الحساب الختامي فيه عجز.. برلمانيون يوصون بعدم الموافقة على أي قروض للحكومة    انطلاق الموسم الأول لمسابقة اكتشاف المواهب الفنية لطلاب جامعة القاهرة الدولية    وزيرة التعاون تبحث مع سفير أذربيجان انعقاد الدورة من اللجنة المشتركة بالقاهرة    انخفضت 170 ألف جنيه.. أسعار ومواصفات هيونداي أكسنت RB الجديدة بمصر    روسيا تهدد باستهداف القوات الفرنسية حال ذهابها لأوكرانيا    روسيا تشن هجومًا جويًا هائلاً على منظومة الكهرباء الأوكرانية    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    فلوس وحب ونجاح.. ما أكثر برج محظوظ في شهر مايو؟    "البيرة مش بتاعتنا".. أول تعليق من فاطمة ناعوت على هجوم علاء مبارك    وزير النقل: تنفيذ خطة شاملة لتطوير الخطَّين الأول والثاني للمترو.. وتصنيع وتوريد 55 قطارًا    توخيل: من المستبعد التواجد في بايرن الموسم القادم.. وأحب الدوري الإنجليزي    متابعة لمشروعات حياة كريمة بقرى ديرمواس في المنيا    «المصرية للمعارض» تدعو الشركات للمشاركة في معرض طرابلس الدولي في الفترة من 15 - 21مايو    غرامة مالية وترحيل.. ننشر موعد تطبيق عقوبة مخالفة تعليمات الحج 1445    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    «تعليم كفر الشيخ»: غرفة العمليات لم تتلق أي شكاوى في أول امتحانات الفصل الدراسي الثاني    رئيس الوزراء يؤكد أهمية استمرار جهود ضبط الفاقد من الشبكات الكهربائية    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    حماس ترحب باعتراف جزر البهاما بدولة فلسطين    مسؤول إسرائيلي: لا نرى أي مؤشرات على تحقيق انفراج في محادثات الهدنة في غزة    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    رئيس نادي خيتافي يكشف مصير ميسون جرينوود في الموسم المقبل    أخبار الأهلي : اليوم ..حفل تأبين العامري فاروق بالأهلي بحضور كبار مسؤولي الرياضة    أفضل دعاء للأبناء بالنجاح والتوفيق في الامتحانات.. رددها دائما    خان شقيقه بمعاشرة زوجته ثم أنهى حياته بمساعدتها في كفر الشيخ    احذر.. الحبس 7 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه عقوبة التنقيب عن الآثار بالقانون    صادرات السيارات بكوريا الجنوبية تقفز 10.3% خلال أبريل الماضي    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    أصالة تحذف صورها مع زوجها فائق حسن.. وتثير شكوك الانفصال    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    البنك المركزي يصدر تعليمات منظمة للتعامل مع الشكاوي بالبنوك    وزير الخارجية الإيراني: طهران والقاهرة تتجهان نحو إعادة علاقاتهما الدبلوماسية إلي طبيعتها    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    نائب يسخر من تخفيف أحمال الكهرباء: الحكومة عاملة عرض ساعتين بدل ساعة    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    لبلبة و سلمي الشماع أبرز الحضور في ختام مهرجان بردية للسينما    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد اللاوندي.. ضحكةُ الماءِ الَّتي تنطلقُ ألمًا وسُخريةً وحُلما
نشر في المساء يوم 16 - 05 - 2016

رغم أن ظاهرة العنونة من الظواهر المضافة في الفترات الحديثة للنص لم يتكئ الشعر الجاهلي أو الشعر في العصور الإسلامية عليها. وكانت القصيدة في معظم التاريخ الأدبي تلحق غرضها,أو رويها بالإضافة لشاعرها.
فقد كان يقال لامية الشنفري. أو مرثية أبي ذؤيب. أو القصيدة اليتيمة. إلخ... إلا أن العنوان في العصر الحديث صار له الكثير من الأهمية
والحق أن عنوان ديوان "أنا ضحكة الماء حين أمر" الصادر مؤخرا عن سلسلة الإبداع الشعري المعاصر بالهيئة المصرية العامة للكتاب هو ما لفت نظري لقراءة ديوان الشاعر أحمد اللاوندي فهو خطوة جديدة من مسيرة الشاعر التي تمتاز بالنص الغنائي بكل صفاته الموسيقية والأسلوبية. حيث يلتزم الشاعر بالوزن الخليلي وبطريقة تجعل للموسيقي حضورا عاليا في النص كما في قوله:
"تحنُّ الرُّوحُ يا "ليلي" لطلَّةِ وجهِكِ الرَّائعْ / لنهرِ براءةي يمحو جسارةَ حزننا الفارعْ / فمُرِّي مِنْ هُنا مُرِّي لترحلَ ظُلمةُ الشَّارعْ"
وكما هو واضح حرص الشاعر علي الوزن. وعلي التقفية. وينتشر هذا الحرص في الديوان كله مما يجعلنا نكاد نجزم أن الشاعر يعتنق الإيمان بالوزن في النص كإحدي مقوماته. فالحق أنا لم أقبض علي الشاعر متلبسا بالتجريب خارج الأطر الخليلية في كل الديوان. أما أساليب النص الغنائي فقد حضرت بشدة في كل القصائد ويتمثل هذا في:
1" حضور الذات الشاعرة في كل النصوص:
فلم يتناول الشاعر قضية مجردة يتكلم عنها بذاتها حتي حين تكلم عن الوطن وهمومه. ولم يعدد هذه الهموم ويصنفها كناقد معارض لأوضاع سيئة لكنه رصد تأثره كإنسان وكشاعر من هذه المشكلات حيث يقول:
"لا الْحُزْنُ يَرْحَلُ مِنْ دِمَانا. لا الْهَزائمُ فَارَقَتْ سَمْتَ الرُّؤي. ما عَادَ لِلْكَلِمَاتِ لَحْنى أعْذَبُ / يا مِصْرُ لا تَبْكِي إذا انْكَسَرَ النَّشيدُ. وَضَمَّ قِطَّتَنا الأليفةَ عَقْرَبُ / سَنَظَلُّ نَصْرُخُ في وجوهِ السَّارِقينَ شُموسَنا فشُموسُنا لا تغْرُبُ"
2" الإنشاد:
بعض النصوص الحداثية من الصعب التفاعل معها دون قراءة فشعراؤها يستخدمون التشكيل البصري. وفضاء الصفحة. وتقنيات أخري تجعل من الصعب أن يتفاعل معها المتلقي سماعيا. لكن شاعرنا يستخدم جملا تامة علي الأسطر الشعرية. متناسقة الإيقاع. تدور فيها القافية بصورة منتظمة. وتكاد تكون بدورات متساوية. مما يعطي الشاعر ونصه حضورا في تجمعات الإلقاء الصوتي. ولا يشعر المتلقي بتيه. أو عدم تواصل ويصير سيان أن يسمع النص أو يقرأه..كقوله:
"مُرِّي عَلَيَّ لكي يَفُوحَ يَرَاعِي. وَيَزُولَ هَذَا الغَيْمُ مِنْ أضْلاعِي / مُرِّي عَلَيَّ فَقَدْ تَعِبْتُ مِنَ الجِرَاحِ جَمِيعِهَا. وَالدَّمْعُ أغْرَقَ مُهْجَتِي. وَشِرَاعِي / صَعْبى أعِيشُ العُمْرَ يَسْكُنُني الرَّدي. وَجَعُ الحَيَاةِ يَئِنُّ مِنْ أوْجَاعِي / مَازِلْتُ أحْلُمُ يَا أمِيرَةُ بالهَوَي..لا. لَيْسَ غَيْرُكِ تَشْتَهِيهِ بِقَاعِي".
3" مخاطبة العاطفة والعقل دون تعقيدات تصويرية:
لا يميل الشاعر إلي الصور المركبة كثيرا. أو إلي مواراة المعاني ومداراتها فهو أقرب للتأثيرية من أي شيء أخر. لهذا نجده يستخدم التعبيرات الجميلة والصور الرشيقة ببلاغة جلية في عرض واضح لقضيته. أو تجربته وكأنه يريد أن يستحوذ علي المتلقي كله بكل أحاسيسه وتفكيره لشحنه بما يريد.. يقول:
"قلْ: كيفَ نمشي والطَّريقُ مُروِّعَةْ؟ مُدُنُ الغوايةِ حاصرتْ نخْلَ الرُّؤي. ويمامُ قلبيْنا انزوي هلا نعودُ الآنَ حتَّي نسْمَعَهْ / هذي جراحُ الشَّوقِ تنزفُ. والهوي سُفُنى يُطاردها انكسارُ الأشْرِعَةْ / سِتُّونَ حُزْنًا والبلادُ بلا بلادي . والمَدي شَبَحى يُطلُّ. وقَدْ فقدنا الأمتِعَةْ"
4" المشاركة:
بذكاء فني يستخدم اللغة فيميل إلي إسقاط تجاربه علي هموم عامة إنسانية وسياسية وغير ذلك مما يشترك في تقاسمه الجميع من الهموم فيخاطب المتلقي بضمير المخاطب. الغائب أحيانا والحاضر أخري مثلا حين يتكلم عن تكميم الأفواه رغم وجوب الشكوي يقول أحمد اللاوندي:
"قُلْ ما تُريدُ لكي تجيءَ سحابةُ الفَرَحِ القديمِ. وكي يَمُرَّ أمامَ غيمِ الرُّوحِ طَيفْ / قُلْ ما تُريدُ فكمْ ظللتَ العُمرَ مقهورًا. ومأسورًا؟ / وكمْ ضاقَ البراحُ أمامَ خطوِكَ فانْكَسَرْتَ وأنْتَ بَيْنَ الأهْلِ ضَيفْ؟"
وأما من الناحية الموضوعية فهو كما يتكلم عن نفسه يتكلم أكثر عما يشترك فيه وأبناء الوطن من هموم فها هو يكتب:
"هذي الكآبةُ لَمْ تزلْ ترنو لنا" وعن مفهوم الأخوة في مكان واحد يقول في قصيدة أخي: "جِئْتَ بِسَيْفِكَ كَي تقْتُلَنِي / لَكِنِّي جِئْتُ بِسَيْفِي كَي أحْمِيَكَ بِهَذَا الدَّرب" أو يتكلم بضمير الجمع فيقول: "أمَا آنَ أنْ نَتَوَحَّدَ يَا شَعْبَنا الْعَرَبِيَّ لِنَطْرُدَ كُلَّ الْغُزَاةِ. وَنَنْصِبَ مِشْنَقَةً للِّصُوصِ. وَمِشْنَقَةً لِلْغَجَر"
ومن القضايا القومية حضور قضية القدس فيطل علينا بقوله:
"لا جُرْحَ يُشْبِهُ جُرْحَنَا / وَدِّعْ سِنِينَ الْخِزْيِ. أعْلِنْ أنَّنَا أُسْدى بِسَاحَاتِ القِتَالِ وَسَوْفَ نُرْجِعُ قُدْسَنَا"
وهكذا نجد حضورا كثيفا للقضايا المشتركة في الديوان يعبر عنها شاعرنا في رغبة وإصرار بضمائر الجمع. أو إعلان الفئة المقصودة بالخطاب كالعرب والمصريين.
ورغم أن مساحة الحزن والانكسار وأسبابهما كثيرة في الديوان ويتضح هذا في الأمثلة السابقة فإن بالديوان مسحة من الحلم والأمل وكأن الشاعر يري أن الفرح ليس بعيدا رغم كثافة الحاضر المر.. فقط هي انفراجة وسترتوي الأرض التي تشققت من الجفاف حتي تسمع صوت الضحكة من انسياب الماء وهو يغمر الشقوق التي خلفها العطش..وهي الصورة العميقة المرسومة في عنوان الديوان والتي ندركها نحن القرويون الفلاحون حين نروي الأرض العطشانة بركلة من القدم للسد أمام الماء فينساب غامرا الأرض محدثا صوتا ككركرة الضاحك وهو يتغلغل في الشقوق وكأن الشاعر يطمئننا ويحفزنا علي ري أنفسنا.
هي ركلة لا أكثر. ومسحة الحلم والأمل الأخري جاءت في الإهداء فالشاعر يهدي الديوان إلي ابنته "لمي" وهي الطفلة التي لم تزل دون السادسة من عمرها.. وكأنه لا يفقد الأمل,فإن لم يجده في الكبار فهو ينتظره في المستقبل- متمثلا في الطفلة - فيهدي إليه عصير روحه الشاعرة ليتزود به. كما جاء المفتتح دالا علي هذا الأمل.. يقول:
"مَعَهَا / يُصْبحُ هذا الضَّيِّقُ / أوْسَعَ / مِنْ أيِّ بَرَاحي / آخَرْ" فقد تعود معها "الطفلة / المستقبل" أو "القصيدة / الحلم" وكأن الشاعر يحثنا لننساب كموج الماء نغمر شروح أرواحنا بركلة واحدة نشوط بها الخوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.