مواجهة الفن الهابط ومحاربة أفلام الابتذال ومعالجة الهبوط والتدني في الذوق العام يحتاج لمشروع قومي ضخم لإعادة الإنسان المصري صاحب الحضارة العريقة. خاصة في ظل عدم وجود رؤية حقيقية لوزارة الثقافة وقصر اهتمامها علي الفعاليات الرسمية والمهرجانات غير المؤثرة والبعيدة تماماً عن واقع المواطن المصري. هذا ما أكده عمداء كليات الفنون في الندوة التي عقدتها "المساء الأسبوعية" في محاولة لوضع روشتة إنقاذ للفن الجميل وإحياء دور القوي الناعمة في مواجهة الإرهاب والأفكار الظلامية. بإجماع الآراء طالبوا بالتربية الجمالية للنشء وتبني المواهب ورعايتها ومواجهة مخطط ضياع الهوية وضعف اللهجة المصرية بتدخل الدولة في الإنتاج الجيد غير الهادف للربح وحماية الملكية الفكرية للحد من خسائر المنتجين واصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد الفني وتقديم الخدمة الثقافية التي تنفذ تعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسي في الحرص علي وعي المواطن. افتتح الندوة الكاتب الصحفي "سامي حامد" رئيس التحرير بكلمة رحب من خلالها بأسرة الأكاديمية ثم تحدثت د.أحلام يونس وقدمت دكاترة وعمداء المعاهد بالأكاديمية. بدأت الندوة بسؤال وجهه رئيس التحرير قائلا: ان مصر ظلت لعقود طويلة رائدة الفنون وأنجبت عمالقة.. والآن.. للأسف.. المستوي انحدر وتدهور.. فما الأسباب وكيف تسترد مصر مكانتها؟ ** الدكتورة أحلام يونس رئيس أكاديمية الفنون قالت الأكاديمية هي أصل الفن في مصر والوطن العربي دورها تخريج الفنانين من ممثلين ومخرجين ومطربين وغيرهم لتغذي المنطقة بالفن الراقي وتفتخر بذلك ولكن في السنوات الخمس الماضية حدث تراجع شديد في كل شيء وليس في الفن فقط ولكن لدينا استراتيجية لنعود بالماضي الراقي وزمن الفن الجميل. أضافت: الاشكالية ان الأكاديمية جهة تعليمية وليست انتاجية فرغم القوة والطاقة الموجودة في 7 معاهد بالأكاديمية إلا ان المتحكم الأول هو الانتاج الذي يهدف للربح ولم تعد الدولة تنتج الفن الجيد الذي يواجه راغبي الربح ما أتاح الفرصة لظهور هذا النوع من الفنون الرديئة ومع هذه الظروف والسلبيات إلا اننا عازمون علي النهوض بالفن المصري وإعادته إلي موقعه "رقم واحد" من خلال عقد بروتوكولات علمية لتطوير المناهج الفنية ومواكبة تطورات العصر مع أكبر المعاهد والكليات الفنية في الموسيقي والسينما والباليه علي مستوي العالم. * ما رؤيتكم لتطوير المناهج الفنية؟ ** د.أحلام: توليت العمل كرئيسة للأكاديمية منذ عام تقريباً لأصبح أول سيدة تشغل هذا المنصب بعد الدكتورة "لطيفة الزيات" والدكتورة "سمحة الخولي" ثم توالي علي هذا المنصب رؤساء رجال لمدة 30 سنة واتمني ان اترك بصمة في تاريخ الأكاديمية مثلهما ولهذا اكثف من نشاط الاكاديمية وقمنا بعقد "المؤتمر العلمي" الذي استضاف خبراء الفنون من أغلب دول العالم وتم تطوير مشروعات التخرج للطلبة باستخدام التقنيات الحديثة وبأفكار هادفة وقوية ومؤخراً نسعي للإنتاج الجاد لخدمة الثقافة والذوق المصري معتمدين علي التطور التكنولوجي الذي حدث في الإخراج والتصوير. * ماذا عن المناهج؟ ** تطوير المناهج يعتمد الآن علي التغيير التكنولوجي المستمر خاصة في فن التصوير.. وكل معهد بالأكاديمية يحاول تطوير مناهجه بما يواكب التقنيات الجديدة وأحدث ما وصل إليه العالم وتجنب التعليم الأممي بل الاعتماد علي الابداع ونقدم للخريج الدعم العلمي حتي يخرج ابداعه للنور بشكل راق ومحترم ومؤثر. * كيف يمكن الارتقاء بالذوق ومواجهة التدني؟ ** لابد من الاهتمام بالذوق والتربية الفنية والحسية منذ الصغر فعندما يعتاد الطفل علي اللامبالاة ورؤية الأشياء القبيحة فإنه يكبر علي هذه المشاعر ويقتل بداخله الاحساس بالجمال وعندما تعتاد أذنه علي سماع الطرب الجميل والفن الراقي يمكنه الفرز بين الجيد والنشاز فترة الصغر هي اللبنة الأولي التي تضع أسس التذوق وهي مرحلة خطيرة تقع علي عاتق المجتمع ككل من الأسرة والمدرسة والاعلام ولكن المشكلة ان الجميع مازال يتعامل مع الاحساس الفني والتذوق الجمالي علي أنه رفاهية وليس أساس تربية. * ما دور الأكاديمية في معالجة ظاهرة الابتذال التي يعاني منها المجتمع المصري؟! ** الدكتور "عادل يحيي" نائب رئيس الاكاديمية: المجتمع يعاني من أزمة انقسام كثير من الفئات فأصبح منفصلا وليس متصلاً كما كان في زمن العمالقة.. الشعراء والصحفيون والأدباء والملحنون والمطربون كانوا مع الدولة في بوتقة واحدة. الكل كان يعمل لإخراج أجمل ما فينا ولكن الآن تحاسبني عن الابتذال المتفشي والأكاديمية لا تملك السيطرة عليه لأن دورها تخريج طالب مبدع متميز فقط لكن بعد ذلك تتم قيادته من قبل جهات تتحكم في السوق وتحويله لمبتذل من أجل الكسب السريع.. الأكاديمية علمته صنعة الفن الراقي وساعدت في نضج موهبته وصقلها بالتعليم وبالتالي انها مسئولية الدولة وليست مسئولية الأكاديمية لأن الأكاديمية ليست جهة انتاج لكنها مسئولة عن تفريخ ابداع يقوده المجتمع ويتحكم فيه رأس المال. * ما الحل إذن؟ ** ان يكون هناك مشروع قومي ضخم يتبني كيفية صناعة الموهبة وتوصيلها للمجتمع في كافة مجالات الفنون وتطوير الأغنية والإخراج خاصة ان موهبة الاخراج موهبة خاصة تميز بها المصري عن غيره في المنطقة العربية بأكملها.. الأزمة تكمن في الانهيار الحادث في المجالات كافة والتدني في الذوق العام سواء في اختيار الأغنية أو الأفلام الهابطة لقد غفلنا عن هذا الهبوط الذي وصل إلي حد الاسفاف والابتذال وشارك فيه كثير من العوامل منها تعدد الفضائيات والسماوات المفتوحة والموبايلات الناقلة لثقافات الغرب واليوتيوب وغيرها.. ورغم ذلك يمكن العودة إلي زمن الريادة في حالة ان نكون مجتمعاً متصلا وتضافر الجميع تحت راية مشروع قومي. تستطرد : أم كلثوم وفريد وعبدالحليم وغيرهم من المبدعين وفي الأدب مجدداً نجيب محفوظ ويوسف السباعي وثروت أباظة وغيرهما لأن مصر ولادة للنابغين والمبدعين. * وماذا عن الواسطة في أختيار قبول الطلبة بالأكاديمية؟! ** د.عادل يحيي مدافعاً الأكاديمية المكان الوحيد الذي يفشل فيه الواسطة لأن الموهبة تفرض نفسها علي الجميع وإذا دخل طالب بالواسطة سوف يفشل في أول اختبار حقيقي أمام الجمهور ولكن هناك فرق بين الواسطة بدون موهبة وابن أحد المبدعين الذي تربي في جو فني ويتمتع بموهبة حقيقية والدليل علي ذلك عندما شارك ابن مدحت السباعي في مسابقة رسمية بلندن وحصل علي الجائزة فهل هذا ينطبق عليه لفظ الواسطة؟! دليل آخر عملي ان الأكاديمية لا تتبني سوي المواهب الحقيقية مشاركة الأكاديمية بفيلم يعرض في مهرجان كان السينمائي فيلم قصير وهذا دليل جودة الأكاديمية في تأهيل الطلبة وخروجهم للعالمية وهذا يعني اننا نهتم بالموهبة في الأساس. قسم الاخراج مثلا يحتاج إلي "10 طلاب فقط" ونتلقي التوصيات ل "250 طالب" فأين الواسطة؟ الاختيار يتم علي أساس الموهبة وهذا يتم بالفعل في قسم التصوير. العام الماضي شهد رسوب 85 طالبا من بينهم أبناء سينمائيين. القوة الناعمة * هل هناك مخطط للتأثير علي القوة الناعمة في مصر؟! ** نعم هناك مخطط لسلب التأثير المصري في الإقليم والعالم بواسطة قوانا الناعمة في زمن فريد شوقي كان هو نجم شباك في تركيا وتتم دبلجة الفيلم المصري وعرضه في إيرانوتركيا وقد أكد لي أحد رواد السينما الإيراينة أنه تعلم السينما في مصر وعن طريق الافلام المصرية التي كانت تدبلج وتعرض باستمرار ولكن تغير الوضع الآن والفيلم والمسلسل التركي في حالة غزو للمجتمع المصري واستطاع غرس مفاهيم وثقافات من خلال الدراما التي أثرت علي اللهجة المصرية. حيث أن الأجيال الجديدة أصبحت تتحدث باللهجات الشامية مما يساهم في ضياع اللهجة والهوية المصرية وهذا يحتاج للإنقاذ السريع. لمشروع قومي للنهوض بالفنون المصرية وإستعادة مكانتها وسط العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا المشروع لا يقل أهمية عن البعثات الخارجية. نحن ساهمنا من جانبنا لتحقيق جزء من هذا المخطط الخبيث ونحن في حاجة للتخطيط لاستعادة مصر ريادتها ومكانتها ضمن استراتيجية "2030" ضمن التنمية المستدامة لمصر. * هل تقاعس الدول عن الإنتاج وترك الساحة للقطاع الخاص ساهم في زيادة الأسفاف؟! ** نعم تقاعس الدولة عن انتاج الأفلام الهادفة والموثقة لفترات من تاريخ المجتمع ورصد ما يدور في الشارع المصري ترك الساحة للقطاع الخاص يفعل ما يشاء الذي اعتمد علي انها تجارة وصناعة ولابد من الربح والكسب السريع يجب مواجهة كل هذا ونحن نعد للجمهورية الثالثة ونستغل حالة الحراك ونعزز ثقافتها واعلامها وفنها وهذه مسئولية من بيده الأمر. * أين الخطوات العملية لتحقيق هذه الأفكار؟ ** العمل الآن في الأكاديمية يتم بشكل مختلف ويؤخذ القرار بالمشاركة لوضع رؤية عامة وليست بأوامر فوقية والجانب الآخر تنمية التقنية بتعلية الأجهزة وغرس مباديء العمل بروح الفريق لخروج منتج أفضل وأكثر جاذبية وتفاعلية بمعايير الجودة لإعداد طالب بمواصفات عالمية.. أما بالنسبة لسوء المستوي الفني فيرجع إلي عدم حماية الملكية الفكرية فبمجرد العرض الاول للفيلم تتم سرقته وإذاعته علي "النت" مما يحقق خسائر كبيرة للمنتج وهذا ينطبق علي السينما والغناء وكل شيء.. احتكار بعض القنوات الفضائية للفنانين ومنحهم أجور خيالية سبب آخر يؤدي إلي حدوث أزمة للقنوات الأخري التي لا تستطيع مواجهة هذه القنوات.. والإشكالية الاكبر حجم الأعلانات الهزيل ففي رمضان الماضي وصلت الي "400 مليون جنيه" في حين حجم الدراما وصل إلي مليار و200 مليون جنيه لانتاج 60 مسلسلاً وبالتالي فإن رمضان الشهر القادم لم ينتج أكثر من 20 مسلسل فقط بسبب أن القنوات اصبحت مديونةة بمبالغ باهظة جدا للمنتجين ومع كل ذلك لايمكن تقديم انتاج وفن جيد. * والحل من وجهة نظرك؟! ** إصدار قوانين صارمة ومفعلة لحماية الملكية الفكرية وحق الأداء العلني مما يعطي ثقة واطمئنان للمخرج بأن عملهما لن يسرق بل سيحقق ارباحا. * كيف يساهم معهد "الكونسرفتوار" في تنقية الذوق ورقي المجتمع؟! ** الدكتور "مصطفي جرانة" عميد المعهد: لابد من عودة الاهتمام بالفرق الموسيقية الاوكسترا والكورال والعزف والغناء الجماعي لانها تساعد في نشر الثقافة الفنية المعهد هو الوحيد علي مستوي الشرق الأوسط الذي يخرج عازفين بمواصفات عالمية ومنهم رمزي يس ووائل فاروق المدرس بجامعات أمريكا وحسن شرارة ومصطفي ناجي وإيناس عبدالدايم وغيرهم ولهذا نطالب بتعديل اللوائح لتكون مواكبة لمنهجية التحديث المستمر العالمي والذي يميز اكاديمية الفنون المصرية خاصة ان رئيسة الاكاديمية الحالية نجحت في إعادة الفرق الموسيقية للساحة مرة ثانية حيث شهدت الاكاديمية أكبر حفل في تاريخ المعهد شمل 200 طالب من جميع المراحل العمرية وهي سابقة اولي من نوعها مما يبشر بالأمل في المرحلة القادمة والمعهد يقبل الاطفال من سن ثالثة ابتدائي ويدرس الطالب المواد التربوية المدرسية العادية إلي جانب دراسة ساعات الموسيقي التي يبدع منها ومن أكبر الازمات التي تواجه المعهد نقص الامكانيات ومنها عدم وجود اتوبيسات للاكاديمية تقوم بتوصيل الطلبة مما يعد العائق الاول لاولياء الأمور في استمرار أولادهم في دراسة الفنون والاهتمام بتربية النشء علي الجماليات والمباديء وتطوير المناهج وتحمل المسئولية في احترام التراث يخرج بقوة ناعمة تستطيع مواجهة الارهاب. * ما علاقة حرية التعبير بالرقابة؟! ** الدكتورة "رانيا يحيي" المشرفة علي إدارة الاعلام وعضو هيئة التدريس: المطالبة بحرية التعبير لا تتنافس مع الرقابة لأن حرية الرأي تحافظ علي الذوق العام واحترام القيم والدولة مطالبة بالتنمية الثقافية والفنية علي غرار التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمار فهي خدمة يحتاجها المواطن كالخدمات الصحية والتعليمية لابد من وضع استراتيجية ثقافية تسير عليها الارهاب والافكار الظلامية.. مؤسسات وزارة الثقافة بلا رؤية حقيقية تتواكب مع أفكار الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يؤكد دائما علي أهمية وعي المواطن ولكن الوزارة عاكفة علي الأنشطة والمهرجانات غير المؤثرة علي أرض الواقع. نحن في حاجة لايقاظ الهوية العربية والمصرية والحفاظ علي اللغة واللهجات من خلال الفنون الجيدة التي تحفر في التاريخ واعطيك مثلا فرغم افتتاح مشروع قناة السويس العملاق لم تعد أغنية مؤثرة ترشح في الأذهان هذا المشروع علي غرار مشروع السد العالي. تكريم وفي نهاية الندوة قدم سامي حامد رئيس تحرير "المساء" درع التميز للدكتورة أحلام يونس عرفانا بمجهودها بالاكاديمية.