان الذي سعي لانضمام بلده إليه بدأ ينهار. قلنا في بداية المقال إن الدنيا تتغير بسرعة وأكدنا ذلك بالدليل والبرهان.