«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي العفيفي يكمل مشروعه النقدي عن المبدع الكبير يوسف إدريس

أكمل رئيس تحرير أخبار الأدب السابق د.مجدي العفيفي، مشروعه النقدي الأكاديمي حول الكاتب الكبير يوسف إدريس.
وأصدرت الهيئة العامة للكتاب هذا الأسبوع كتابه الثاني "لذة القص في روايات يوسف إدريس - وهو رسالته للدكتوراه من جامعة القاهرة" بعد كتابه الأول "لغة الأعماق البعيدة.. دراسة في فن القصة القصيرة- وهي رسالته للماجستير من نفس الجامعة" وقد نشره المجلس الأعلى للثقافة قبل عامين.
ويكشف الناقد د. مجدي العفيفي، في كتابه "لذة القص في روايات يوسف إدريس" أسرارا كثيرة ودقيقة في عالم يوسف إدريس الروائي عبر القراءة الكاشفة لرواياته التسع:"قصة حب" و"قاع المدينة" و"الحرام" و"فيينا60" و"العيب"، و"العسكري الأسود" و"النداهة"، و"البيضاء" و"نيويورك 80" وهي تشكل أحد أضلاع المثلث الإبداعي ليوسف إدريس "فن القصة القصيرة، وفن الرواية، وفن المسرح" الذي يرتكز على منظومة تتجلى في وحدة إبداعية متجانسة، وحدة وجود، ووحدة فن، ووحدة فكر، تحكمها رؤية شاملة تنتظم أعماله الإبداعية، بما تطرحه من رؤى عميقة ومتطورة للإنسان والعالم والكون، وبما تحمله من معطيات فكرية ذات مرجعيات معرفية وجمالية، وبما تصوره من أنساق فنية يفضي بعضها إلى بعض عبر استراتيجية متناسجة في تجلياتها السردية على تباين أشكالها وتعدد مستوياتها.
وسعى الدكتور الناقد في أطروحته إلى الكشف - أولا - عن النظام العام لأدب يوسف إدريس الروائي، والكشف - ثانيا - عن العلاقات التي تجمع بين عناصر البناء المختلفة، بتقديم رؤية نقدية، لاستكشاف التشكيلات الجمالية في روايات يوسف إدريس، حيث تتبدى العناية بمفردات الخطاب الروائي التي تلقي بظلالها على تضافر هذه الأبنية لصالح الخطاب والحكاية معا، من حيث التماسك الفني، ومن حيث جدلية العلاقة بين العناصر الروائية، بما يثري النظر في تكوينات الخطاب العام، ثم الكشف - ثالثا - عن القيم الجمالية التي ينطوي عليها، بتحليل المكونات السردية للخطاب الروائى، وكيفية تضافر مقومات السرد وتحليل عناصره ووظائفه وتقنياته، ارتكازا على المنهج الجمالي الاجتماعي، وهو المنهج الذي ينظر به إلى الأدب من ناحية، كما أنه المنهج الذي يتناسب ودراسة البناء السردي لروايات يوسف إدريس من ناحية ثانية، ويساعد في الكشف عن الدور الذي لعبته أعماله بتأصيل الإنجاز الأدبي الذي حققته هذه الأعمال من ناحية ثالثة.
ويجيب المؤلف على مجموعة من التساؤلات: كيف استطاع يوسف إدريس أن يجسد جماليات البناء السردي في رواياته؟. وإلى أي مدى يتحقق تضافر الأبنية الفنية في أعماله الروائية؟ وإلى أي حد تشير رواياته إلى تطوره الفني اعتمادا على بنية فكرية تتمثل في رؤية للعالم تتوسط ما بين الأساس الاجتماعي الذي تصدر عنه، والأنساق الفنية والفكرية التي تحكمها هذه الرؤية وتولدها؟ ومن ثم تعاملت الدراسة مع نصوص يوسف إدريس الروائية بوصفها بنية نسقية إبداعية تولدت عن بنية اجتماعية، لاسيما أن أدب يوسف إدريس يشكل خطابا نصيا كليا، وليس وحدات جزئية مشتتة، بل إنه منظومة سردية تتجلى فى الوحدات الصغرى بقدر ما تتجلى فى الأبنية الكلية للنص، وبالتالى تتكشف خواصها الحقيقية من خلال تحليل بنية الخطاب تشكيلا ودلالة، بإنشاء جدلية مع النصوص لاستنطاق محتواها، وسبر أغوارها، وبيان دلالاتها.
واقعية إدريس الخاصة
وذكر د.مجدي العفيفي أن الخطاب النقدي حول أدب يوسف إدريس السردي، قد تغافل كثيرا دراسة أعماله الروائية دراسة فنية شاملة، بالقياس إلى الأهمية البالغة لدراسة قصصه القصيرة ومسرحياته، فلم تحظ رواياته بالقدر الكافي من البحث الأكاديمي والدرس النقدي، بل إن مكتبة الدراسات الأدبية تفتقر إلى دراسة فنية شاملة للتكنيك الروائي عند يوسف إدريس، خاصة في ظل تعددية مناهج السرد وتطورها المستمر.
وانتقد الكاتب التقسيم القسري لمراحل تطور يوسف إدريس، مؤكدا أن في أعمال يوسف إدريس وحدة متناسجة ذات قوة فنية تربط كل اعماله الإبداعية، وتؤكد عدم جدوى التقسيمات وتعسفها بالاختزال المرحلي لمسيرة أربعين عاما، وإغلاق آفاقها الممدودة التي تحلق فيها نصوصه السردية.
وذكر المؤلف أن يوسف إدريس عاش مكافحا من أجل تحقق الشخصية الإنسانية حتى يجد التعبيرالملائم عن مضامينه في صياغة الأشكال الجمالية التي أبدعتها منظومته الروائية التي تكونت ما بين عام 1957 وعام 1980 وهي الفترة التي شهدت كثيرا من التحولات في المجتمع المصري، بثوابته ومتغيراته، بل هي من أكثر الحقب في التاريخ المصري المعاصر توترا على الصعيد السياسي، وعلي المسار الاجتماعي، وعلى المشهد الثقافي، حيث تشكلت رؤية يوسف إدريس للعالم عبر عالمه من خلال إدراكه الشامل للواقع الموضوعي ككل متكامل، وهو واقع كانت متغيراته أكثر من ثوابته إلى حد كبير، وقد تخلصت هذه المنظومة الإبداعية إلى حد كبير من التباسات الواقع السياسي والاجتماعي- وإن كانت مرتبطة بلحظتها المتعينة تاريخيا - لتستبقي الجوهر الأصيل الذي لا يزال يضيء بالقيم فى انسيابها عبر الزمان والمكان وتجاوزها الإطار الجزئي والتاريخى إلى الكلي والإنساني.
وقال العفيفي إن الواقعية قد اكتملت على يدي يوسف إدريس، الواقعية بمعناها الإنساني العظيم الذي يصور الإنسان والمجتمع باعتبارهما كيانات كاملة، لذلك تتحقق في نصوص يوسف إدريس المعادلة الصعبة بين كسر المذهبية الفكرية ورفض المذهبية الفنية من خلال رؤيته هو، فاتجهت أعماله مباشرة إلى البحث الداخلى، وإلى الدائرة المحيطة به، بمعنى أنه اتجه إلى الكائن الحي، لأنه كان يريد العثور على حقيقته أولا، على المرفأ الخاص به الذى يبحر منه إلى عالم الإبداع فكان الغوص في طبقات الذات الفردية الجماعية هو الدافع لاكتشاف الخاصية المصرية التي تؤهله لكتابة قصة مصرية، كما يتصورها هو، لا كما كانت قائمة، ومن هنا يتمثل الانجاز الكبير ليوسف إدريس في خلق قصة مصرية جدا، من خلال البحث في جوهر الشخصية المصرية فكان المواطن المصري البسيط هو المجلّي الأساسي، كنقطة ارتكاز في انجازه الفني، ويظل يبسط حضوره في جميع أعماله القصصية .
تجلياته السردية
وتتشكل الدراسة من أربعة أبواب، مسبوقة بمهاد ومشفوعة بخاتمة.أما الباب الأول فينضوي تحت عنوان «استراتيجية العتبات النصية.. البنية والدلالة» حيث يشكل خطاب العتبات مرتكزا تأسيسيا في الخطاب الكلي لمنظومة يوسف إدريس الإبداعية، بما تمثله العتبات من مواقع استراتيجية في النص، وبما ترسله من طاقة توجيهية في مسارات العمل، وبما تمثله من أهمية كأحد المكونات النصية سواء أكانت عتبات خارجية أم داخلية، بأنماطها المختلفة، ووظائفها المتعددة، ويحتوي هذا الباب على أربعة فصول:درس الفصل الأول عتبة العنوان من حيث الصياغة والشعرية، فيحدد أنماط العنونة، ويحفر في بنية العنوان، ويشرح وظيفته، وكيف يفكر العنوان للنص، وتوقف الفصل الثاني عند «عتبة الافتتاحية.. التصنيف والوظيفة» وكيف أنها تحمل الكثير من جينات النص عبر الإشارات المركزية، وقدرتها على إجراء المسح الكلي للعناصر الروائية، وإلى أي حد ترتبط بنية الإفتتاحية ببنية المجتمع.
ودرس الفصل الثالث «عتبة النهاية.. وجدلية البداية» فترصد تشكيلها من خلال تعادلية إحكام يوسف إدريس افتتاحيات رواياته، وضبط إيقاعات نهاياتها فنيا وفكريا، ليقيم بينهما علاقات جدلية .واختتم هذا الفصل بالفصل الرابع «عتبة الهامش..والملحقات النصية» الذي تم تخصيصه للبحث في أكثر من محور مثل التقديم الذاتي لبعض الأعمال يوسف إدريس، ولجوء الكاتب إلى الهامش الداخلي، ويثير الفصل قضية التحريف النصي في بعض النصوص، ويكشف مغالطات تأريخية ترتكبها الطبعة المتداولة من هذه الروايات التي تعرضت للتحريف، ويؤكد أهمية هامش النشر والناشر للإحاطة بمثل هذه المتعاليات النصية.
وأما الباب الثاني فأفرد مساحته للحفر في طبقات «بنية الشخصية..الأزمة والتصوير الفني» حيث يصور يوسف إدريس في عالمه الروائي كثيرا من شرائح المجتمع، بتعدد مستوياتها، وتنوع طرائق تصويرها، لذا يتشكل هذا الباب من أربعة فصول :تحدث الفصل الأول عن نوعية الشخصية، جماعيا وفرديا، أعقبه الفصل الثاني متخذا مادته من أزمة الشخصية، من خلال ثلاث عدسات سردية هي الكشف، والتحول، والمصير.ودرس الفصل الثالث شخصية المثقف بأنواعه، ومواقفه الفكرية من السلطة والمجتمع والعالم.كما توقف الفصل الرابع حول شخصية المرأة الأجنبية، وكيفية تمثلها للضفة الأخرى في الروايات التي عالجت قضية الصراع الحضاري والمجتمعي بين الشرق والغرب، وشارك فيها يوسف إدريس بمنظوره في ثلاث روايات.
ودار الباب الثالث عن «الراوي والمروي له..وتشكيل الخطاب السردي» فلا سرد بلا سارد ولا رواية بدون راوٍ، لذلك يشكل الراوي في برنامج يوسف إدريس السردي، بسيطا كان أم مركبا، وضعية شديدة التعقيد، ومدى قدرته على تحقيق التكافؤ السردي، وأن دراسة الراوي الفني هي دراسة للخطاب السردي، لاسيما أنه يمثل الصوت الشعري المختبئ تحت الخطاب اللغوي، ويتجاور في هذا الباب فصلان: الأول تحدث عن الموقع والمنظور، والصيغة والتعددية، والثاني يتناول أنواع الراوي مشاركا وعليما وانتقائيا ومحايدا ومنقحا وبطلا وموازنا بين الأصوات، والفصل الثالث عن «المروي له.. الموقع والشكل» محددا ثلاثة وجوه للمروي له، ويفرق بين المروي له والقارئ.
وكشف الباب الرابع كيفية «تضافر الأبنية الفنية..ثلاثية الحدث والزمان والمكان» باعتبارها ثلاثية متداخلة ومترابطة تتفاعل وتتكامل كعناصر فنية متفاعلة لخدمة الاستراتيجية السردية، ويضم هذا الباب ثلاثة فصول:فاوسع الفصل الأول مساحته لبنية الحدث التي تتميز بوضع المتلقي في قلب الحدث الذي تتسلسل منه مجموعة من المتتاليات أو السلاسل السردية، تترابط فتتماسك بارتباط اللاحق بالسابق عليها، وهى في تماسكها وترابطها تخلق منطق بنيتها، ويشرح كيفية التوزيع الخارجي للحدث، والطرائق الفنية لبنائه، مستخلصا منها قانون اللحظة الروائية. وسلك الفصل الثاني مساره في بنية الزمان، بسماته النوعية، وتكسرالزمن الروائي بآليات الاسترجاع والاستباق، والحركات السردية الأربع المتمثلة في سرعة النص وإبطائه بتقنيات التلخيص والحذف والمشهد والوصف.وطرح الفصل الثالث قضايا المكان الروائي، من حيث الإطار المكاني، والعلاقة بين المكان والشخصية، وعدد محاور التشكيل الجمالي للمكان.
يخترق الزمان والمكان
وخلص د.مجدي العفيفي في رسالته إلى الكثير من النتائج، من أهمها، أن الدراسة أثبتت مدى أهمية خطاب العتبات كمرتكز تأسيسي في منظومة يوسف إدريس الإبداعية، بما تمثله من مواقع استراتيجية في النص سواء كانت عتبات خارجية أم داخلية، بأنماطها المختلفة، ووظائفها المتعددة، ومدى تمثيلات هذه العتبات كمادة ثرية للعمل النقدي، وحقل تجارب للتحقق الفني.
وطالب د.مجدي العفيفي بوقف الطبعة الحالية رواية الحرام إذ من الملاحظ أن الطبعات الأخيرة من رواية "الحرام" قد ارتكبت ما يسميه الباحث «جريمة ثقافية» في حق المبدع يوسف إدريس، إذ امتلأت الطبعة الحالية من الرواية بعشرات من التغييرات والتحريفات والاستبدالات في بنية النص، وأوصت الدراسة بوقف هذه الطبعة وعدم تداولها، احتراما لحقوق مؤلفها وتاريخه، وامتثالا لحقوق الملكية الفكرية، وقد ذكر لباحث أنه أخبر دار النشر التي تتولى طباعة أعمال يوسف إدريس بخطورة هذه التغييرات العبثية، ولكن دون جدوى.
وتعرضت الدراسة لكيفية تصوير يوسف إدريس كثيرا من شرائح المجتمع، بتعدد مستوياتها، وتنوع طبقاتها تشكيلا ودلالة، وقدرته على تجسيد هذه النوعيات بتناقضاتها وتقابلاتها شكلا ومضمونا، ومدى تمثله هذه العوالم بأطيافها وعذاباتها واشكالياتها رؤية وأداة، عبر أدوات التصوير الفني في برنامج الكاتب السردي كمرايا متجاورة.
وأوضحت الدراسة مهارة الكاتب في تصوير العلاقات الإنسانية، بإدخال ما هو استثنائي إلى ما هو يومي، واختيار وعرض صور وظواهر الحياة اليومية من التهميش إلى قلب الحياة بطريقة غير ملحوظة، وإدخال الأحياء الفقيرة في المدن وسكان القرى والكفور والنجوع من خلال الفعل الإنساني في العمل الروائي بربط الإنسان بالإنسان، ووضع إنسانية الإنسان في وضعيات استثنائية قادرة على أن تكشف عن حقيقته، لذلك فإن شخصياته تخضع لمنطق الفعل البشرى، فتتعرض للخوف والقلق والتردد والتمزق والضعف والقوة لذا تنمو وتتطور، وتتأثر بالزمان والمكان، ولا تقف متعالية خارج حدود الضعف الانسانى، بل هي شخصية إشكالية يحفظ لها توازنها بالكشف عن جوهرها داخل الحياة نفسها، حين يحولها بشكل غير مباشر، من الشبح إلى الإنسان والواقع الحقيقي، واستحضارها ومعها لغاتها وأخيلتها من عالمها الخاص، ولها قضاياها ومواقفها من العالم.
وأثبتت الدراسة مدى تضافر مجموعة من الملامح الفنية التي تشكل قوام الشخصية الروائية في عالم يوسف إدريس، فتظهرها أكثر اغتناء في حركيتها، وأعمق تركيبا في بنيتها، وأغزر خصوبة في تحولاتها، وهو أحداث رواياته في عوالم بشرية متباينة ومحتملة، ويعهد بالبطولة إلى شخصيات لها بالواقع الخارجي صلات متينة، يجعلها تتحرك في فضاءات اجتماعية وسياسية وحضارية يشدها إلى خارج النص علاقات وثيقة، ويعدد الإشارات إلى الأزمنة والأمكنة المرجعية التي لها من الماضي معالم لا تزال تتحدى الزمن، ولها إلى الحاضر انتماءات تشهد عليه، فالحدث والزمان والمكان ثلاثية متداخلة ومترابطة، تتضافر كعناصر فنية متفاعلة لخدمة الاستراتيجية السردية.
وأوضحت الدراسة أن يوسف إدريس يتكئ في سردياته الروائية على الواقعية بمعناها الإنساني العظيم كمنهج للتشكيل الفني المناسب لرؤاه بنزوعها إلى تصوير المشكلات الرئيسية للوجود الإنساني، لكنه يتمايز بأنه صنع لفنه واقعية خاصة به، فهو بقدر ما يكسر المذهبية الفكرية، يرفض المذهبية الفنية، ويتأبى على التصنفيات الضيقة، بنزوعه الى الإستقلالية، والتجريب المستمر، وأن المغايرة لديه تقع في طرائق التعبير، ومن ثم فإن أعماله قادرة على أن تحتفظ بقيمتها وقيمها خارج اللحظة التاريخية والاجتماعية المتعينة، وأن نصوصه الروائية تتجاور، لتتحاور مع نصوص قصصه القصيرة، لتتشكل الحقيقة الموضوعية الدالة على إنجازه الأدبي، وهي الأكثر تحققا لدوره في الفن القصصي، عموما، وأن كفاح يوسف إدريس الفني يتجلى من أجل الشخصية الإنسانية، من خلال تصوير أنماطها لتتكشف تناقضات الوجود الإنساني، وأن الإنسان بأشواقه وعذاباته، هو الركيزة الأساسية والتأسيسية في رؤيته الفنية.
وأكدت الدراسة أن أعمال يوسف إدريس الروائية تجدد نفسها مع كل قراءة كاشفة، من حيث انفتاحها في مظاهرها الدلالية، ومن حيث قدرتها على تشكيل جدلية مستمرة بين فن يدعو إلى التفكير وفكر يحقق الفن، من خلال الرؤية الشمولية التي تنتظم مجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية والانسانية، داخل أنساق فنية وتشكيلات جمالية تمكن من إدراك العالم بصورة عميقة.
وتبقى الإشارة إلى أن هذه الدراسة تطمح إلى فتح آفاق جديدة لعالم يوسف إدريس الروائى واستثمار معطيات علوم السرد الحديثة لاكتشاف المزيد من عطاءات أعماله، لاسيما أنها إبداعات تتجدد مع كل قراءة بما تحتويه من قيم جمالية ثرية فتخترق الزمان والمكان والإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.