قبل أن أكتب عن فيلم "كتاب الأدغال" Jungle Book أود لو أستطيع أن أصف ردود الفعل المدهشة فعلا علي عدد من أطفال الأسرة من أعمار مختلفة "4 سنوات - 7 - 11 سنة". إحساس غامر بالإثارة. بالانشراح. أحدهم يتذكر مشهد أعجبه والآخر يقلد أحد الحيوانات ويصف مشاعر الخوف "الفيلم ثلاثي الأبعاد" عند اقتراب الحيوانات من مقعده الذي يجلس عليه! الأصغر يصف شعوره "بالنظارة" الخاصة بالفرجة علي هذا الشكل السينمائي. "كتاب الأدغال" الذي تحول إلي فيلم رسوم متحركة عام 1967 مجموعة من الحكايات الخيالية المبهرة للمؤلف روديارد كيبلنج ويعتبر واحدا من أجمل وأشهر الكتب الخاصة بالأطفال وأكثرها انتشارا ونجاحا. والنسخة الجديدة المعروضة حالياً والتي اعادت انتاجها شركة والت ديزني أضيفت إليها الامكانيات التكنولوجية بعيدة الأثر لتضاعف عناصر الإبهار بفضل المؤثرات البصرية والسمعية المثيرة التي تجعل الفرجة أكثر نفاذا واستحواذا علي مخيلة الأطفال وفي نفس الوقت يستمتع بها الكبار. عالم ديزني عجيب وغريب وساحر ومثير يدلف إليه الأطفال تلقائيا ويتوحدون مع أبطاله حتي الحيوانات وفي الأدغال يدخلون إلي حيث الغابة يتابعون المغامرات الخيالية وسط الجبال والبراري والأشجار البرية الضخمة ويتوحدون مع الصبي بطل الحكاية المثيرة التي يتبناه الذئاب ويتولون تدريبه حتي يكتسب صفاتهم ويصبح منهم.. عالم غريب يضم الحيوانات والبشر. أصوات الحيوانات وحواراتهم تتسلل إلي آذان وعقول ووجدان جمهور الأطفال عندما يؤديها نجوم كبار بأسلوب مؤثر يضاعف الاحساس ويجعل شخصيات الحيوانات جزءا عضويا في العالم الذي يترسب في ذاكرتهم بعد الفرجة علي الطفل "موجلي" بطل "الأدغال" بملامحه الآسيوية القريبة جداً من ملامح كثير من الأطفال عندنا. مخرج الفيلم "جون فافرو" يعيد بعث أحداث الفيلم بإدارك الفنان العاشق لجمهوره ويعرف كيفية ارضائه والتأثير علي ردود فعله وأغلبه من "الأطفال" يعرف كيفية تحويل الأحداث إلي ما يشبه الحلم الفانتازي الذي يفتح لهم بابا سحريا للولوج إلي مجتمع الغابة بحيواناته من نوع الدرب الكسلان والذئب الإنسان والثعبان غير السام والنمر الشرير. إلخ.. بالإضافة إلي الموسيقي الموحية والمشاهد المشحونة بالإثارة والألوان والحركة والتفاصيل المحركة للحواس. عالم غريب ومفعم بالتشويق ولكنه حميم ومقرب جدا تشيعه الحكاية والعناصر المرئية والسمعية. عالم يجمع بين الجمال والسحر والحواديت المسلية ويفتح آفاقا غير محدودة للسباحة في الخيال.. انه الابداع الطفولي الذي يغذي الوجدان ويستقر في الذاكرة. شركة ديزني تعتبر من بين المؤسسات الشعبية الثقافية الفنية الترفيهية التي تعتبر إحدي القوي الأمريكية نافذة التأثير علي أجيال النشء في العالم. وهناك أكثر من زاوية للنظر إلي هذه المؤسسة "ديزني" وانتاجها بالغ التأثير والتي تحتاج إلي تحليل أعمق يتجاوز مجرد الترفيه والتسلية إلي زرع الأفكار والقيم في أدمغة ملايين الأطفال وقد مارست أفلام ديزني منذ أربعينيات القرن الماضي من خلال انتاجها الغزير تأثيرا فكريا وقيميا عميقا لا يخلو من الجوانب السلبية.. وسبق أن أشرت إلي الدور الذي تلعبه مؤسسات ديزني الثقافية التجارية الترفيهية التي لا تقف عند الانتاج السينمائي وانما هناك اصدارات الكتب والفيديو جيم والملابس. الخ.. ولا بأس من أن تعود لتأملها.