بالصور.. محمد فؤاد يشعل حفله بالساحل الشمالي بحضور غير مسبوق    انطلاق الحملة القومية للتحصين ضد فيروس الحمى القلاعية بكفر الشيخ    تشكيل إنبي للقاء وادي دجلة في الدوري    نتائج بطولة كأس مصر للتجديف بالإسماعيلية.. القناة في المركز الأول    مدير تعليم القليوبية يتابع مجريات سير امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني    الأقصر للسينما الافريقية يطلق استمارة قبول الأفلام لدورته ال15 في مارس 2026    كريم عفيفي: عادل إمام "الزعيم" بأمر من الجمهور.. وهكذا أختار أدواري| حوار    أعراض متشابهة وأسباب متنوعة لإصابة الكبد بأكثر من 100 مرض    الصين تقاضي كندا أمام منظمة التجارة العالمية بسبب رسوم الصلب    نائب: البيان العربي الإسلامي حمل ردًا حاسمًا حول مزاعم "إسرائيل الكبرى"    الدنمارك تدرس فرض عقوبات على إسرائيل    اليوم.. جامعة القاهرة الأهلية تُطلق التسجيل الإلكتروني لبيانات الطلاب تمهيدا للتنسيق    رئيس الوزراء يكلف المحافظين ببدء تشكيل لجان حصر وحدات الإيجار القديم    السيسي يوجه بتحقيق فائض أولي وزيادة الإنفاق على تكافل وكرامة والصحة والتعليم    إنفوجراف| ضوابط تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم شروط قانون الإيجار القديم    منال عوض: اتخاذ إجراءات تطويرية خاصة بمحمية وادي دجلة لتعزيز حمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية    نائب رئيس مركز الميزان لحقوق الإنسان: الاحتلال ينفذ إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا في حي الزيتون    «شعرت بنفس الشعور».. سلوت يعلق على بكاء صلاح بسبب تأبين جوتا    «شرف ما بعده شرف».. مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي    "حقوق أسيوط" تحتفي بمتفوقيها وتستعد لدعمهم ببرنامج تدريبي بمجلس الدولة    تفاصيل إصابة 6 أشخاص في تصادم دراجات نارية علي طريق في الدقهلية    إصابة 9 أشخاص باشتباه في تسمم غذائي إثر تناولهم وجبات بمكان ترفيهي بالشرقية    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    «حادث وادي الحراش».. إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام بعد مصرع 18 شخصًا في الجزائر (فيديو وصور)    بعد حريق محطة الحصايا.. إعادة تشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز إدفو    والدة الفنان صبحي خليل أوصت بدفنها بجوار والدها في الغربية    محافظ بورسعيد يناقش آليات الارتقاء بمنظومة الصرف الصحي ومياه الشرب    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    أحمد عاطف قطة: كأس العالم للأندية "حلم كبير".. وهذه رسالتي للاعبين الصغار    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    "عيشها بصحة".. قوافل التوعية الطبية تصل وديان جنوب سيناء (صور)    5 أطعمة تقلل من مستويات حمض البوليك في الجسم.. تناولها    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    التعليم: كتب وبوكليت مطبوع لتقييم الطلاب بالعام الدراسى 2026    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    وزارة التعليم: تحصيل مصروفات العام الدراسى 2026 والالتزام بالزي المدرسى    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    عملة ترامب الرقمية ترتفع بنحو 2.3% على إثر قمة بوتين- ترامب    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة سردية في العالم الروائي عند الأديب محمد جبريل
تجليات ارتباط الشخصية بالمّكان
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2016

إن الإبحار في العالم السردي للروائي الكبير محمد جبريل يضع اليد علي بعض مفاتيح الدخول لعوالمه الروائية . ومن تلك المفاتيح وأبرزها . مفتاح الارتباط المكاني للشخصيات . والذي يمكن اعتباره مبدأ شارحا في تأويل عالمه السردي . ونوضح في البداية أن طبيعة ذلك الارتباط تتجاوز مجرد النوستالجيا . أوالحنين الرومانسي للمكان . فالارتباط المكاني للشخصيات هنا . يتجاوز ذلك إلي ما هو أعمق بكثير . إنه ارتباط عضوي علي الطريقة المصرية. فالشخصيات لا تنفصل عن المكان علي الرغم من أن بقاءها في المكان قد يكون هوسبب شقائها واستمرار مأساتها والغريب في الأمر أن الشخصيات لا تفكر في خيار الفرار أوالهروب من المكان فخيار الفرار من المكان غير مطروح في وعي الشخصيات وهنا نستنتج دلالة تربط السياق الروائي عنده بالسياق الثقافي العام الذي أنتج فيه حيث يتوازي هذا الارتباط السردي بين مكوني الشخصية والمكان كعنصرين سرديين مع الارتباط الواقعي بين الشخصية المصرية وأرضها وهوالارتباط الذي يمثل جينا متوارثا تتناقله الغالبية العظمي لكل من عاش علي أرض مصر منذ سنوحي الطبيب المصري القديم الذي تمثلت مأساته في فراقه وطنه مصر وظل يكافح من أجل العودة برغم توافر كل سبل الحياة الكريمة له في المنفي حتي كانت عودته إيذانا بانتهاء المأساة . ولا نري في ذلك تعسفا في تأويل العالم السردي حيث قد سبقنا الدكتور ميلاد حنا في كتابه الأعمدة السبعة للشخصية المصرية إلي القول بوجود ما يشبه الجينات المتوارثة المتناقلة في الشخصية المصرية جيلا بعد جيل ومنذ العصر الفرعوني . ونحن نقترح هنا أن يكون أحد تلك الجينات هو جين الارتباط المكاني للشخصية وندلل علي وجوده بكتابات الروائي محمد جبريل فالكتاب هم ضمير الأمة وفي أعمالهم يتجسد الوعي الحقيقي لشعوبهم . أوليست الرواية كما يقال هي تاريخ متخيل يتم إنتاجه في سياق تاريخ حقيقي؟
وذلك الارتباط المكاني يتمظهر في العالم السردي عن الروائي محمد جبريل ويعلن عن نفسه عبر عدة ظواهر منها:
عتبات النصوص : والعنوان عتبة لدخول المتن - بحسب قول جينيت - وعندما نبدأ باستعرض عناوين أعماله نجد ما يقارب نصفها إما يحمل إشارة مكانية مباشرة مثل : سوق العيد حارة اليهود الأسوار قلعة الجبل الخليج الشاطئ الآخر رباعية بحري بأجزائها المينا الشرقية حكايات عن جزيرة فاروس وإذا أضفنا كتاباته في أدب المقال وفي الدراسات نجد مصر...من يريدها بسوء مصر في قصص كتابها المعاصرين والذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية في الأدب وكذا مصر المكان . وإما أن نجد العناوين تحمل إشارة مكانية غير مباشرة أو إشارة إلي حدث يستوجب حدوثه حضور مكاني ومثال ذلك : الصهبة النظر إلي أسفل البحر أمامها إلخ .
ارتباط المكون المكاني بأزمات الشخصية ولحظات تحولاتها الفارقة في مسارها السردي : ففي رواية الصهبة نقف علي حالة من الوعي الملتبس بين الواقع والوهم فالشخصية الرئيسية منصور سطوحي " والذي يعاني من فقدان الاتجاه بعد وفاة الأب الذي كان يسيطر علي كل مقدراته ومسارات حياته يقع في مخيلته حدوث الصهبة " وهي تجمع أشبه بالموالد الشعبية وله طقوس خاصة لا تخضع لمنطق العقل " في مكان الساحة المقابلة لمسجد نصر الدين وهنا يرتبط المكان بالحدث الرئيسي في الرواية وهوالصهبة والتي تجد الشخصية نفسها قد تورطت فيها بطريقة ما ثم تجد نفسها مطاردة من قبل أصحاب الصهبة وتمضي الرواية في تدفق مراوغ فهل حدثت الصهبة حقا أم أن محقق البوليس الذي ينفي حدوثها كاذب أم أنها حدثت في توهماته ليكون البرنامج السردي لشخصية منصور سطوحي والذي ينتظم مسار الرواية مجسدا لقول ابن الجوزي في " ذم العشق " حيث يقول : والتحقيق أن العشق شدة ميل النفس إلي صورة تلائم طبعها . فإذا قوي فكرها فيها تصورت حصولها وتمنت ذلك فيتجدد من شدة الفكر مرض " .
وفي رواية "الشاطئ الآخر" تطالعنا أزمة الشخصية حاتم رضوان مع السطر الأول في الرواية " قال أخي : أريدك أن تترك الشقة ! " فأزمة الشخصية ومعاناتها تتمثل في فقد المكان أو في أن تجبر علي تركه .
وفي رواية " المينا الشرقية " ترتبط أزمة الشخصية الرئيسة عادل مهدي في وجودها المكاني بمقهي المينا الشرقية » حيث تقام الندوة الثقافية وحيث فضاء شكوكه وارتيابه في المحيطين وتخميناته عمن يكون العين المراقبة التي ترصد عليه كل كلمة والملاحظة اللافته هنا أن أزمة شخصية عادل مهدي كان يمكن أن تنتهي من بدايتها إذا قررت الشخصية منذ بداية شعورها بالمراقبة أن تنفصل عن المكان - مقهي المينا الشرقية - لكنه ذلك الاصرار الدفين بأعمق أعماق النفس علي الاصرار علي البقاء في المكان برغم ما تجابهه الشخصية فيه عذابات .
3 - التوظيف الثقافي للمكان وارتباطه بوعي الشخصية : ففي رواية الشاطئ الآخر يكون انتقال حاتم رضوان من شقته إلي منزل الأسرة اليونانية أوإلي شقة ديميتري بمثابة الانتقال من ثقافة إلي ثقافة مغايرة أوعلي حد قول الشخصية " إلي دنيا غريبة جميلة لم يسبق لي دخولها : كازنتزاكس وناظم حكمت وبلزاك وزولا وفلوبير وفرجينا وولف وجيمس جويس وعشرات الأسماء التي عانيت في أول نطقي لها وعرفت هوميروس وإسخيلوس وأفلاطون وأرسطو.." في مقابلة مع شقة أبيه التي ترتبط بثقافة مغايرة يقول :" حولت النملية إلي مكتبة كدست فيها الكتب والمجلدات وقصاصات الصحف . وعلي الجدار لوحة لأدهم وانلي في غلاف مجلة وتدلت سبحة كبيرة الحبات . " ففي هذا الاطار المكاني المغاير يوجد إطار ثقافي موازي يقول :" كنت أقرأ لطه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين وهيكل والحكيم والزيات والمنفلوطي والسحار والبدوي ونجيب محفوظ ".
4 - كثافة الحضور المكاني : وتلك سمة أسلوبية بارزة في الخطاب السردي عند الروائي محمد جبريل فتواتر الإشارات المكانية وكثافة حضورها يخرج عن مجرد الإكتفاء برسم رتوش مكانية لتكوين فضاء مكاني يشكل خلفية تتحرك عليها الشخصيات أو يؤطر ما تحدثه من أحداث أويقع عليها من وقائع بل نجد إصرارا من أديبنا علي ذكر تفاصيل الأماكن والأحياء والشوارع واستقصاء تفاصيل مدينة الإسكندرية - التي تمثل بالنسبة له المجال الحيوي لارتباطه الوجداني - خاصة حي بحري وكأنه يقوم برسم خريطة للمكان بالكلمات أوحفر تفاصيل المكان في المشاهد الروائية حتي لا ينسرب من الذاكرة . ففي مطلع رواية الصهبة علي سبيل المثال نجد ما يقارب سبع عشرة إشارة مكانية في حوالي إثني عشر سطرا . ولا نعدم علي مدار عوالمه السردية وجود الكثير من الشواهد الدالة علي كثافة الإشارات المكانية علي النحو الذي أشرنا إليه .
وذلك علي نحويؤكد ما بدأنا به من أن ارتباط الشخوص بالمكان عند الروائي الكبير محمد جبريل له دلالة مزدوجة الأولي تقع داخل الخطاب السردي علي نحويجعل من ذلك الأرتباط أعمق من أن يكون مجرد خلفية تتحرك عليها الشخوص والأحداث والثانية دلالة تتجاوز الخطاب إلي السياق التاريخي لتجعل من ذلك الارتباط انعكاسا لعلاقة الشخصية المصرية بأرضها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.